اتجهت الأنظار مجددًا قبل نحو أسبوع من الآن إلى حلب، حيث أعلن وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو عن إطلاق عملية "إنسانية" واسعة النطاق هناك تهدف حسب قوله إلى فتح 3 ممرات إنسانية في المدينة، تهدف إلى إخراج المدنيين والمسلحين الراغبين في إلقاء أسلحتهم، حسب قوله.
لماذا بدأت قوات النظام السوري إحكام حصارها على المعارضة في هذا الوقت، وهل هناك دور لروسيا وأمريكا في توقيت الحصار؟
وقتها، بدا واضحًا أن الفصائل المسلحة المعارضة للأسد في العاصمة الاقتصادية للبلاد في طريقها لخسارة المعركة هناك، حيث أُحكم طوق الحصار عليهم من قبل قوات النظام السوري وحلفائه، وتم قطع كل طرق الإمداد إليهم مما جعل الكثيرين ينتظر لحظة اجتياح النظام للجزء الذي تسيطر عليه المعارضة من حلب.
اقرأ/ي أيضًا: ترامب وبوتين..أكثر من مجرد إعجاب
إلا أن المفاجأة كانت من المعارضة قبل نحو 4 أيام عندما أعلنت انطلاق معركة "ملحمة حلب الكبرى" والتي تهدف إلى كسر الحصار على مناطق نفوذهم وإعادة فتح طرق الإمداد، وقلب الطاولة على قوات النظام السوري ومحاصرتهم.
في "الملحمة" وصل المعارضون في معاركهم إلى حي الراموسة الذي يفصل مناطق الفصائل المسلحة عن بعضها، حيث تحصل للحظة كتابة هذا المقال معارك كر وفر بين الطرفين.
لكن ثمة سؤال يطرح في هذا المقام حول التوقيت، فلماذا بدأت قوات النظام السوري إحكام حصارها على المعارضة في هذا الوقت، وهل هناك دور للاعبين الدوليين الكبار في الأزمة السورية المتمثلين بالولايات المتحدة وروسيا في تلك المستجدات؟
لابد لنا أولًا من ربط تطور المشهد في حلب مع ما يشاع من اتفاق حاصل بين واشنطن وموسكو حول تسوية الصراع الدائر في سوريا، حيث مازالت التسريبات تتحدث عن لقاءات بين الطرفين على الصعيد العسكري والسياسي أثمرت إلى الآن الاتفاق على الذهاب إلى جنيف للإعلان عن تلك "الخطة".
اقرأ/ي أيضًا: الجولاني ينفصل عن القاعدة، إلى أين؟
من هنا تحديدًا بدأ الروس "المتعطشون لحل الأزمة بأسرع وقت ممكن" ومعهم النظام السوري بالتفكير في الاستيلاء على حلب بغية الذهاب إلى جنيف بأوراق تفاوضية قوية نظرًا لما تشكله المدنية من ثقل في الميزان الجيوستراتجي، إلا أن واشنطن " المترددة والراغبة في استدامة الصراع" لم تقبل بما فعله بوتين هناك، وهذا ما قاله صراحة نائب وزير الخارجية الروسي سيرغي ريابكوف حيث نقلت قناة روسيا اليوم في الثاني من آب/أغسطس قوله "إن الجانب الأمريكي يحاول إعادة النظر في الاتفاقات التي توصل إليها الخبراء الروس والأمريكيون خلال مشاوراتهم في جنيف".
يريد الروس "المتعطشون لحل الأزمة بأسرع وقت ممكن" الاستيلاء على حلب بغية الذهاب إلى جنيف بأوراق تفاوضية قوية للثقل الجيوستراتيجي للمدينة
ما يقصده بالطبع ريابكوف هو اتهام واشنطن بتقديم المساعدة للفصائل المسلحة في حلب وبالأخص جيش الفتح الذي يقود المعركة هناك، وعرقلة الخطة الروسية في حلب، هذه التصريحات والاتهامات تشي لنا أن ثمة معركة أخرى تحدث على الأرض السورية بين واشنطن وموسكو هدفها استنزاف كل طرف للآخر وكسب أكبر نقاط من القوة هناك.
بعيدًا عن اللاعبين الأساسيين، تبدو تركيا في هذه الأيام مشغولة جدًا بترتيب بيتها الداخلي وتصفية حساباتها مع الكيان الموازي وأفراده، ناهيك عن شعورها بالخيبة من الموقف الأمريكي فيما يخص محاولة الانقلاب الفاشلة، أضف إلى ذلك التقارب الجديد الذي بات حاصلا بين أردوغان وبوتين، والذي سيكلل بزيارة الأول إلى موسكو بعد أيام وتحديدًا في التاسع من هذا الشهر كما أوردت قناة الجزيرة، هذه الأسباب تجمل موقف تركيا مما يحدث في حلب.
طهران، من جهتها، ما زالت تستمر في ضخ العتاد والجنود محاولة كسب الرهان الإقليمي ضد السعودية، وهذا ما أكدته زيارة رئيس لجنة الشؤون الخارجية في البرلمان الإيراني علاء الدين بروجردي إلى دمشق اليوم، حيث تعي إيران أهمية المعركة وأبعادها على المصالح الإيرانية في الملف السوري.
عربيًا، تحاول الأردن ومعها السعودية فهم خارطة المتغيرات على المشهد السوري، فقد التقى الملك الأردني نظيره السعودي في المغرب لبحث تطور الأوضاع هناك. محاولة التعرف على ما ينوي الأمريكيون فعله بعد تحرك المعارضة ردًا على النظام، مع العلم أن السعودية باتت أكثر قلقًا بشان الملف السوري بعد إعادة تموضع تركيا فيما يخص الأزمة السورية وتقاربها من موسكو.
لا يبدو أن أحدًا من طرفي القتال في حلب ستكون له الغلبة آنيًا، وتلك هي رؤية الولايات المتحدة في المسألة السورية التي تقول إن لا غالب ولا مغلوب على الأرض، ناهيك عن زعمها بأن الهدف الأول لها في هذه المرحلة هو القضاء على تنظيم الدولة الإسلامية، مما يعني تأجيل الملفات الأخرى ومن ضمنها ملف التسوية.
إقليميًا يبدو أن أنقرة المتقاربة مع موسكو لن تخرج عن رؤية الولايات المتحدة في الملف السوري، أضف إليها السعودية التي تناور هامشيًا بدعم بعض الفصائل المسلحة الداخلية.
ربما تنتهي المعركة بإعادة ترسيم مناطق النفوذ لطرفي الصراع في حلب، مع كسب أحدهما لمناطق جديدة أو خسارتها، إلا أن الأزمة السورية ستبقى قائمة بدماء الأبرياء، إلى أن تتوافر رغبة دولية جادة لوقف الصراع.
اقرأ/ي أيضًا: