23-أبريل-2024
طفل فلسطيني مصاب في مستشفى الكويت بمدينة رفح

(Epa) يهدِّد سوء التغذية وغياب الرعاية الصحية حياة الجرحى

تكشف شهادات الأطباء الأجانب العائدين من قطاع غزة عن واقع صحي ومعيشي بائس، يفاقمه استمرار القصف الذي لم يهدأ منذ 200 يوم استُشهد خلالها أكثر من 34 ألف فلسطيني، وأُصيب ما يزيد عن 77 ألفًا.

خالد الدواس، وهو جراح بريطاني – فلسطيني، أحد هؤلاء الأطباء الذين تطوعوا لمساعدة الأطباء الفلسطينيين في المستشفيات القليلة المتبقية في قطاع غزة، حيث خرجت 80% من المستشفيات عن الخدمة بسبب القصف.

زار الدواس، وهو جراح معدة، قطاع غزة مرتين برفقة أطباء آخرين من جمعية العون الطبي للفلسطينيين (MAP)؛ الأولى في كانون الثاني/يناير الفائت، والثانية قبل أيام. وفي الزيارتين، عمل على مساعدة الأطباء في مستشفى شهداء الأقصى بمدينة دير البلح وسط القطاع.

يهدِّد سوء التغذية وغياب الرعاية الصحية حياة الكثير من جرحى القصف الذين خضعوا لعمليات جراحية

وفي شهادته عما رآه وعايشه في المستشفى، في مقابلة مع موقع "ميدل إيست آي" البريطاني، ذكر الدواس أنه رغم المدة الزمنية القصيرة بين الزيارتين، إلا الفارق كان هائل، وأذهله فقدان زملائه الأطباء لوزنهم بصورة مخيفة.

وقال: "أول شيء قلته لهم هو: ماذا حدث لكم؟"، مشيرًا إلى أنهم بدوا وكأنهم بقايا من ذواتهم السابقة: "لقد فقدوا جميعًا الوزن، وأنا أتحدث عن ما بين خمسة و20 كيلوغرامًا".

وأضاف: "إنهم يعملون مثل الروبوتات"، وتابع قائلًا: "حاولنا أن نخبرهم أننا كنا هناك لمنحهم فترة راحة.. لكن الجلوس في المنزل أسوأ، لأنهم يفكرون، ماذا سأفعل، أجلس في المنزل وانتظر فقط أن يحدث لي شيء ما؟".

وذكر الدواس أنه من بين الفروقات التي لاحظها هو الكثافة السكانية الهائلة، حيث أصبح الطريق المؤدي إلى المستشفى، والذي كان في السابق طريقًا ريفيًا، مكتظًا بالخيام بسبب تزايد عدد النازحين الفلسطينيين نتيجة القصف الإسرائيلي المتواصل.

ولفت إلى أن المستشفى كان أيضًا مكتظًا بالناس كما تركه في زيارته السابقة: "في الواقع لم تعد هناك مساحة متبقية ولم يكن هناك أي مساحة متبقية في يناير. هناك أشخاص في كل ردهة.. كانت عائلاتهم ترقد على الأرض بين الأسرّة".

وفي المستشفى، أوضح الجراح البريطاني – الفلسطيني أنه كان يعالج في الأغلب جروح الشظايا والرصاص في البطن والصدر، وكان يتعامل مع حوالي أربع إلى خمس حالات يوميًا. وأكمل: "إنهم مصابون بإصابات معقدة للغاية والعديد منهم يعانون من إصابات متعددة في الأعضاء، وكسور مزمنة وبتر أطراف، وإصابات في البطن وإصابات في الصدر".

وأشار إلى أن المستشفى امتلأ بالجرحى، ومعظمهم من الأطفال، خلال العملية البرية التي نفذها جيش الاحتلال الإسرائيلي في مخيم النصيرات، وسط قطاع غزة، بين 11 و13 نيسان/أبريل الجاري، لافتًا إلى أنه كان يجري عمليات جراحية لـ20 إلى 30 مصابًا يوميًا.

وقال في وصف ما خبره داخل المستشفى: "كان هناك شقيقان (فتاة وصبي) ثم صبي آخر.. اضطررت إلى إجراء عملية جراحية للفتاة البالغة من العمر 11 عامًا مرتين لأننا لم نتمكن من العثور على مصدر النزيف".

وبين العمليتين، أسرع لإجراء عملية جراحية لصبي كان ينزف بشدة بسبب شظية اخترقت أردافه وحوضه. ورغم عودته لإجراء العملية للفتاة، لكنها توفيت بعد 36 ساعة بسبب فقدانها الكثير من الدم.

وإلى جانب جرحى القصف، عالج الدواس مرضى السرطان في مراحله المتقدمة، وكان الأوان قد فات لفعل أي شيء مع معظم الحالات التي صادفها، خاصةً في ظل غياب الإمدادات والمعدات الطبية.

وأشار إلى أنه كان يعمل برفقة زملائه بالحد الأدنى من المعدات الطبية المتاحة، لافتًا إلى أنهم كانوا يستخدمون أجهزة وأدوات تُستخدم مرة واحدة، عشرات المرات.

وكان قد تعلم في رحلته السابقة، كما يقول، كيف يحتال على نقص الأدوات الطبية عبر مراقبة زملائه الفلسطينيين الذين تكيّفوا مع الأدوات المتاحة لهم. وقال إنه اضطر في كثير من الأحيان إلى إجراء عمليات جراحية بطرق سيئة بسبب نقص الأدوات.

وذكر أن الجانب الأكثر إثارة للقلق هو عدم وجود رعاية صحية للجرحى بعد العمليات الجراحية، الأمر الذي يؤدي، إلى جانب سوء التغذية، إلى فقدان حياتهم.

وتطرّق الدواس في حديثه إلى تدهور مستوى النظافة وانتشار رائحة مياه الصرف الصحي في المستشفى بسبب الخراب الذي خلّفه القصف الإسرائيلي المتواصل، الذي دمّر معظم البنية التحتية في قطاع غزة.

وقال إن الأمراض المعدية منتشرة في كل مكان في غزة: "كل شيء في غزة كان ملوثًا.. الجميع أصيب بالعدوى ورائحة القيح كانت في كل مكان"، مضيفًا أنه شهد حالات عديدة لأطفال يعانون من خراج الرئة بسبب التهابات في منطقة الصدر.

وأوضح الدواس أن: "هذه حالات نادرة للغاية.. عليك أن تتساءل عما إذا كان مرض السل يطل برأسه"، وتابع: "لكن لا توجد طريقة للاختبار لأنهم لا يملكون المختبرات اللازمة للقيام بذلك".