ليس بالجديد أو الطارئ العاجل المقلق ما يواجهه مناضلو التجمع الوطني الديمقراطي في مقاومتهم لحرب الاحتلال عليهم، تلك الحرب الاستعمارية اللعينة القديمة على كل ما هو فلسطيني، حتى بات الفلسطيني ليس في الداخل والشتات فقط، بل على مفرمة فرز الضفة وغزة، ومناطق سلطة فلسطينية أ-ِA أو ج-C، ومع بعض الدكتاتوريات أو ضدها، متمسكًا بأصنام وطواطم تنظيمية بائدة أو محددًا نحو شكل من أشكال المواكبة للمسألة التنظيمية بروح العصر ومتطلبات المعركة المفتوحة على الريح والاحتلال. نعم الفلسطيني واحد في حقوقه، لكنه لم يكن يومًا موحدًا بالمطلق في موقفه السياسي تجاه قضايا وطنه، حتى الأساسية جدًا منها.
نعم الفلسطيني واحد في حقوقه، لكنه لم يكن يومًا موحدًا بالمطلق في موقفه السياسي تجاه قضايا وطنه
لطالما أثار العمل البرلماني للنواب العرب في الكنيست الإسرائيلي حالة نقاش أقرب إلى حدود الرعب في الأوساط الفلسطينية-الفلسطينية، السجال مستمر، ولا يتوقع أن ينتهي يومًا، فقبة برلمان الاستعمار، الكنيست الإسرائيلي في حالة الفلسطينيين، لا يتم النظر إليها بذات العين من قبل جميع الأطراف، وليس في هذا من شذوذ عن طبائع الأشياء. لكن عندما تطالعنا في الأيام الأخيرة حملة شنيعة شاسعة، ظاهرها يميني، وباطنها لا يخلو من أيسر اليسار الصهيوني، فإن هذا لا يعني حالة ذعر أو رعب، فما تعرض ويتعرض وسيتعرض له التجمع أو أي مناضل فلسطيني في أرضه وخارجها، متوقع وليس بالشأن المستجد، ولا يتعلق الأمر بالثمن عندما يكون الحديث في دائرة الكرامة الوطنية والقومية، بل الإنسانية في صميمها قبل أي شيء. هذا على الأقل ما قالته الإفادة الرسمية الصادرة عن التجمع الوطني الديمقراطي بصدد افتعالات نتنياهو الأخيرة بحق النواب العرب حنين زعبي وباسل غطاس وجمال زحالقة، الأعضاء في القائمة العربية المشتركة، التي أدانت الأمر برمته من طرفها، في حين لم تنبس أفواه منظمة التحرير أو الفصائل أو السلطة الفلسطينية بأي حرف "نسبيًا".
مشهد مماثل لما سبق، يدفع للبكاء سخرية في حين وتقطيعًا للذات أو جلدًا لها في أحيان، ذلك أن المسألة المتوقف عليها الحال الفلسطيني بسيطة، وليست الإجابة عليها بمنيعة، ماذا يريد الفلسطيني/ ماذا عليه أن يفعل؟ سيان، والإجابة واحدة، فإما التعامي أو فتح الأعين في عين الاحتلال. هذا ما تقوله حال من يقفون وحدهم إلا من شعبهم في مواجهة كل الأدوات الاستعمارية في فلسطين.
الواقع القانوني للفلسطينيين بمختلف أماكن تواجدهم غاية في التعقيد والتنكيل معًا، إذ لا يتسع التدبير الفلسطيني للعودة إلى كلاسيكيات جذور أسبقية البيضة و"الدجاجة"، فمن يتحرك ضمن الكنيست هنيئًا له إن لم نستطع إسناده، وهذا أضعف الإيمان، ومن يتمترس وراء جذع شجرة بلوط ليقتنص جنود الاحتلال، هنيئًا له أيضًا. لذلك لا حاجة أكثر إلى النقاش لأجل النقاش، والجدل لأجل الجدل، وخاصة إذا حضر "الديالكتيك" مفهومًا، والإنجليزية "لغةً"، بينما من قصر أو غدر، فهنيئًا له خزيه أيضًا.
الحرب قائمة لمن يريد الاحتراب، والحانة قائمة، كما لم تهدم كنس ومساجد البلاد، ليكن لكل شأنه، أما تعطيل النضال والتآمر عليه بالأقاويل، فهذا فعل شائن في عرف الأجداد وفي فطرة الطبيعة، فما على السلطة الفلسطينية والحاشية الكريمة في رام الله إلا التخلي عن العادة الذميمة المرتبطة بالتخديم على الاحتلال أمنيًا والتنفع منه اقتصاديًا، لأن هذا رأس قائمة ما ينهى عنه فلسطينيًا، ووقف حالة التنكر للفلسطيني داخل الخط الأخضر فمنظمة التحرير ليست معفية بأي شكل من مسؤوليتها، فلا إمكانية لتحقيق أي نقطة في مرمى الاحتلال طالما لم تسد روح الفريق، أو يكون خيار من يعاكسه هذا المنطق التنحي بلطف.
اقرأ/ي أيضًا: