17-أغسطس-2016

أردوغان وبوتين خلال زيارة الأول لروسيا آب/أغسطس 2016(Getty)

بينما يحاول أردوغان وبوتين دفن الأحقاد في العلن، إلا أنه بعيدًا عن الكاميرات لا تزال حربهم الباردة بشأن سوريا مستعرة. المقال التالي ترجمة لتقرير لمجلة فورين بوليسي عن استمرار الصراع التركي الروسي في أروقة مجلس الأمن الدولي.

تضغط روسيا على أنقرة لإعادة النظر في معارضتها لدورٍ للأكراد السوريين في الحرب ضد المتطرفين في سوريا

___

التقى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين نظيره التركي رجب طيب أردوغان في أوائل الأسبوع الماضي بمدينة سانت بطرسبرج لإصلاح العلاقات التي تدهورت بشدة منذ إسقاط تركيا لمقاتلةٍ روسية من طراز سو-24 ادعت أنها دخلت المجال الجوي التركي من سوريا في تشرين الثاني/نوفمبر 2015.

لكن هناك القليل من العلامات حتى الآن على تحسنٍ كبير بالأمم المتحدة، حيث استخدم السفير الروسي فيتالي تشوركين جلسة مغلقة لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة الأسبوع الماضي لانتقاد تركيا على السماح لما يدعي أنه استمرار تدفق الأسلحة والإرهابيين عبر الحدود إلى سوريا، حسبما صرح دبلوماسيون بالمجلس لمجلة فورين بوليسي. لم ترد أنباء عن انتقاد روسيا السري لأنقرة في وقتٍ سابق.

اقرأ/ي أيضًا: بلومبرج تلوم السيسي على تراجع الاقتصاد المصري

أكد التوبيخ على التوترات التي مازالت تعرّف تعاملات روسيا مع تركيا حتى في الوقت الذي تحاولان فيه إعادة العلاقة بينهما إلى مسارها مجددًا بعد حوالي عام من التبادل العلني للاتهامات والتهديدات التي خاطرت بدفع البلدين إلى حافة الحرف. كما أنه عكس أيضًا حقيقة أن موسكو وأنقرة لا تزالان منقسمتين بعمق بشأن مستقبل الرئيس السوري بشار الأسد، والذي يتلقى دعمًا عسكريًا مباشرًا من روسيا بينما يحارب متمردين مسلحين ومدعومين من قِبل تركيا.

كان الروس "قساة للغاية" على تركيا في الجلسة، حسبما قال أحد كبار الدبلوماسيين بالمجلس. رددت تصريحات تشوركين، حسبما أضاف دبلوماسيٌ ثانٍ، صدى "الحجة الروسية القديمة" وهي أن تركيا هي الممكّن الرئيسي لقواتٍ المتطرفين التي تسعى إلى إدخال الأسلحة والمقاتلين إلى سوريا. "لا يزال تشوركين يتحدث كثيرًا بشأن كيف تأتي كل هذه الأشياء عبر الحدود من تركيًا وبأن لا أحدٍ منكم يفعل أي شيء بشأن ذلك"، قال الدبلوماسي الثاني. حث تشوركين أيضًا داعمي المعارضة، ومن بينهم الولايات المتحدة وتركيا، على قطع علاقاتهم مع بعض المقاتلين المعادين للأسد ممن يدعمونهم. "ما كان يقوله بالأساس هو "نحن حقًا لا نحب المعارضة، لذا هل يمكنكم أن تغيروها من فضلكم؟"، قال الدبلوماسي الثاني بالمجلس.

عقب الجلسة المغلقة، ضغط تشوركين أيضًا على أنقرة لإعادة النظر في معارضتها لدورٍ للأكراد السوريين في الحرب ضد المتطرفين في سوريا، وحث تركيا على السماح لهم بالاشتراك في محادثات السلام التي تجري بوساطة الأمم المتحدة. تعتبر تركيا حزب العمال الكردستاني الذي تناصره روسيا منظمةً إرهابية. سعت كلٌ من روسيا، والتي سمحت للأكراد السوريين بفتح مكتبٍ بموسكو في فبراير، والولايات المتحدة إلى تكوين علاقاتٍ وثيقة مع حزب العمال الكردستاني وذراعه العسكري، المعروف باسم وحدات حماية الشعب.

صرح الدبلوماسي الروسي للمراسلين في التاسع من آب/أغسطس أنه على تركيا "فهم أن ضم الأكراد إلى المناقشة هو أحد الأشياء التي ينبغي أن تكون مهمة لسيادة سوريا وسلامة أراضيها".

وأضاف: "هناك بعض العوامل المعقدة في عقول من هم في أنقرة، لكن هذا شيء نعتقد أنه ينبغي القيام به في أسرع وقت".

اقرأ/ي أيضًا: أردوغان في روسيا..رسالة للغرب

تتمسك تركيا بموقفها في أن الأكراد السوريين -الذين يستلهمون حزب العمال الكردستاني الذي تحاربه تركيا- ليسوا جزءًا من المعارضة السورية الشرعية

تحتفظ أنقرة بموقفها المتمثل في أن الأكراد السوريين -الذين يستلهمون حزب العمال الكردستاني، والذي تعتبره تركيا جماعةً إرهابية- ليسوا جزءًا من المعارضة السورية الشرعية وأنهم إذا كانوا يخططون لأي دورٍ في المحادثات فعليهم أن يكونوا جزءًا من وفد الحكومة السورية. رغم الاختلافات الشديدة مع موسكو، قررت أنقرة أن عليها أن تتفق على ألا تتفق مع جارتها على سواحل البحر الأسود. "لقد تجاوزنا عقبةً كبيرة في المرحلة الأخيرة من علاقاتنا"، صرح سفير تركيا في الأمم المتحدة، ياشار خالد تشفيك، لفورين بوليسي. "لدينا تقليدٌ من العمل معًا، حتى إذا كنا لا نتفق على كل شيء". لدى الحكومتين "أمنية مشتركة" باستعادة تلك العلاقة، أضاف تشفيك.

قال أندرو تابلر، وهو خبيرٌ بشؤون السياسة الأمريكية تجاه سوريا بمعهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، إن تصريحات تشوركين عكست احتمالية أن أردوغان وبوتين لم يتجاوزا اختلافاتهما الكبيرة بشأن كيفية إنهاء الحرب الأهلية الوحشية في هذا البلد. "يبدو أن تلك المسألة لم يتم حلها"، قال تابلر.

كانت هناك تقارير بأن الولايات المتحدة وروسيا تعملان معًا لمحاولة التنسيق بين جهودهما لمحاربة الجماعات الإرهابية في سوريا، ومن بينها تنظيم دولة الإسلامية وجبهة النصرة التابعة لتنظيم القاعدة، على نحوٍ أفضل. لكن دبلوماسيي المجلس قالوا إنه لا يبدو أن تلك المحادثات تؤتي ثمارها.

استهدف ثاني أكبر دبلوماسي روسي، فلاديمير سافرونكوف، الولايات المتحدة خلال جلسةٍ غير رسمية للمجلس يوم الاثنين الماضي، قائلًا إن الأمريكيين لم يفوا بوعودهم بتحديد فصائل المعارضة المعتدلة التي ينبغي استثناؤها من الضربات الجوية. تتخوف الولايات المتحدة من استخدام الروس لتلك المعلومات لاستهداف فصائل المعارضة الشرعية التي تسعى إلى الإطاحة بنظام الأسد. "ليس هناك تقدم"، أخبر سافرونكوف أعضاء مجلس الأمن في الثامن من أغسطس. متابعًا: "مازلنا لا نعلم أين توجد المعارضة المعتدلة تحديدًا".

رغم اختلافاتهما، هناك الكثير مما يمكن أن تقدمه موسكو وأنقرة إلى بعضهما البعض. لدى تركيا القدرة على تقييد قدرة القوات المعادية للنظام على نقل الأسلحة والمقاتلين عبر الحدود بصورةٍ كبيرة. بينما يمكن لموسكو المساعدة في تقييد قدرة المقاتلين الأكراد السوريين على اكتساب نفوذٍ وسلطة في سوريا.

سوف يتطلب قوام صفقة كبيرة من هذا النوع أن تنهي روسيا تعاونها مع الأكراد السوريين الذين هم أكثر قوة عسكرية فعّالة تحارب تنظيم الدولة الإسلامية. من جانبها، سوف يكون على أنقرة الإذعان للضغط الروسي لقبول استمرار حكم الأسد أو شخصٍ آخر تقبله موسكو لسوريا. سوف يكون من الصعب على أردوغان القبول بذلك، بالنظر إلى دعواته المستمرة إلى تنحي الأسد عن السلطة.

قال ريتشارد جوان، وهو خبيرٌ بشؤون الأمم المتحدة بمجلس العلاقات الخارجية، إن بعض الانتقادات الروسية لأنقرة صحيحة لأن أنقرة كانت غير راغبة خلال أغلب فترات الصراع الممتد لأكثر من خمس سنوات في السيطرة على حدودها مع سوريا. "تشوركين محق لأول مرة"، قال جوان. متابعًا: "الحقيقة هي أنه من المستبعد أن تضيق تركيا الخناق على جميع الطرق التي يستخدمها المتطرفون لنقل المقاتلين والأسلحة إلى سوريا".

اتخذ أردوغان أول خطوة كبيرة لاستعادة العلاقات الطبيعية مع روسيا في أواخر حزيران/يونيو، عندما كتب الزعيم التركي خطابًا إلى بوتين عبر فيه عن أسفه لإسقاط الطائرة الروسية العام الماضي. قال دبلوماسيون في نيويورك إن روسيا استجابت عبر تخفيف الهجمات على تركيا في مناطق بعيدة عن سوريا.

في كانون الأول/يناير، وفي ذروة التوترات الدبلوماسية بين البلدين، استغلت روسيا تصويتًا روتينيًا لتمديد تفويض بعثة حفظ سلام متواجدة في قبرص منذ عقود للتنديد بحكومة أردوغان لانتهاكها المجال الجوي للبلد الصغير.

"نحن على قناعةٍ بأن مثل تلك التصرفات لها تأثيرٌ سلبي على مناخ التفاوض وتضر بحركة الطيران المدني في المنطقة وينبغي الحد منها"، قال تشوركين.

لكن تفويض بعثة حفظ السلام تم تمديده في يوليو، بعد أن أعرب أردوغان عن أسفه لإسقاط المقاتلة الروسية، حيث لم يقل الدبلوماسيون الروس شيئًا حينذاك.

اقرأ/ي أيضًا: 

النازحون في العراق..مخيمات الموت المهملة

2016..النظرية التي تفسر عامًا سيئًا للغاية