وقفت الشابة سوزان بركات، أخت ضياء بركات، الذي قٌتل العام الماضي في حادث إطلاق النار في تشابل هيل، كوجه يعرف معنى المأساة تتحدث عن أولئك الذين "استهلكتهم الكراهية لن يحدونا ولن يضعونا في قوالب". التقط دونالد ترامب الميكرفون بسرعة ليقول: "إذا لم نرد بقسوة وذكاء فإننا سنفقد البلد، لأن زعماءنا ضعاف. أنا أحاول إنقاذ الحياة بمنع وقوع عمليات إرهابية جديدة. نحن لا يمكننا البقاء ملتزمين باللياقة السياسية".
كونه القاتل مسلمًا، في أورلاندو، جعل من المادة الإعلامية أكثر جاذبية وحضورًا
عمر متين، كالعادة في هذه النوعية من الحوادث، كان شخصًا عاديًا ربما زار المكان نفسه، بار المثليين، مرة أومرتين كزبون. القراءة القديمة للحدث تفترض أنه لا يجب أن يرتكب القاتل عملًا يبتغي به رضا الرب. ربما كان يعاني من اضطراب ذهني، لكن كونه مسلمًا يجعل من المادة الإعلامية أكثر جاذبية وحضورًا، ويجمع حوله مريدي الدعوة الرائجة "الإسلام دين القتل"، وكل ما هو مستهلك في هذا السياق.
اقرأ/ي أيضًا: القوات الكردية.. حليف أمريكا الجديد في سوريا
نشرت "الديلي تليجراف" في عددها يوم 15 من حزيران/يونيو أن الرجل كان يعمل لدى إحدى شركات الأمن في فلوريدا، وأنه ثنائي الميول الجنسية، كما كان له تاريخ مع المنشطات، وهذا وفقًا لما صرحت به زوجته.
أما جوليا لوف على "الفورين بوليسي" فقد كانت أكثر جرأة في قراءة الحدث فكتبت تقول: "لقد سئمت حقًا من الجدل الذي يتبناه ترامب وبيل ماهر حول أن الإسلام دين عنف بالوراثة، لقد كنت شاهدة على هذا الجدل عدة مرات، ومنها مرة في إحدى حفلات العشاء حين قامت لورا إنجراهام صاحبة البرنامج الإذاعي الأشهر في الولايات المتحدة، تقترح استطلاعًا على الحضور قائلة فليرفع يده من يعتقد أن الإسلام دين القتل".
لورا إنجراهام نفسها التي صرحت قائلة على موقع "رينج أوف فاير" قائلة: "إن عنصرية ترامب ليست مشكلة كبيرة إذا كانت قيادة الحزب الجمهوري سوف تصمت عن ذلك!". لست بصدد توجيه المقال نحو دفة المؤامرة، هناك على أي حال إيديولوجيات تتآمر على نفسها وتأكل نفسها، كما هو الحال بالحزب الجمهوري حين صدر وجهًا مثل جورج بوش الابن، فكان الرجل صداعًا للعالم كله استمر لأعوام. لكن فكرة تجييش الإعلام وتحريضه على فكرة أو خلق صراع ما في الواجهة هي فكرة أمريكية خالصة. فلعلك ذات يوم زرت موقع مايكل مور، مصور الأفلام الوثائقية الأكثر جدلًا في الولايات المتحدة، ولعله الأكثر جدلًا في العالم، وهو يضع على صدر موقعه صورة لاجتماع القيادات العليا في الجيش الأمريكي تتقدمهم صورته وعبارة: أي البلاد سنغزو غدًا.
وهكذا تتحول قصة المضطرب عقليًا، ذي الميول الجنسية الثنائية، إلى الشرارة التي تبني مشروع هجوم جديد لإدارة أمريكية أكثر صخبًا بعد أوباما، لا تقدم مشروعًا حقيقيًا لنفسها سوى شرعية تكتسبها من خلال الحرب.
اقرأ/ي أيضًا: حزب الله يجتاح كلية العلوم في الجامعة اللبنانية
الاستسلام للكليشيهات أمر غاية في السذاجة، حتى وإن كان العنف المتصدر عالميًا برعاية يافطة سوداء تحمل شعارًا دينيًا
أذكر أن من أهم المواضيع المثبتة على صفحة مايكل مور نفسه كانت تحت عنوان: هل تعلم أنه من الممكن أن تحمل بندقية محشوة بالرصاص في المطار؟ هذا الرجل فعلها. ويحكي المقال الذي كتبته لورا بيجيلي بلوم ونشره مور على صفحته بتاريخ الرابع من حزيران/يونيو 2015 أنه وفقًا لقانون الحماية وحمل السلاح في مدينة جورجيا الأمريكية فإنه بإمكانك حمل السلاح في المطار، وأن رجلًا يدعي "جيم كولي" كان يوصل ابنته إلى المطار فاقترب منه رجال الأمن يسألونه عن جدوى حمل سلاحه فرد الرجل: للحماية. وانتهت القصة.
إذا كان المجتمع العالمي بحاجة إلى وقف الجريمة فهو بحاجة إلى العدل. وإذا كان غير قادر على تحقيق العدالة لأن حملًا ثقيلًا من التوازنات والإيديولوجيات والمصالح تقف في طريقه، فليكن على الأقل تطبيق القانون هو الصفة الرسمية الوحيدة التي تقف أمام مرتكب الحادثة، وليس كونه مهاجرًا أفغانيًا مسلمًا. لأن الاستسلام للكليشيهات أمر غاية في السذاجة، حتى وإن كان كل العنف المتصدر عالميًا برعاية يافطة سوداء تحمل شعارًا دينيًا كتلك التي يحملها تنظيم داعش وغيره من التنظيمات الموالية.
صحيح أن العالم مكان بائس، لكن ذلك ليس تحت رعاية أتباع دين بعينه!
اقرأ/ي أيضًا: