لم تكن أزمة العراقية الأساسية هي تنظيم "داعش" الذي سيطر وبشكل علني ورسمي على مدينة الموصل في العاشر من حزيران/يونيو 2014، بعدها تمادى بإجرامه وسيطر على صلاح الدين والأنبار وأجزاء من ديالى. "داعش" كان نتيجة لعوامل عدة كانت هي المشاكل الأساسية والحقيقية في العراق، وما يُمكن قوله إن وجود التنظيم الإرهابي في العراق ليس بجديد، فقبله كان تنظيم القاعدة الذي صال وجال في العاصمة بغداد، وكان يتنقل بشكل شبه حر في شوارعها وأزقتها، ليقتل ويختطف ويُفجر.
الانهيار الذي حصل للقوات الأمنية العراقية وأنتج سيطرة "داعش" على مدن عراقية عدة، كان بسبب الفساد
الانهيار الذي حصل للقوات الأمنية العراقية وأنتج سيطرة "داعش" على مدن عراقية عدة، كان بسبب الفساد، الذي أوصل قادة وضباط غير صالحين لهذه المناصب، وهذا الفساد جاء بسبب المحاصصة السياسية التي دمرت العراق، بالتالي هناك مشاكل حقيقية أهم وأخطر من "داعش"، ستنتج أزمات أخرى.
اقرأ/ي أيضًا: حزب الله يجتاح كلية العلوم في الجامعة اللبنانية
منذ عام 2003، أي عام غزو أمريكا للعراق، تعيش العشائر، السُنية خاصة، في محافظة صلاح الدين منافسة غير ديمقراطية على المناصب في الحكومة المحلية هناك، حيث الخلافات تحتدم مع قرب الانتخابات المحلية، والاتهامات تتوالى على بعضها بالتعاون مع القوات الأمريكية قبل خروجها من العراق عام 2011، فبقيت صلاح الدين منطقة صراع غير مُعلن بشكل رسمي، حتى عمليات التعرض لشخصيات مؤثرة فيها غير واضحة بشكل كبير.
عندما سيطر تنظيم "داعش" على مدينة صلاح الدين وحدثت مجزرة سبايكر اتهمت عشائر من صلاح الدين عشائر أخرى تعيش معها منذ عقود بالمشاركة في تنفيذ الجريمة. هذه الاتهامات ارتقت لتكون علنية وعبر الإعلام، مما ينذر بخطر تصفية حسابات في الفترة الحالية، وتستمر لما بعد وجود "داعش" في العراق، وبالتالي يُظلم البعض ويفلت الجاني من العقاب.
هذا الحال لا يختلف عن حال العشائر في محافظة الأنبار، فهناك عشائر اتهمت بالتعاون مع التنظيم المتطرف، وأخرى بقيت تقاتل حتى الآن بجانب القوات الأمنية العراقية، وهناك قيادات كبيرة في التنظيم تنتمي لتلك العشائر، فضلًا عن ذلك هناك قادة عسكريين ومتعاونين مع الحكومة من عشائر أخرى، مما فسح المجال ،عندما سيطر تنظيم "داعش" على الأنبار، للشخصيات الموالية لداعش بالانتقام من عشائر الموالين والعاملين في الحكومة.
اقرأ/ي أيضًا: نم على بطنك.. أنت من "عبيد إحساناتهم"!
سيولد الانتقام انتقامًا ما دمنا في مجتمع عشائري، لا يجد في القانون فرصة لإنصاف الضحايا ومعاقبة الجناة
هذا الانتقام سيولد انتقامًا بكل تأكيد، ما دمنا في مجتمع عشائري لا يجد في القانون (إن وجد) فرصة لإنصاف الضحايا ومعاقبة الجناة، فالدم بالدم هو "الحل" الوحيد بالنسبة لهم.
ما تحتاجه تلك المجتمعات بعد انتهاء الحرب مع "داعش"، مراحل عدة لخلق السلام وإعادة العلاقة فيما بينها، وترسيخ ثقافة القانون والاحتكام له في مثل هكذا قضايا، والمكاشفة الحقيقية وإعلان أسماء المتورطين بجرائم ضد المدنيين أو المنتمين للإرهاب، وعكس ذلك سنكون أمام أزمة حقيقية تفتك بالمجتمع لفترة طويلة.
التخوين المستمر لتلك العشائر فيما بينها، سيرسخ صورة نمطية طويلة الأمد، فنحن في مجتمع تترسخ لديه أية تهمة على الآخر وإن كانت دون دليل، وهذا سيخلق أجيالًا من الحاقدين والمنتقمين، وربما تشتعل صراعات داخلية هناك.
اقرأ/ي أيضًا: