تقترب الولايات المتحدة وإسرائيل من التوقيع على صفقة أسلحة ضخمة تمتد لمدة 10 سنوات، لكن واشنطن تدفع في اتجاه إلغاء بندٍ مرغوبٍ به سمح لإسرائيل بضخ مئات الملايين من الدولارات إلى صناعة الدفاع الخاصة بها مباشرةً، حسبما أوردت مجلة فورين بوليسي الأمريكية.
صفقة جديدة ستجعل إسرائيل تنفق أموال الدعم الأمريكي على أسلحة أمريكية بدلًا من السماح لها بإنفاق جزء منها على أسلحة إسرائيلية
وأضافت المجلة أنه في حال نجاحها فإن محاولة الإدارة الأمريكية لحذف البند سوف تسبب ألمًا حقيقيًا لقطاع الأمن الإسرائيلي المتنامي، والذي يصدر بالفعل أسلحة تفوق ما تصدره أي دولة أخرى تقريبًا باستثناء الولايات المتحدة. على الجانب الآخر، سوف يعني التغيير مكاسب مفاجئة محتملة لمقاولي الدفاع الأمريكيين الذين يسعون جاهدين لبيع معداتهم بالخارج لتعويض انخفاض المبيعات بالداخل. يدفع الشرق الأوسط وآسيا الآن النمو بالنسبة إلى كبار المقاولين الأمريكيين، حيث يأتي ما يقرب من ربع الإيرادات من مبيعاتٍ دولية، مقارنةً بنسبة 15% عام 2008.
اقرأ/ي أيضًا: بلومبرج تلوم السيسي على تراجع الاقتصاد المصري
يقول لورين تومبسون، وهو مستشارٌ للمقاولين العسكريين الأمريكيين، إن التحول المقترح "سوف يشكّل أخبارًا سارة للغاية لصناعة الدفاع الأمريكية"، لأن "الإنفاق العسكري المحلي ثابت تمامًا وإسرائيل هي مستهلك للتكنولوجيا العسكرية المتطورة".
كانت القضية نقطة خلاف في المحادثات بشأن حزمة مساعدات عسكرية جديدة لأنها قد تحرم شركات الأمن الإسرائيلية مما يقرب من 10 مليارات دولار على مدار العقد القادم، وهو مبلغٌ ضخم بالنسبة لقطاعٍ حيوي من اقتصاد البلاد. يظهر الاتفاق، والذي لا يتضمن نقلًا مباشرًا للمعدات العسكرية وإنما التزامٌ من واشنطن بتمويل عمليات الشراء الإسرائيلية للأسلحة، كيف تظل علاقات البلدين قوية بما يكفي لتجاوز التوترات التي أصابت العلاقات بين الرئيس الأمريكي باراك أوباما ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو.
وأوضحت المجلة أنه حسب التغيير الذي اقترحه البيت الأبيض فإنه سوف يكون على إسرائيل إنفاق الأموال التي تتلقاها في حزمة الأسلحة على أسلحةٍ أمريكية بدلًا من السماح لها بإنفاق جزءٍ منها على أسلحةٍ ووقودٍ إسرائيليين. سوف يعني هذا استفادة عمالقة الطيران الأمريكيين مثل لوكهيد مارتن، والتي تصنع مقاتلات إف-35، ورايثون، والتي تبيع صواريخ موجهة بدقة إلى شركاء الولايات المتحدة حول العالم.
يعود سبب تخصيص جزء من الأموال الأمريكية للأسلحة المصنّعة إسرائيليًا إلى الثمانينيات، عندما كانت إسرائيل تحاول بناء قطاع الدفاع الخاص بها. لكن شركات الأمن الإسرائيلية قد ازدهرت منذ ذلك الحين وفي بعض الحالات تتنافس حاليًا مع مقاولي الدفاع الأمريكيين في الأسواق العالمية، لتصدّر أسلحة بقيمة 5.7 مليار دولار في 2015، حيث تصدرت الرادارات المعقدة والأنظمة الإلكترونية والطائرات بدون طيار والصواريخ قائمة الصادرات المتطورة. يعادل هذا تقريبًا ضعف قيمة الأسلحة التي تم تصديرها عام 2003 والتي بلغت 3 مليار دولار.
بمساعدة الاستثمارات التي قامت بها واشنطن في صناعة الدفاع الإسرائيلية على مدار العقود الماضية، برزت إسرائيل كأكبر مصدر للطائرات بدون طيار في العالم، حيث اقتحمت سوق التصدير الأمريكي لتذهب أكثر من نصف مبيعاتها إلى أوروبا بينما تحاول أيضًا تنمية تواجدها في آسيا. تجري إسرائيل واليابان في الوقت الحالي محادثاتٍ بشأن التطوير المشترك لطائراتٍ بدون طيار مسلحة وغير مسلحة.
وصرح أحد كبار مسؤولي الإدارة للمجلة قائلا: "نعتقد أن هذه الترتيبات، والتي تختص بها إسرائيل، لم تعد تخدم المصالح الأمريكية أو الإسرائيلية". منذ أن تم تقديم البند منذ ثلاثة عقود، "نما الاقتصاد الإسرائيلي بصورةٍ كبيرة، وإسرائيل هي أحد أكبر عشر مصدرين للأسلحة في العالم، وبالتالي فإن المهمة قد نجحت".
وأضاف المسؤول أن تلك القاعدة عنت فقدان الشركات الأمريكية لمليارات الدولارات من الإيرادات المحتملة.
