لم يكد الشارع الروسي ينسى حادثة اغتيال المعارض البارز (بوريس نيمتسوف، خمسة وخمسين عامًا) في ظروف غامضة نهاية شباط/فبراير الماضي في شوارع موسكو، الجريمة التي صنفها خبراء ضمن نطاق جريمة الاغتيال السياسي لا سيما وأن نيمتسوف من أشد المنتقدين لسياسات الرئيس فلاديمير بوتين لتدخله في أوكرانيا، حتى تظهر بين الحين والآخر حوادث مشابهة -وإن كانت بدرجات متفاوتة- تكشف حقيقة مدى سطوة النظام الأمني القمعي وتدني مستوى حرية التعبير في ثاني الدول العظمى على مستوى العالم.
فقد تداول نشطاء وأنصار المعارضة الروسية، هذا الأسبوع، مقطع فيديو يظهر فيه موالون للرئيس بوتين وهم يضربون رجلًا مسنًا أثناء قيامه بوقفة احتجاجية صامتة، ينتقد فيها بوتين.
الفيديو الذي انتشر عبر شبكات التواصل الاجتماعي الأكثر شهرة واستخدامًا في روسيا KV وعبر اليوتيوب، أثار موجات غضب واستياء في أوساط النشطاء من قمع الحريات التي تنتهجها حكومة بلادهم.
في الفيديو يظهر فلاديمير لونوب (ستة وسبعون عامًا)، ينظم اعتصامًا صامتًا بمفرده في إحدى ساحات موسكو ويحمل لافتة كتب عليها باللغة الروسية "حيثما يوجد بوتين .. لا يوجد عقل". ولم يمض وقت قصير حتى قامت مجموعة من الشبان الموالين لبوتين، بالاعتداء على المعتصم العجوز وأجبروه على إنهاء اعتصامه بالعنف.
الفيديو الذي مدته دقيقة ونصف يظهر فيه أحد المهاجمين من عناصر تنظيم SERB -المقرب من الحكومة- ويصرخ في وجه المعتصم المسن: "أنت تهين وتسخر من الناس الذين انتخبوا رئيس الحكومة الذي عيّن بوتين رئيسًا".
لم يكترث لهم لونوب وهو يردد: "هتلر ليس ألمانيا، وبوتين ليس روسيا".
تتهم منظمات دولية تعنى بحقوق الإنسان السلطات الروسية بالتعرض لحرية التعبير لما تفرضه من رقابة حكومية شديدة على ذلك
بعدها راح ذات المهاجم يهدد لونوب ويلوح للمتجمهرين بقصاصة ورقية ويشرح قائلًا: "هذه مادة قانونية رقم 319 تمنع إهانة الرئيس، وهذا ما تفعله أنت، لماذا تفعل ذلك؟".
اقرأ/ي أيضًا: بوتين يسرق الضوء من سليماني
وعندما قام المعتصم العجوز بطي اللافتة منزعجًا وهو يتمتم بكلمات، انقض عليه الشبان وضربوه وقاموا بإلقاء مادة خضراء اللون وأخرى بيضاء كالدقيق على وجهه وكامل جسده، بينما قام المهاجم بنزع اللافتة عنوة من العجوز المسن وتمزيقها إلى قطع صغيرة.
في حين لم يظهر في الفيديو إلا رجل واحد يحاول إبعاد الشبان عن لونوب بينما اكتفى المتجمهرون بتصوير الحادثة.
هذا وتتهم منظمات دولية تعنى بحقوق الإنسان السلطات الروسية بالتعرض لحرية التعبير لما تفرضه من رقابة حكومية شديدة على ذلك. وقد شهدت شوارع موسكو منتصف أيلول الماضي خروج الآلاف من أنصار المعارضة احتجاجًا على إصدار حكومة بوتين قوانين جديدة اعتبرها المتظاهرون تقييدًا صارخًا لحرية التعبير.
يذكر أن قمع الحريات وتكميم الأفواه في روسيا من الأمور المعروفة على مستوى العالم وكثيرةٌ هي القصص المشابهة لهذه الحادثة، لا سيما مع وصول فلاديمير بوتين إلى سدة الحكم وانتهاجه سياسات مافياوية يطمح من خلالها لإظهار نفسه كرجل قوي ومتنفذ عالميًا بعد إحكام سيطرته على قرار الكرملين عبر إبعاد معارضيه الذين يطالبونه بمحاربة الفساد وتحقيق مبدأ تداول السلطة.
كما يواجه بوتين انتقادات حادة من المعارضة الروسية تتهمه بالتسبب في انهيار اقتصادي فظيع فقدت خلاله العملة الروسية (الروبل) ثلث قيمتها، و جر الجيش الأحمر للتدخل السافر في أراضي الجارة الغربية، أوكرانيا، لضم إقليم شبه جزيرة القرم العام الماضي، وإرساله مؤخرًا الطيارين الروس لقصف المدن والمدنيين في سورية، كل هذا من دون أن يجرؤ أحد على انتقاد سيد الكرملين.
اقرأ/ي أيضًا: بوتين وسورية..أول الرقص حنجلة