09-مايو-2023
Getty

رغم التقارب الأردني مع نظام الأسد إلّا أن عمليات التهريب مستمرة (Getty)

شكلت عملية القصف التي استهدفت، المسؤول الأبرز عن عمليات تهريب المخدرات من سوريا عبر الحدود الأردنية، طريقةً جديدةً لتعامل الأردن، مع موجة التهريب التي تمر عبر حدوده منذ سنوات، ويرعاها نظام الأسد.

كان الرمثان يقود عمليات التهريب والتسلل من الجنوب السوري، برعاية حزب الله، ومجموعات مدعومة إيران، مستخدمًا في عمليات التهريب تقنيات عالية مثل الطائرات المُسيّرة

وأسفرت الغارة عن مقتل مرعي رويشد الرمثان وعائلته، بالإضافة إلى قصف معمل لإنتاج المخدرات. ويعتبر الرمثان، رجل حزب الله اللبناني الأول في تجارة وتهريب المخدرات في المنطقة الجنوبية من سوريا، بالإضافة لعلاقات واسعة مع الفرقة الرابعة التابعة لنظام الأسد.

وكان الرمثان يقود عمليات التهريب والتسلل من الجنوب السوري، برعاية حزب الله، ومجموعات مدعومة إيران، مستخدمًا في عمليات التهريب تقنيات عالية مثل الطائرات المُسيّرة التي تستخدم في مراقبة المنطقة الحدودية الطويلة، بالإضافة إلى شحن المخدرات عبرها.

Getty

وعن تلك المُسيّرات، كان الجيش الأردني، قد أعلن في 17 شباط/فبراير 2021، عن إحباط عملية تهريب للمخدرات باستخدام طائرات مسيّرة قادمة من الأراضي السورية. وقالت السلطات الأردنية، إن محاولات تهريب المخدرات عبر الحدود باتت "منظمة ويستعين المهربون بالطائرات المُسيّرة".

وبعد أن وصلت عمليات تهريب المخدرات إلى مستويات غير مسبوقة، أصبح الرمثان المطلوب رقم واحد في الأردن، وصدرت بحقه عشرة أحكام قضائية من محكمة أمن الدولة الأردنية، وتراوحت الأحكام في كل قرار بين 20 و25 عامًا مع الأشغال الشاقة.

تأكيد أردني على استهداف التهريب

وفي أول تعليق رسمي على العملية، أكد وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي في مؤتمر صحفي مشترك مع نظيره الهولندي فوبكه هويكسترا، أن "الأردن اتفق مع حكومة النظام السوري على تشكيل فريق أمني سياسي لمواجهة موضوع خطر تهريب المخدرات". 

وأضاف "عندما نتخذ أي خطوة لحماية أمننا الوطني ومواجهة أي تهديد له سنعلنها في الوقت المناسب"، وذلك دون نفي أو تبني الغارة بشكلٍ رسمي. وأشار الوزير الأردني إلى أنه سيتصل بنظيره في النظام السوري لبحث "كيفية ترجمة الاتفاق إلى آلية عمل واضحة تساعدنا على مواجهة هذا الخطر والحد منه".  

يشار إلى أن البيان الختامي لاجتماع وزراء الخارجية العرب في العاصمة الأردنية عمّان، تضمن موافقة النظام السوري على المساعدة في تحديد مصادر إنتاج المخدرات وتهريبها عبر الحدود، واتخاذ الخطوات اللازمة لوقف التهريب عبر الحدود مع الأردن والعراق.

Getty

وتأتي هذه العملية بعد تهديد الأردن بالقيام بعملية عسكرية داخل سوريا، وذلك خلال لقاء لوزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي مع قناة "CNN" الأمريكية، حيث أشار إلى أن بلاده "ستقوم بكل ما يلزم من أجل التصدي لمواجهة تهريب المخدرات إليها عبر الحدود السورية، بما في ذلك القيام بعمل عسكري داخل سوريا للقضاء على هذا التهديد الخطير". 

وأضاف الصفدي، هذه "المشكلة لا تُمثل تهديدًا للأردن فقط وإنما تمتد وصولًا إلى دول الخليج ودول عربية أخرى والعالم، وسوف نقوم بما يلزم للإسهام في إنهاء هذه الأزمة، وسنقوم في الوقت ذاته بما يتطلبه الأمر لحماية المصالح الوطنية الأردنية".

عمليات التهريب عبر الحدود الأردنية

شكل تصاعد عمليات تهريب المخدرات عبر الحدود الأردنية مع سوريا، هاجسًا للسلطات الأردنية على الصعيد الأمني والاجتماعي.

ففي تسعينات القرن الماضي نشطت حركة التهريب على طول الحدود الأردنية السورية التي يبلغ طولها 375 كلم. وذلك من خلال طرق التهريب عبر الحدود، أو من خلال المعابر الحدودية في الشمال، عبر مركز حدود الرمثا الذي يقابله مركز حدود درعا، أو من مركز حدود جابر الذي يقابله مركز حدود نصيب على الجانب السوري.

في البداية كان التهريب مقتصرًا على المواشي والسجائر، لكن خلال العقد الأخير تغير التهريب بشكل جذري، خاصة بعد عودة سيطرة النظام السوري والمليشيات الإيرانية على المنطقة الجنوبية بدعم روسي.

Getty

وأصبحت المنطقة الجنوبية معقلًا لإنتاج مختلف أنواع المخدرات من حبوب الكبتاغون والكريستال وغيرها من المواد المخدرة. وشكلت الحدود الأردنية السورية منطقة عبور لتهريب تلك المواد نحو دول المنطقة والخليج العربي وأوروبا، وذلك بإشراف من المليشيات المدعومة إيرانيًا، والفرقة الرابعة التي يقودها شقيق رئيس النظام السوري ماهر الأسد. حيث يشير الأردن إلى أن نحو 85% من المخدرات التي يتم ضبطها تكون مجهزة لتهريبها مرة أخرى خارج الأردن.

وعلى الرغم من التقارب بين الأردن والنظام السوري خلال موجة تطبيع العلاقات معه. إلا أن السلطات الأردنية رصدت تصاعدًا كبيرًا في عمليات تهريب المخدرات إلى الأردن، بداية من عام 2022. حيث أشارت إلى وجود 160 شبكة تهريب للمخدرات تعمل من جنوب سوريا، وتحاول تهريبها إلى الأراضي الأردنية والدول المجاورة.

هذا الارتفاع الملحوظ في عمليات التهريب وضع قوات الأمن الأردنية أمام تحديات كبيرة، وهي تأمين الحدود الطويلة مع سوريا، ومع زيادة انتشار الجيش الأردني، ارتفعت عمليات ضبط شحنات بكميات كبيرة للمواد المخدرة القادمة من سوريا. لكن ذلك عرضها لهجمات مستمرة من قبل مهربي المخدرات المدعومين من المليشيات الإيرانية والفرقة الرابعة.  

ففي 16 كانون الثاني/يناير 2022، أعلن الجيش الأردني، عن مقتل ضابط برتبة نقيب وإصابة ثلاثة أفراد بالجيش الأردني في اشتباك مسلح مع مهربين كانوا قادمين من الداخل السوري.

وأمام تزايد حدة عمليات التهريب، واستهداف أفراد الجيش، أعلن الجيش الأردني تغير قواعد الاشتباك المعمول بها على الحدود  مع سوريا للتصدي لعمليات التهريب، وجاء هذا الإعلان بعد مقتل عنصرين من أفراد الجيش بعد اشتباك مسلح قرب الحدود.

وبعد أسبوع من هذا الإعلان، قُتل 27 مهربًا لدى محاولتهم اجتياز الحدود من سوريا الى الأردن بإسناد من مجموعات مسلحة.

الكبتاغون مصدرًا لأموال النظام السوري 

بسبب تورط النظام السوري في تجارة المخدرات، أصبحت سوريا اليوم مركزًا عالميًا لإنتاج وتصدير حبوب الكبتاغون، ومكنت سيطرة النظام وإيران وحزب الله، على الجنوب السوري من تثبيت هذه التجارة على الأرض، والاستفادة منها. 

ففي عام 2020، ووصلت قيمة الصادرات التي يشرف عليها النظام السوري من حبوب الكبتاغون إلى ما قيمته 3.46 مليار دولار أمريكي. 

وتشير العديد من المصادر إلى تورط رموز في النظام السوري وحزب الله في تجارة المخدرات، وامتلاكهم القدرة على تسويقها على المستوى الإقليمي، حيث أكد عدد من المسؤولين الأمنيين الأردنيين أن "قوات غير منضبطة من جيش النظام السوري تتعاون مع مهربي المخدرات عبر الحدود".

Getty

دبلوماسية المخدرات

استغل النظام السوري الأموال التي تدرها تجارة المخدرات للاستمرار في اتباع ما يطلق عليه "دبلوماسية المخدرات" لإدارة علاقته المتوترة مع دول المنطقة. إذ تشير تقارير غربية، أن نظام الأسد يستخدم تجارة الكبتاغون، كورقة ضغط في إطار مساومته للتطبيع مع الدول العربية.

وكان ملك الأردن عبد الله الثاني، قد صرح سابقًا أن "الوجود الروسي في جنوب سوريا كان يشكل مصدرًا للتهدئة"، لكن بعد انسحابهم "هذا الفراغ سيملؤه الآن الإيرانيون ووكلاؤهم، وللأسف أمامنا هنا تصعيد محتمل للمشكلات على حدودنا". 

كما أكد ملك الأردن في حوار سابق مع جريدة الرأي الأردنية، على "ضرورة قيام إيران بتغير سلوكها كشرط لإقامة علاقات طيبة معها مبنية على الاحترام المتبادل واحترام سيادة الدول وعدم التدخل في شؤونها"، لأن "الأردن يواجه هجمات على الحدود بصورة منتظمة من مليشيات لها علاقة بإيران"، في إشارة للهجمات التي ينفذها عناصر تهريب المخدرات ضد عناصر الأمن الأردني عبر الحدود.

ورغم التقارب الأردني مع نظام الأسد، وفتح المعابر الحدودية، واللقاءات المشتركة بين كبار المسؤولين والوزراء في الخارجية والدفاع من كلا الطرفين لمناقشة "ملف الإرهاب والتهريب" بشكل خاص، استمر النظام السوري في التساهل مع شبكات التهريب، خاصة عندما يتعلق الأمر بتهريب مخدرات الكبتاغون، وذلك نتيجة الأموال التي تصله منها.

أصبحت المنطقة الجنوبية معقلًا لإنتاج مختلف أنواع المخدرات من حبوب الكبتاغون والكريستال وغيرها من المواد المخدرة

وفي هذا السياق، يذكر أن الناطقة باسم الحكومة البريطانية في الشرق الأوسط، روزي دياز، أشارت عبر  تغريدة في حسابها على تويتر، في آذار/مارس الماضي، بأن عائدات تجارة مخدر الكبتاغون بالنسبة للنظام السوري، وصلت إلى نحو 57 مليار دولار أمريكي سنويًا، وتمثل 80% من إمدادات العالم من هذا المخدر. وقالت دياز إن هذه الأرقام تمثل "ما يقرب من 3 أضعاف تجارة مخدرات جميع الكارتيلات المكسيكية معًا".