قبل أيّام قليلة، نشرت صحيفة نيويورك تايمز، مقالًا طويلًا للكاتب الأمريكي البارز توماس فريدمان، يفيض بتملق ابن سلمان وامتداح سياساته التي تزعزع استقرار المنطقة، وتدفعها نحو مزيدٍ من الانقسام، وربما نحو حربٍ أخرى. في المقابل نشر موقع "The American Conservative" مقالًا يتعرض لمقال توماس فريدمان بالنقد الذي لا يُخفي كاتبه فيه السخرية من ضعف قدرات فريدمان التحليلية. في السطور التالية نعرض لكم هذا المقال مترجمًا.
في بعض الأحيان تنشر الصحف مقالات زائفة، ولكنها تبدو وكأنها ذات مصداقية، لكن الكاتب الصحفي الأمريكي توماس فريدمان تفوق عليها جميعًا، بمديحه لمحمد بن سلمان في مقاله على نيويورك تايمز، تحديدًا بقوله:"على عكس ثورات الربيع العربي الأخرى -التي قامت جميعها من القاعدة إلى القمة وفشلت فشلًا ذريعًا، إلا في تونس- قامت هذه الثورة من القمة إلى القاعدة، بقيادة ولي العهد محمد بن سلمان، البالغ من العمر 32 عامًا، وإذا نجح، فإنه لن يغير فقط طبيعة المملكة العربية السعودية بل نوعية ودرجة تشدد الإسلام في جميع أنحاء العالم. الأحمق هو فقط من يتنبأ بنجاحها، ولكن الأحمق أيضًا هو من لا يشجعها".
نشر الكاتب الصحفي الأمريكي البارز توماس فريدمان، مقالًا طويلًا يتملق فيه ابن سلمان وسياساته التي تزعزع استقرار المنطقة!
سيكون من الدقة أن نقول، إن الأحمق فقط هو من يُصدق ما يُروج لهذه الثورة المزعومة. وفي الحقيقة، لا قيمة صحفية في أن يعمل كاتبٌ صحفي بارز، وكيلَ دعايةٍ لزعيم سياسي. لكن في المقابل، من المفيد جدًا لابن سلمان أن يحصل على منصة هامة لتوصيل وجهة نظره أو ما يزعمه من وجهة نظره، عن طريق شخص بارز، لديه الكثير من المؤيدين لآرائه وكتاباته.
اقرأ/ي أيضًا: لعبة السلطة في السعودية.. ابن سلمان "يكافح الفساد" بالفساد!
بطوله، لا يوجد في المقال كلمة واحدة قد تغضب ابن سلمان. بل إن توماس فريدمان يُخبرنا في المقال أنه لم يتمكن من العثور على أي شخص من داخل السعودية، ينتقد عملية التطهير التي قام بها ابن سلمان، كما لو كان أي شخص هناك يستطيع أن يفتح فاه بعد حملة الاعتقالات الجماعية الدرامية التي قام بها ولي العهد.
وعلى أية حال، فإن هذا المقال يُعتبر أحدث مثال على تحليل فريدمان السيء والسطحي لباقي دول العالم. ولكن لسوء الحظ، فإن قبوله الشديد لادعاءات محمد بن سلمان التي تخدم مصالحه الشخصية؛ نموذجيٌ جدًا لردود الأفعال الغربية تجاه ولي العهد. إن النقاد الغربيين يبحثون دائمًا عن القادة والزعماء الذين يقولون إنهم يشجعون "التسامح والإصلاح"، وعندما يجدون شخصًا يتفوه بتلك الكلمات، يميلون إلى إلقاء الشكوك جانبًا، والبدء في تشجيع ذلك الزعيم.
يُمكن رؤية ابتلاع توماس فريدمان لطعم ابن سلمان، في قوله بأن "حملة مكافحة الفساد هذه (حملة الاعتقالات) ليست سوى ثاني أكثر المبادرات غير التقليدية والهامة التي أطلقها ولي العهد، والأولى هي إعادة الإسلام السعودي إلى الاتجاه الأكثر انفتاحًا وحداثة؛ الذي تحول عنه في عام 1979"!
من غير المرجح أن الشخص الذي يزعزع استقرار المنطقة باسم عداء إيران طائفيًا، يسعى لتبني رؤية للإسلام أكثر انفتاحًا وحداثة
لقد ظلت السعودية، على مدار عشرات السنين، ممثلة للتطرف والتشدد الديني. وفعلت السلطات السعودية الكثير من أجل إثارة الكراهية الطائفية ضد الشيعة. وحتى لو كانت السعودية قبل عام 1979 "أكثر انفتاحًا وحداثة" مما هي عليه الآن؛ فلا يُرجّح أن نفس الشخص الذي انشغل بزعزعة استقرار بقية المنطقة باسم العداء لإيران، يسعى حقًا إلى خلق إسلام "أكثر انفتاحًا وحداثة". فهذه ما هي إلا الحجة التي يدعيها ابن سلمان ليجعل الغرب يتغاضى عن الجرائم الجسيمة التي يرتكبها في اليمن الآن.
اقرأ/ي أيضًا: السعودية عرابة الإرهاب.. تقرير "هنري جاكسون" يُذكّر بما يعرفه الجميع
في هذا السياق، يُشار إلى أنّ توماس فريدمان لم يذكر اليمن ولو مرة واحدة في المقال بموضوعية، وإنما أخذ يكرر ما قاله له ابن سلمان: "وشدد على أن الحرب المدعومة من السعودية في اليمن، والتي كانت كارثية على المستوى الإنساني، كانت تميل لصالح الحكومة الشرعية الموالية للسعودية هناك، والتي قال إنها تسيطر الآن على 85% من البلاد. لكن حقيقة أن المتمردين الحوثيين الموالين لإيران، الذين يسيطرون على البقية، أطلقوا صاروخًا على مطار الرياض، تجعل أي نسبة أقل من 100% مشكلةً صعبة"!
حسنًا، ربما تكون هناك إشارة إلى "الكارثة الإنسانية" في اليمن. لكن يبدو أن توماس فريدمان لم يكن لديه ما يقوله عن المسؤول الرئيسي عن صناعة هذا الكابوس. ولربما كان عليه أن يقول إن تشديد الحصار الذي تقوده السعودية يعتبر نوعًا من العقاب الجماعي ورد فعل مبالغ فيه تجاه إطلاق صاروخ واحد، ولكنه لم يقل شيئًا على الإطلاق.
أجرى توماس فريدمان المقابلة في الوقت الذي كان فيه حصار التحالف السعودي سيحقق بسرعة ما تحذر منه الأمم المتحدة، أي أسوأ مجاعة منذ عقود. ومع ذلك يبحث المرء بلا جدوى في هذا المقال الطويل عن كلمة "الحصار" أو "المجاعة"، ولا يجدها.
كرر فريدمان ما يُروج له ابن سلمان بخصوص حربه في اليمن، دون الالتفات بجدية للكارثة الإنسانية التي خلفها التحالف السعودي هناك
تخيل لو أن شخصًا أجرى محادثة مع رئيس جيش ميانمار ولم يذكر شيئًا عن الإبادة الجماعية التي يقومون بها الآن! هذا ما فعله توماس فريدمان في وصفه المتحمس لجدول أعمال محمد بن سلمان. من مصلحة محمد بن سلمان أن يستخدم وسائل الإعلام الغربية البارزة لغسل صورته، ولكن المنافذ التي تساعده على تزييف صورة جرائم حرب حكومته قد أضرت ضررًا بالغًا بمصداقيتها.
اقرأ/ي أيضًا: