01-أغسطس-2017

منذ دخول ترامب البيت الأبيض استقال أو أقيل 7 موظفين أساسيين (Getty)

خلال كتابة مايكل كرانش ومارك فيشر لقصة صعود الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في كتابهما "ترامب بلا قناع: رحلة من الطموح والغرور والمال والنفوذ"، قالا: "إن السياسة عند هذا الرجل تتغير كما يتغير لون الحرباء ليتلائم مع اللحظة التي فيها، كما أنه تبرع لحملات هيلاري كلينتون الانتخابية ست مرات، ودعا أسرة كلينتون إلى حفل زفافه هو وميلانيا سنة 2005، كما بدّل انتماءه بين الجمهوريين والديمقراطيين أكثر من مرة".

دونالد ترامب، رجل الأعمال الذي جلس على عرش أكبر اقتصاد في العالم شتاء هذا العام، على ما يبدو لا يمكننا تصنيفه كسابقيه من الرؤساء

فرجل الأعمال الذي جلس على عرش أكبر اقتصاد في العالم في شتاء كانون الثاني/يناير هذا العام، على ما يبدو لا يمكننا تصنيفه كسابقيه من الرؤساء، ولا يقبل بأي أمر يخالفه.

قبل أيام أعلن الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون: "أن أراضي الولايات المتحدة بكاملها باتت في مرمى صواريخنا"، وذلك إثر التجربة التي أطلقت كوريا الشمالية خلالها صاروخًا باليستيًا عابرًا للقارات؛ وهو نسخة حديثة من صاروخ هواسونغ 14 الباليستي العابر للقارات، وبحسب البيانات الرسمية، فإن الصاروخ قطع مسافة 998 كيلومترًا في 47 دقيقة على ارتفاع 3724 متر.

واعتبر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أن إجراء كوريا الشمالية باختبار تلك الصواريخ متهور وخطير، بينما يرى بعض السياسيين الأمريكيين في الداخل أن انشغال ترامب في قضايا أخرى أقل أهمية، وانخراطه في قضايا الشرق الأوسط تحديدًا، بشكل مخالف للرؤية الداخلية في أمريكا، كانت وراء حماسة وغضب "الشاب المتهور" في كوريا للأمر.

اقرأ/ي أيضًا: دليلك السينمائي لفهم أمريكا في عهد دونالد ترامب

انطلاقًا من تلك الاختلافات في الرؤى، نستعرض في هذا التقرير ذلك "التخبط" بين المؤسسات الأمريكية والبيت الأبيض، وتأثير ذلك على مجموعة من المواقف والقرارات السياسية التي اتخذ ترامب موقفًا مخالفًا للإدارة الأمريكية، تحديدًا فيما يخص الشرق الأوسط.

المؤسسات الأمريكية والبيت الأبيض على طرفي نقيض
في البداية علينا ألّا نتجاهل مساعدة "الأموال الطائلة" التي يحصل عليها ترامب من خلال أعماله التجارية، ما يجعله يسلك طريقًا مغايرًا للمؤسسات الداخلية الأمريكية منذ لحظة ترشحه للرئاسة، حيث جعله ذلك يموّل حملته الانتخابيه بنفسه، دون الحاجة لـ"لوبيات" المصالح المختلفة داخل تلك المؤسسات كغيره، بالتالي فهو من لحظة خوضه للسباق الرئاسي كان على استعداد لتلك الأزمات التي يفتعلها. حيث قال صراحة -إلى جانب سجالات كثيرة لم يعد من المهم الخوض فيها- إنه لا يثق في الأجهزة الأمنية الأمريكية، في مقابل تلك الأجهزة التي كانت ترى إنه هناك ما يمكن أن يفيد بتورط روسيا في فوز ترامب بالانتخابات.

أيضًا هدّد أعضاء في الكونغرس باستبدال نظام أوباما الصحي بعد فوزه. وقال في واحدة من آخر تغريداته على موقع تويتر "إذا لم تتم الموافقة مشروع قانون الرعاية الصحية الجديد بسرعة، فهناك كفالات لشركات التأمين وكفالات لأعضاء الكونغرس ستنتهي قريبًا جدًا!". بينما رفضت الأغلبية في مجلس الشيوخ عدة مقترحات كانت تهدف إلى تفكيك "قانون الرعاية الصحية"، المعروف باسم "Obamacare". مما جعل ترامب نفسه يعلن عن تغيير في الدائرة السياسية المقربة له بسبب ذلك الفشل.

كما وقّع الرجل عقب فوزه بالرئاسة مباشرة قرارًا يقضي بحظر دخول اللاجئين والمهاجرين من سبع دول إسلامية، بينما رفض مسؤولون في وزارة الخارجية الأمريكية ذلك القرار بشدة، وأعلن أربعة من كبار موظفي وزارة الخارجية الأمريكية استقالتهم من مناصبهم احتجاجًا على القرار، وكان ترامب قد أعفى القائمة بأعمال وزير العدل سالي ييتس من منصبها بسبب رفضها تطبيق قراره وتشكيكها في الأمر، وهو ما خلق غضب كبير لا يمكننا تجاوزه مع الوقت، حتى بعد إلغاء القرار فيما بعد.

عُيّن الجنرال البحري المتقاعد ووزير الأمن الداخلي السابق جون كيلي في منصب كبير موظفي البيت الأبيض بعدما أقال ترامب راينس بريباس، أثر تغيرات في فريقه الرئاسي. وذلك بعد اتهام مدير الاتصالات الجديد في البيت الأبيض أنتوني سكاراموش الذي عين هو الآخر بدلًا من شون سبايسر بسبب خلافات مع ترامب باتهام راينس بتسريب معلومات للصحافيين. في حين رأى البعض أن الأمر يعود إلى علاقته بأعضاء مجلسي الشيوخ والنواب، وهو ما يمكن أن يوضح أكثر مدى "الصراع" الذي يدور بين البيت الأبيض ومؤسسات الدولة الأمريكية.

ومؤخرًا، كان تحذير السناتور ليندسي غراهام لترامب من أن الهجوم على النائب العام الجمهوري، هو أحدث محاولة لردع الرئيس عن الخطوة التي "سوف تحمل عواقب ضخمة بالنسبة لحكومة الولايات المتحدة". مشيرًا إلى أن ترامب إذا أقدم على إقالة مولر يمكن أن تكون "بداية النهاية لرئاسته". مرورًا بقراره القريب بإقالة مدير مكتب التحقيقات الفيدرالي (FBI) جيمس كومي الذي كان يقود التحقيق حول مزاعم التدخل الروسي.

وعلى مسافة غير بعيدة من البيت الأبيض، تواصل اللجنة الخاصة بالتحقيق في تدخل روسي محتمل في الانتخابات الأمريكية بهدوء وسرية، عملها، وذلك رغم تشكيك الرئيس وفريقه في حياد التحقيق ورئيس اللجنة روبرت مولر، وفي ظل تعزيز ترامب لدفاعاته ضد التحقيق والإشارات إلى احتمال قيامه بإقالة مولر.

تواصل اللجنة الخاصة بالتحقيق في تدخل روسي محتمل في الانتخابات الأمريكية بهدوء وسرية عملها

إجمالًا، فإنه منذ دخول ترامب البيت الأبيض قبل ستة أشهر، استقال أو أقيل سبعة موظفين وهم: مستشاره للأمن القومي مايكل فلين الذي كان يمكن اعتباره حلقة الوصل مع الجانب الروسي، ونائب مستشاره للأمن القومي، ومدير مكتب التحقيقات الفيدرالي، والمتحدث باسم البيت الأبيض، ومدير الإعلام فيه، ووزير العدل بالوكالة، ونائب كبير موظفي البيت الأبيض، وأخيرًا الجمعة رئيس فريق العاملين في البيت الأبيض.

وربما وزير الخارجية ريكس تيلرسون أيضًا بطريقه لمغادرة منصبه بسبب موجة التبديلات التي تعيشها الإدارة الأمريكية الحالية، وذلك يمكن أن ينم عن ‏تناقضات داخلية وربما صراع داخلي أخذ يشتعل في جسم الإدارة الأمريكية الجديدة. وليست ‏استقالة فلين سوى دليل على هذا الصراع. ‏إذن يمكننا أن نستخلص من ذلك مجموعة القرارات "الفردية" التي يقوم بها ترامب "متجاهلًا" المؤسسات الأخرى، وهو ما ظهر في عدة مواقف سياسية تخص الشرق الأوسط تحديدًا.

اقرأ/ي أيضًا: بعد شهادة جيمس كومي أمام الكونغرس.. أي مصير ينتظر ترامب؟

الموقف من حصار قطر
قامت السعودية والإمارات والبحرين إلى جانب القاهرة بالإعلان عن مقاطعة دولة قطر على خلفية "ادعاء" لم تثبته الدلائل ولم يتوفر ما يدعمه ولو من بعيد، بتمويل الأخيرة للإرهاب، وهو ما عرف إعلاميًا بالأزمة الخليجية. أيّد دونالد ترامب موقف الإمارات السعودية والبحرين، بينما جاءت الخارجية الأمريكية بموقف مناقض؛ حيث قال وزير الخارجية الأمريكي ريكس تيلرسون أن قطر حليف هام في مكافحة الإرهاب، منتقدًا حملة الإجراءات التي تتعرض لها الدوحة من طرف دول الحصار.

كما قالت المتحدثة باسم الوزارة "أن الاتهامات التي ادعتها الدول المقاطعة لقطر كانت شفاهيةً، لكنها حتى الآن لم تقدم تفاصيل الاتهامات الموجهة للدوحة، ولا أي شواهد عليها، ولم تثبت دعم الدوحة للإرهاب بالأدلة، فكل ما قيل يشبه الطلقات الطائشة، وإنه كلما مرّ الوقت، ترتفع الشكوك بشأن تحركات السعودية والإمارات، ويجب علينا أن نتساءل؛ هل هذه التحركات تعبر عن الاتهامات الموجهة لقطر بخصوص دعم الإرهاب أم هي حول مظالم قديمة بين دول مجلس التعاون الخليجي؟".

الصفقات مع السعودية
قبل أيام من زيارة دونالد ترامب التاريخية للسعودية، أبرمت الأخيرة صفقة مع الولايات المتحدة "تزيد قيمتها عن 100 مليار دولار". ربما كانت السبب الرئيسي في تلك الزيارة من الأساس، حيث علّق أحد السياسيين بأنه "قد لا توجد صفقة بهذا المبلغ من الأساس".

إلى جانب ذلك وعدت السعودية بالتبرع بحوالي 100 مليون دولار لصالح صندوق الاستثمار الذي اقترحته إيفانكا ترامب. كما أكّد الصندوق الاستثماري بوول ستريت "بلاكستون" الذي يديره رجل الأعمال الذي يعتبر صديق ترامب "ألين ستيفن شوارزمان"، أنهم جمعوا 20 مليار دولار من صندوق الاستثمارات العامة السعودي، لأجل خطة ترامب للبنية التحتية، وباستخدام هذا الصندوق الذي تبلغ قيمته 40 مليار دولار أمريكي، قالت مجموعة بلاكستون إنه يمكنهم استثمار حوالي 100 مليار دولار في الطرق السريعة والمطارات والجسور والأنفاق.

قاطعت السعودية والإمارات والبحرين إلى جانب القاهرة، دولة قطر، على خلفية "ادعاء" لم تثبته الدلائل، بتمويل الأخيرة للإرهاب

بينما قال الزميل في مجلس العلاقات الخارجية الأمريكية ستيفن كوك "إنه من الصعب على الأموال التي تنفقها دول الخليج على شركات ومجموعات الضغط في الولايات المتحدة، أن تؤثر بشكل كبير أو تغير من وجهة النظر السائدة في مكاتب الإدارة الأمريكية حيال المنطقة".

لكن ظهر على السطح كالعادة توجس بعض السياسيين الأمريكيين من تلك الصفقة، لا سيما من تعامل ترامب من الجانب السعودي، ومع الصفقات التي يمكن اعتبارها سرية إلى حدٍ ما.

الاتفاق النووي مع إيران
المفارقة التي لا يمكن إغفالها في هذا الأمر أنه منذ بداية العمل على المشروع النووي الإيراني، في خمسينات القرن المنصرم، كانت أمريكا أحد المشاركين الأساسيين في الأمر، لكن أزمة السلاح النووي بينهما حدثت بعد ذلك، تقريبًا منذ التسعينات، إثر إجراء إيران لعمليات تخصيب اليورانيوم دون الاكتراث بأمريكا. لكن تعامل ترامب مع الأمر اختلف تمامًا عن سابقيه، خصوصًا أن فترة باراك أوباما كانت أكثر هدوءًا تجاه الأمر، مما جعلهم يوقعون اتفاقًا في 2015. لكن ترامب أصر منذ مجيئة على أخذ منحى "عنيف" في التعامل مع إيران، بل ومهاجمة تصرفات أوباما الطيبة مع الدولة التي "تلعب بالنار".

لكن ذلك التعامل لم يعجب مجلسي النواب والشيوخ الأمريكيين خصوصًا مع "تساهل ترامب مع روسيا" بحسب آراء بعض الخبراء، مما جعلهم يؤيدون بإجماع تام فرض عقوبات جديدة على كلٍ من روسيا وإيران وكوريا الشمالية، وذلك بعد إقرارهم مشروع قانون العقوبات الجديدة في وقتٍ سابق بالإجماع أيضًا، رغم اعتراضات دونالد ترامب والبيت الأبيض على إدخال الجانب الروسي في المعادلة مع إيران وكوريا الشمالية، وهو ما يمكن أن يعترض عليه ترامب باستخدامه حق النقض "الفيتو".

اقرأ/ي أيضًا: دونالد ترامب.. سيرة موجزة لممثل فاشل

وكان قد أقر مجلس الشيوخ الأمريكي "بالإجماع" على تمرير مشروع قانون يؤيد عقوبات جديدة على روسيا، ويتيح للكونغرس سلطة إعادة النظر في أي محاولات يقوم بها البيت الأبيض للحد من تلك العقوبات، بينما وافق مجلس الشيوخ الأمريكي على مشروع قانون يمنح الكونغرس سلطات جديدة لمنع ترامب من تخفيف العقوبات المفروضة على موسكو، وأضيفت العقوبات المفروضة على روسيا كتعديل لمشروع قانون العقوبات الإيراني ليضم معه روسيا وكوريا الشمالية.

من جانبها كانت وزارة الخارجية الأمريكية صرحت على لسان الوزير الأمريكي ريكس تيلرسون بأن الاتفاق النووي مع دولة إيران مطابق للمواصفات في الوقت الذي أبدى ترامب اعتراضه الشديد على ذلك، وأعرب ترامب عن شدة استياءه من "تجاهل" مساعديه لشؤون الأمن الاستراتيجي، توفير أي خيارات للتخلي عن الاتفاق النووي الأمريكي مع إيران. وظل تبادل البيت الأبيض ووزارة الخارجية الرسائل فيما بينهم، بعد رفض ترامب للمرة الثانية التصديق على تقارير أمريكية تؤكد التزام إيران بتعهداتها.

وقبل أيام قال الحرس الثوري الإيراني "إن حاملة طائرات أمريكية أطلقت طلقات تحذيرية نحو زوارق إيرانية في الخليج، وأن ذلك تصرف استفزازي وغير مهني". كما قالت في بيانها إنه "بعد مضي عدة أيام على التصرف الاستفزازي لسفينة حربية أمريكية في شمال الخليج عندما قامت بإطلاق طلقتين في الهواء أمام دوريات لبحرية حرس الثورة الإسلامية، قامت السفن الأمريكية هذه المرة بعمل مشابه في وسط الخليج".

وهو ما دعى إيران بأن تعلن أنها أجرت تجربة ناجحة لإطلاق صاروخ يمكن استخدامه في إطلاق أقمار اصطناعية للفضاء، وذلك نتيجة العقوبات التي فرضتها أمريكا علي إيران، بينما قالت الولايات المتحدة ودول أخرى أنه ينتهك قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة بسبب إمكان استخدامه في تطوير صواريخ باليستية.

كان قد أقر مجلس الشيوخ الأمريكي "بالإجماع" على تمرير مشروع قانون يؤيد عقوبات جديدة على روسيا

في النهاية استند ترامب في رفضه للأمر بأن الاتفاق لم يشمل "البرنامج الإيراني للصواريخ الباليستية وأنشطة طهران في دعم الإرهاب". هذا الأمر يوافق عليه بيان صدر عن وزارة الخارجية الأمريكية التي تعتبر "أن إطلاق إيران مؤخرًا لصاروخ إلى الفضاء هو اختراق لروح الاتفاق النووي" السابق ذكره.

لكن الأمر انتهى إلى موافقة ترامب مؤخرًا على المصادقة على تلك التقارير، وبالتالي تأجيل اتخاذ موقف بشأن الاتفاق النووي مع إيران لثلاثة أشهر أخرى. وكالعادة يقودنا ذلك إلى اختلاف الرؤى بينهم في أحد أهم القضايا التي تهم الولايات المتحدة.

على ما يبدو، إن تلك القضايا يمكن أن تبرهن بوضوح على مدى التفسخ الذي تعيشه الولايات المتحدة الأمريكية فيما بينها، وهو ما يمكن أن يبرهن أيضًا على تصاعد الطموحات الصينية باعتبارها المنافس الأقوى والأهم لأمريكا الآن، في ظل صراعات داخلية وخارجية تخوضها أمريكا.

 

اقرأ/ي أيضًا: 

حرب دونالد ترامب المقدسة

السيسي يهنئ ترامب.. وعود وكيمياء متبادلة