02-أغسطس-2019

كل شيء في الصين خاضع للمراقبة والتقييم (نيويورك تايمز)

الصين دولة "الأخ الأكبر"، أو لعلها تخطت بالفعل نبوءة جورج أورويل بأشواط. هي نموذج لتسخير التكنولوجيا لمراقبة ربما تكون أشد من مراقبة الإنسان لنفسه! لا تعد على المرء أنفاسه فحسب، بل وتقيمه وتكافئه أو تعاقبه، تمنحه بركاتها بعطاياها أو تصب عليه لعناتها. وكل شيء من خلال أنظمة المراقبة الشهيرة بالـ"Big Data".

تخطت الصين نبوءة دولة الأخ الأكبر لجورج أورويل بأشواط. فهي نموذج لتسخير التكنولوجيا لمراقبة ربما تكون أشد من مراقبة الإنسان لنفسه

تخيل أنك توقفت عند نقطة تفتيش لشرطة المرور، و سألك شرطي المرور سؤالًا عاديًا عن هويتك، ثم تحقق من هاتفك المحمول ليعرف عنك الكثير، ليس فقط المعلومات العامة الشائعة مثل لوحة ترخيص السيارة والمخالفات، ومكان الإقامة وما إلى ذلك، بل إنه استطاع أن يعرف طولك وفئة دمك بل انتمائك السياسي، وما إذا كنت تتواصل مع جيرانك أم لا! الأمر مخيف، أليس كذلك؟!

اقرأ/ي أيضًا: فهم الإستراتيجية الصينية عن طريق ثقافتها

بالطبع هو كذلك، لكنه أيضًا حقيقة يعيشها ملايين الأشخاص في الصين، على وقع نظام تكنولوجي طورته الحكومة الصينية، لا يكتفي بمراقبة الناس فحسب، بل يعطيهم تقييمات، ويحاسبون بناءً عليها!

التكنولوجيا تراقبك.. حرفيًا

برنامج العمليات المشتركة المتكاملة (IJOP)، هو برنامج شرطة يتصل بأنظمة المراقبة في منطقة شينجيانغ التي يعيش فيها الإيغور المضطهدون، تقوم هذه الأنظمة بتجميع كميات هائلة من المعلومات، بما في ذلك بيانات الموقع في الوقت الفعلي للأشخاص، وتحديدًا أولئك الذين تعتبرهم السلطات "تهديدًا محتملًا للنظام". يتتبع التطبيق حركة الأشخاص من خلال تتبع هواتفهم ومركباتهم وبطاقات هويتهم.

الصين

استنادًا إلى معايير غامضة، مثل الرحلات إلى الخارج، أو استخدام "الكثير من الكهرباء"، يقوم النظام بإنشاء قوائم بأشخاص لتقييم إمكانية احتجازهم. وتشير التقديرات إلى أن حوالي مليون مسلم محتجزون بشكل تعسفي في معسكرات "التعليم السياسي" في شينجيانغ، حيث يتم احتجازهم إلى أجل غير مسمى، حتى يُعتبرون موالين للحزب الشيوعي الصيني.

تحت قيادة الرئيس شي جين بينغ، نشرت الحكومة في الصين أنظمة للمراقبة الجماهيرية مثل نظام "IJOP". كما عملت على جمع الحمض النووي وعينات الدم وبصمات الأصابع ومسح القزحية، وغيرها من البيانات الحيوية لملايين الناس، لإنشاء قاعدة بيانات تمكنها من مراقبة صارمة، وتقييم أكثر صرامة.

هذا بالإضافة إلى تثبيت كاميرات التعرف على الوجه التي يدعمها الذكاء الاصطناعي في جميع أنحاء البلاد، ما يزيد من إمكانية السيطرة الاجتماعية والتنميط العنصري. نتج عن هذا الجنون غير العادي في المراقبة، انتهاكات خطيرة في حقوق الإنسان، مثل الحق في حرية الاعتقاد الديني، والحق في تكوين الجمعيات المدنية ناهيك عن تخلف الحريات الصحفية.

هناك أمثلة عديدة على الـ"Big Data" وعن كيفية استخدامها للتحكم في النظام المعيشي للإنسان، مثل المثال الذي أشارت إليه مجلة التايم عن فتاة تُدعى يي تينغجو، حصلت على منحة من جامعة سيتشوان الصينية، ألحقتها بمجاستير في التصميم.

حتى الآن تبدو المعلومات طبيعية إلى حد ما. لكن ما يفاجئ أن تعرف أن هذه الفتاة تقود سيارة من نوع آودي A4، وتمتلك شقة على مشارف العاصمة الإقليمية تشنغدو، إضافة إلى التعرف على معلومات حول الأماكن التي تقضي فيها عطلاتها. هذه فتاة عادية، وهذه المعلومات التفصيلية عنها، جمعت من خلال نظام "Sesame Credit" الذي تديره إمبراطورية "علي بابا" للتسوق عبر الإنترنت! 

يحدد هذا النظام درجات الائتمان، ويصنف المواطنين على حسب الإنجازات الأكاديمية. يصنف نظام Sesame Credit مجموعة واسعة من السلوكيات المالية والاجتماعية للشخص، وجميعها يتم الحصول عليها بواسطة شبكة غير مرئية من البيانات الكبيرة، أو الـ"Big Data". 

هذه الأنظمة، التي يتم التوسع في استخدامها في الصين على عدة مستويات، تثير مخاوف حقيقية، بما يجاوز مخاوف الحقوق الفردية والمواطنية إلى الحقوق الإنسانية.

البيانات.. آلهة جديدة!

في عام 2015، شرعت الحكومة الصينية في مراقبة بعض المواطنين الذي يتورطون عادة في مشكلات عدم سداد الفروض أو بيع بضائع غير مطابقة للمواصفات، وما إلى ذلك. وحاولت الحكومة علاج هذا الأمر، لكن كيف؟

بالطبع عبر البيانات، باستخدام أنظمة مثل نظام Sesame Credit وغيره مما يتيح مراقبة السلوكات المالية للأشخاص، وأكثر، بعدد مهول من المعلومات التفصيلية عن كل شخص، تخول تقييمه.

على سبيل المثال، بعد جمع البيانات اللازمة عن شخص من الفتاة سابقة الذكر، يي تينغجو، تمكن تقييمها باعتبارها من الدرجة الأولى، بحيث أنها بإمكانها التمتع ببعض المزايا، مثل استئجار سيارة دون الحاجة لدفع مسبق، وأن تحصل على أسعار أفصل لصرف العملات، كما يمكنها تخطي طوابر الانتظار في المستشفيات، فبقاؤها سليمة أولى من غيرها، وفقًا لمنهجية النظام!

هذا الهوس بالحصر والتصنيف مخيف في حد ذاته، ويحول الأمر إلى عبء الشعور بالمراقبة الدائمة، وبأنه على الإنسان أن يفعل ما يحلو للنظام كي يكافئه، أو بالأحرى كي لا يعاقبه. وما يحلو للنظام يتجاوز المعتقد والسلوك السياسي، إلى أمور ذاتية جدًا.

ويزيد من مخاوف هذه الأنظمة، خاصة أنظمة الائتمان التجاري، أنها تشهد ازدهارًا في الصين التي أطلقت نحو ستة أنظمة شبيهة بنظام Sesame Credit، يتجاوز دورها إلى مراقبة، بل هندسة السلوك الاجتماعي للإنسان. تحولت البيانات والأنظمة التي تستخدمها إلى آلهة يسعى الناس إلى إرضائها!

والمزيج المتداخل للأنظمة الائتمانية التجارية وأنظمة المراقبة الحكومية، يزيد المخاوف منها مساعي الحكومة الصينية إلى تنفيذ خطة "المواطن النموذجي" بحلول عام 2020، باستخدام هذه الأنظمة.

ستقوم الوكالات الحكومية بتجميع وتبادل البيانات حول الأحكام  الصادرة ضد الأفراد أو الشركات، فإذا فشل شخص ما في دفع غرامة أو تعويضات بأمر من المحكمة، أو تخلف عن سداد ديونه، فسيتم إدراجه في قائمة "الأشخاص غير الجديرين بالثقة".

ولا يمكن للأفراد المدرجين في هذه القائمة السوداء إجراء عمليات شراء من نوع شراء تذاكر القطارات عالية السرعة، أو حجز غرف في فنادق مصنفة. بل سيصل الأمر -وقد بدأ تطبيق ذلك بالفعل- إلى إنه إذا أجريت اتصالًا هاتفيًا بشخص مصنف على أنه "غير جدير بالثقة" فستسمع صوت صفارة إنذار ملحقة برسالة مسجلة تحذرك منه!

مراقبة الزوار

وفقًا لتحقيق أجرته صحيفة الغارديان البريطانية، تقوم قوات أمن الحدود الصينية، بتثبيت تطبيقات مراقبة سرية على هواتف الزوار، وتنزيل معلومات شخصية عنهم، كجزء من الفحص الحكومي المكثف، خاصة في منطقة شينجيانغ.

وجد التحقيق أن الزائرين القادمين من خلال قرغيزستان تحديدًا، يتعرضون لهذا الأمر، إذ يقوم حراس الحدود بأخذ هواتفهم، ويثبتون سرًا تطبيق يستخرج رسائل البريد الإلكتروني والنصوص وجهات الاتصال، وكذلك معلومات حول الهاتف نفسه. و يؤكد السياح إنهم لم يتلقوا تحذيرًا مسبقًا من السلطات أو أخبروا بما يبحث عنه البرنامج أو أنه يتم أخذ معلوماتهم.

الصين

ويشير التحقيق إلى أن التطبيق المثبت سرًا على هواتف الزوار، يبحث من خلال البيانات المنزّلة، عما يعتبر مشكلة تهدد النظام بالنسبة للحكومة الصينية، من ذلك أي إشارات عن الممارسات الدينية الإسلامية.

صنع في الصين.. أنظمة المراقبة الصينية في العالم

وفقاً لتحقيق أجرته رويترز، تقوم شركة الاتصالات الصينية (ZTE) بتصدير تكنولوجيا المراقبة إلى فنزويلا. ويشير التحقيق إلى أن المسؤولين الفنزويليين زاروا شنتشن، مركز التكنولوجيا الصيني، للتعرف على تكنولوجيا بطاقة الهوية الوطنية في البلاد.

وتصدر الصين برامج التعرف على الوجه وأدوات مراقبة الإنترنت وأجهزة الاستشعار البيومترية، وغيرها من وسائل التتبع والمراقة التكنولوجية، إلى البلدان التي تعرف أنظمة حكمة قمعية، منها الإمارات والسعودية.

وفي تقرير سابق لصحيفة نيويورك تايمز، أشار إلى أن نظام المراقبة المستخدم في الإكوادور منذ عام 2011، هو نسخة أصلية من برنامج مراقبة إلكتروني أنفقت بكين الملايين على تطويره لسنوات طويلة.

ووفقًا لنيويورك تايمز أيضًا، فإن البيانات المجمعة من هذا النظام، لا تذهب إلى الشرطة فقط، وإنما أيضًا إلى وكالة الاستخبارات الداخلية التي تحكم البلاد بالحديد والنار، خاصة في عهد الرئيس السابق رافائيل كوريا.

تروج الصين لتكنولوجيا أنظمة المراقبة باعتبارها مستقبل الحكم، بحيث يكون المستقبل هو السيطرة على الجماهير بالتكنولوجيا

وعلى حد تعبير دريا شهباز، مدير الأبحاث في منظمة "فريدم هاوس" الحقوقية، فإن الصين تررج لهذا النوع من التكنولوجيا على أنه "مستقبل الحكم". يقول شهباز: "سيكون المستقبل هو السيطرة على الجماهير من خلال التكنولوجيا".

 

اقرأ/ي أيضًا:

ما سبب الحظر الجديد على روايات جورج أورويل في الصين؟

سباق واشنطن وبكّين.. العيش في المستقبل