إسرائيل تتلقى حاليًا أكثر من 50% من إجمالي المساعدات العسكرية الأمريكية للدول الأجنبية، وسوف تتصاعد تلك النسبة أكثر
لكن إسرائيل تجادل بأنها تواجه تهديداتٍ هائلة وسط اضطرابٍ كبير في الشرق الأوسط وأنها تحتاج إلى الإبقاء على المرونة في مواجهة تلك التهديدات. يقول الإسرائيليون أيضًا إن شركاتهم التكنولوجية قد تعاونت عن قرب مع المقاولين الأمريكيين على مدار السنوات الماضية وأن الجيش الأمريكي قد استفاد من الابتكارات الإسرائيلية، ويتضمن ذلك برامج الطائرات بدون طيار الإسرائيلية والحرب السايبرانية وأجزاء مصممة خصيصًا لمروحيات الأباتشي.
اقرأ/ي أيضًا: أردوغان في روسيا..رسالة للغرب
أمدت حزمة الأسلحة الحالية، والتي تم توقيعها عام 2007 وسوف تنتهي في العام 2018، إسرائيل بإجمالي 30 مليار دولار لإنفاقها على الأسلحة والإمدادات على مدار 10 سنوات. سمحت الاتفاقية بأن يتم إنفاق 26.3% من التمويل على معداتٍ عسكرية ووقود إسرائيليين، وهو بندٍ لا يتمتع به أي حليفٍ آخر للولايات المتحدة حول العالم.
رغم أن البيت الأبيض يدفع إسرائيل إلى شراء منتجاتٍ أمريكية، إلا أن ما يعوض ذلك قليلًا هو أنه يعرض مقدارًا من الأموال المضمونة لبرامج دفاع صاروخي ضرورية على مدار العقد القادم. تقليديًا، كان على تمويل برامج مثل القبة الحديدية -والتي أسقطت المئات من صواريخ حزب الله في الأعوام الأخيرة- أن يأتي من الكونجرس على أساسٍ سنوي. لكن ذلك ذلك الاقتراح تلقى ردود فعل متفاوتة في إسرائيل، لأنه يأتي مع تنبيهٍ بأنه سوف يكون على المسؤولين الإسرائيليين الامتناع عن الضغط على مشرعي القوانين الأمريكيين من أجل بطاريات دفاع صاروخي إضافية مقابل التمويل المضمون على مدى السنوات العشر.
ويقول المحللون في واشنطن إن صناعة الدفاع الإسرائيلية قد نمت بمقدارٍ كبير منذ أن تم توقيع الاتفاق الأخير عام 2007 لتصبح أحد أكبر موردي الأسلحة المؤثرين حول العالم.
يضاف إلى ذلك أن بعض شركات الدفاع الإسرائيلية قد أصبحوا لاعبين في السوق الأمريكية أيضًا. افتتحت شركة البيت سيستمز عدة مكاتب في الولايات المتحدة في الأعوام الأخيرة وتورد الآن أجزاء، قيمت بعشرات الملايين من الدولارات، لمعداتٍ أمريكية متقدمة مثل مروحيات الأباتشي ومقاتلات إف-16 وطائرات أوسبري. في العام 2014، سجلت البيت نوعًا من الانقلاب، حيث هزمت عددًا من عمالقة الدفاع الأمريكيين وحصلت على عقدٍ بقيمة 145 مليون دولار لتنصيب أبراج استشعار على طول الحدود الأمريكية المكسيكية.
ورغم وجود شكوكٍ على الجانب الإسرائيلي بشأن الاقتراح الأمريكي، إلا أن المفاوضات بشأن مذكرة التفاهم الجديدة الخاصة بالمساعدات العسكرية حققت تقدمًا في الأشهر الأخيرة بعد أن كادت تتعثر أكثر من مرة. ألقى الخلاف العميق بين أوباما ونتانياهو، والذي وصل ذورته على خلفية الاتفاق النووي الإيراني الذي تم التوصل إليه العام الماضي، بظلالٍ من الشك على ما إذا كانوا يستطيعون الاتفاق على أي حزمة أسلحة بينما أوباما في منصبه.
لكن بمجرد أن أصبح واضحًا أن الجمهوريين في الكونجرس لم يستطيعوا حشد الدعم الكافي لرفض الاتفاق النووي مع إيران استأنف المسؤولون الأمريكيون والإسرائيليون مفاوضاتهم في كانون الأول/ديسمبر الماضي.
تعرض الولايات المتحدة على إسرائيل مساعدةً عسكرية بقيمةٍ تتراوح بين 3.5 و3.7 مليار دولار سنويًا لمدة عشر سنوات، في زيادةٍ كبيرة عن المستويات الحالية لكن أقل من الأربع مليارات سنويًا التي اقترحتها حكومة نتانياهو في البداية.
يذكر أن إسرائيل تتلقى حاليًا أكثر من 50% من إجمالي المساعدات العسكرية الأمريكية للدول الأجنبية، وحسب الاتفاق المقترح، فسوف يتوسع نصيب إسرائيل من ذلك التمويل أكثر. وسوف تمثل مذكرة التفاهم التي وضعتها واشنطن على الطاولة أكبر تعهدٍ بمساعدةٍ عسكرية إلى أي دولة في التاريخ الأمريكي، حسب مسؤولين بالإدارة الأمريكية.
اقرأ/ي أيضًا: