شهدت شوارع العاصمة التونسية وأزقتها، في المدّة الأخيرة تواجد بعض الفرق الموسيقية الشبابية التي تقدّم عروضًا موسيقية للمارة وكلّ المترجلين، الذين يتفاعلون مع الموسيقى المقدمة من هذه الفرق بكثير من التصفيق والرقص أحيانًا.
غالبًا ما تكون الموسيقى شبابية وتعبّر عن قضايا المجتمع والمواطن بلغة بسيطة ومحببة
غالبًا ما تكون الموسيقى شبابية وتعبّر عن قضايا المجتمع والمواطن بلغة بسيطة ومحببة. وهو ما أضاف حركية على الشارع التونسي الذي لم يعهد في السابق هذه الظاهرة الجديدة، التي ظهرت بعد الثورة التونسية على عكس أعرق شوارع عواصم العالم التي احتضنت هذا النمط من الفرق المتجولة، أو ما يطلق عليها فنّ الأندرغراوند.
اقرأ/ي أيضًا: "ثياترو" الموريتانيّ.. إشكالية التأسيس
يمارس هذا الفنّ بتونس بعض الشباب من هواة الموسيقى، وبعض الطلبة والمعطلين الموهوبين الذين لم يجدوا فرصًا للظهور في حفلات رسمية، فلجؤوا إلى ممارسة هذا النوع من الفنّ في شوارع العاصمة، من أجل ظهورهم لجمهور لا يتنقل ولا يعاني للوصول إليهم، ومن أجل مقابل مادي عادة ما يكون قليلًا، من تبرعات المارة والجمهور العرضي وهو من الفئات الفقيرة لذا يترك بضعة مليمات كدليل عن التفاعل مع المواهب الشبابية وتشجيعهم لهم.
يعتبر هذا التواجد العرضي لمجموعات موسيقية لم تؤمن بتعقيدات الإدارة التونسية حدثًا جديدًا وغريبًا على ذهنية التونسي، الذي تعوّد على الحفلات المنظمة في الأعياد الوطنية، أو في الحملات الانتخابية، لكن أن يمارس الشباب الموسيقى دون إذن حكومي، أو دون طلب رخصة فهذا في حد ذاته ثورة على العقلية التونسية النمطية.
يعتبر غناء الشباب في واقع شهد ثورة أطاحت برأس النظام، وفي الشارع التونسي الذي احتضن هذه الثورة، نوعًا من إطلاق عنان الصوت للغناء من أجل الحرية والعدالة والاجتماعية، وغيرها من القضايا الحارقة التي يتقن هؤلاء الغناء عنها بشكل مبسط وجميل، وهذا أمر لم يستسغه الأمن التونسي بعد انتشار هذا النوع من الموسيقى في العاصمة، فقام مؤخرًا بملاحقة وحجز بعض المغنين، بهدف أن يعيد إلى المواطن التونسي الخوف واليأس من الشارع ولتعود هيبة الدولة من جديد.
اقرأ/ي أيضًا: مسرحية "الراحلة".. الألم بالجملة
في هذا السياق نشر الفنان وسام عمراني يوم الثلاثاء 12 نيسان/أبريل 2016، تدوينة على صفحته بموقع التواصل الاجتماعي فيسبوك كتب فيها ما تعرض إليه بصحبة مجموعة "الفنّ سلاح" من طرف بعض أعوان الأمن، الذين قاموا باعتقال الفنانين من أحد شوارع العاصمة، واصطحابهم إلى أحد مراكز الأمن وإجبارهم على إمضاء التزام بعدم ممارسة الموسيقى والعزف وتقديم العروض في الشارع مرّة أخرى، لكنهم عادوا من جديد ومارسوا العزف في الأمكنة ذاتها.
أصبح من الضروري التحرك من أجل كسر القيود الرقابية التي تفرضها السلطة على الشباب في تونس
تعاطي البوليس مع هؤلاء الشباب بتلك الطريقة أثار استياء عميقًا في صفوف الحقوقيين والنشطاء، الذين أدانوا هذه الممارسات البوليسية، وقاموا بالتشهير بها ورفضها على صفحات الفضاء الافتراضي، كما نشرت بعض وسائل الإعلام التونسية الخبر وتداوله التونسيون بكثير من الغضب، بعد عودة ما سماه البعض بالدكتاتورية البوليسية.
اعتبر الناشط الحقوقي والمدون حسين بن وردة أن التعامل مع فنون الشارع كفعل إجرامي هو سياسة تتبعها السلطة منذ عقود، انطلقت مع سجن بعض الفنانين الشعبيين ومازالت متواصلة مع فناني الراب والموسيقى البديلة. ويضيف أنّ البلاد التي تتعامل مع الفرد كأداة عمل لا حق لها لا في التعبير والنشر.
أصبح من الضروري التحرك من أجل كسر القيود الرقابية التي تفرضها السلطة على الشباب في جميع المجالات، وخلق فضاءات تعبير حرة تخدم حرية التعبير والثقافة، في دولة كل ما تحتاجه لمجابهة أخطار الإرهاب هو ثقافة تنبذ العنف.
اقرأ/ي أيضًا: