15-يناير-2024
المفكر العربي عزمي بشارة

المفكر العربي عزمي بشارة (يوتيوب)

في إطار تغطيته المفتوحة للحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، أجرى "التلفزيون العربي"، مساء أمس الأحد، مقابلة مع المفكر العربي عزمي بشارة، المدير العام لـ"المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات"، تحدّث خلالها عن آخر تطورات الحرب التي دخلت يومها الـ100 مخلّفةً أكثر من 23 ألف شهيد، وما يزيد عن 60 ألف مصاب.

تطرّق المفكر العربي خلال المقابلة إلى دعوى جنوب إفريقيا ضد "إسرائيل" في محكمة العدل الدولية بتهمة ارتكاب إبادة جماعية بحق الفلسطينيين بغزة، ومجريات وتطورات ومآلات الحرب، والهجوم الأمريكي البريطاني على الحوثيين، وإمكانية توسع الحرب إقليميًا.  

محاكمة "إسرائيل" حدث تاريخي

استهل بشارة حديثه بالتأكيد على أن مثول "إسرائيل" أمام محكمة العدل الدولية في الدعوى التي رفعتها ضدّها جمهورية جنوب إفريقيا بتهمة ارتكاب جرائم إبادة جماعية بحق الفلسطينيين في قطاع غزة، حدثٌ تاريخي من عدة نواحٍ. فمن الناحية الرمزية، تكمن أهمية مثولها أمام المحكمة من كونها متهمة بما اعتادت على تقديم نفسها كنتاج له، أي الإبادة الجماعية.

أوضح بشارة أن "اليوم التالي" بعد انتهاء الحرب بغزة، في المفهوم الأمريكي الإسرائيلي، يعني استمرار الحرب ولكن بوسائل أخرى مختلفة

وفي سياق حديثه عن خطوة جنوب إفريقيا والمحاكمة، التي شدّد على أنها حدث كبير يجب التفكير في كيفية الاستفادة منها، أكد بشارة أن المرافعة التي قدّمها الفريق القانوني لجمهورية جنوب إفريقيا وثيقة تاريخية مهمة جدًا، سيما أنها تُلخّص مجمل ما تعرّض له الشعب الفلسطيني من انتهاكات، وأنها لم تبدأ بالسابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023، ناهيك عن محاولتها إثبات أن ما يُرتكب هو إبادة جماعية، وأن النية لارتكاب الأخيرة قائمة. وذكّر بشارة هنا بأن المهم من الناحية القانونية هو النية والأجواء لارتكاب الإبادة، لا الخطة التي تحدّث عنها فريق الدفاع الإسرائيلي.

أعاد بشارة في حديثه والتأكيد على أن "إسرائيل" تُعاقب أهل غزة للثأر واستعادة هيبة الردع، إلى جانب جعل القطاع غير صالح للحياة. ومع أن ما سبق قد لا يكون هو تصوّر القضاة الـ15 – وهنا أشار إلى مسألة التمثيل غير التناسبي لبعض الدول والقارات في محكمة العدل مقارنةً بغيرها – لكنه أعرب عن أمله في وجود اعتبار قانوني مهني بالحد الأدنى لدى غالبية القضاة، مؤكدًا في الوقت نفسه أنه لا يمكن التكهّن بالقرار الذي ستخلص إليه المحكمة.

مع ذلك، استبعد المفكر العربي رفض الدعوى بشكل كامل، ودعوة أغلبية القضاة إلى استمرار الحرب، لافتًا إلى أن عدم وقف الأخيرة سيكون نتاج أسباب سياسية تتمحور حول عدم اتهام "إسرائيل" بارتكاب إبادة جماعية، الأمر الذي سيحرج الدول التي تدعمها وتساندها.

ورأى بشارة أن الضرر الذي وقع على "إسرائيل" جراء مثولها أمام المحكمة، وتحدّثت عنه الصحافة الإسرائيلية بصورة موسعة، سبق المحكمة، ووقع عليها نتيجة طوفان التضامن العالمي مع فلسطين الذي يتزايد يومًا بعد آخر في العواصم والمدن الغربية، حيث أشار إلى ازدياد التظاهرات التضامنية خلال الأيام التي تلت جلسات الاستماع، وشدّد كذلك على رمزية ومكانة جنوب إفريقيا في حالات التضامن العالمي، ومعارضة الفصل العنصري والإبادة الجماعية أيضًا. ولذلك، وكما أوضح بشارة، أرسلت "إسرائيل" إلى محكمة العدل مستشارين قانونيين كانوا يقفون ضد الاحتلال، وذلك بهدف إظهار "الوجه اليساري الليبرالي لإسرائيل المقبول دوليًا".

إنقاذ مليوني شخص يستحق المجازفة

أشار صاحب "في المسألة العربية" إلى أن جنوب إفريقيا تجاوزت كل ما يمكن أن يمنعها من اتخاذ خطوتها هذه، كالمعارضة الداخلية ومصالحها مع الغرب، لأنها دولة "سيّدة نفسها" من جهة، ولأن الجانب الأخلاقي تغلّب على سلوكهم من جهةٍ أخرى. وقد أكد ضمن هذا السياق أن تصدّر جنوب إفريقيا حركة التضامن مع الشعب الفلسطيني، بما تحمله من إرث، وليس أحد الأنظمة العربية، أمر جيد للشعب الفلسطيني.

وفي سياق حديثه عن الأنظمة العربية، لم يستغرب بشارة عدم انضمام الدول العربية الموقعة على معاهدة منع جرائم الإبادة الجماعية لدعوى جنوب إفريقيا ضد "إسرائيل"، لأن ذلك لم يكن متوقعًا. وبشأن اتهام "إسرائيل" لمصر بمنع إدخال المساعدات إلى قطاع غزة على اعتبار أنه ليس لها سيادة على معبر رفح، قال بشارة إن ذلك "محرج جدًا" لمصر، ورأى أن الرد المصري على هذه التهمة كان يجب أن يتم بشكل فوري ومباشر من خلال فتح المعبر أمام الفلسطينيين، مؤكدًا على أن إنقاذ مليوني شخص أمر يستحق المجازفة.

ورأى أن هذا الاتهام يجب أن يدفع مصر إلى تعديل موقفها مما يحدث في قطاع غزة، سيما أن تعاطيها مع القطاع بوصفه منطقة محتلة، للعديد من الاعتبارات، لا يبدو واقعيًا ومنطقيًا في زمن الحرب والتجويع والحصار وخطر المجاعة، التي أكد على أنها يجب أن تكون أيضًا "خطًا أحمر" بالنسبة للدول العربية، وليس ملف التهجير فقط.

اليوم التالي استمرار للحرب الراهنة

استبعد بشارة، مجدّدًا، احتمالية القضاء على "حركة حماس" التي افترض أنها ستبقى قوّة حاضرة على الأرض. وقال إن الشعب الفلسطيني يمر بأطول وأقسى حرب منذ النكبة، وإن التضحيات التي قدّمها تستدعي تغيير نمط التفكير لدى القيادات الفلسطينية، وكذلك حل القضية الفلسطينية وليس المحافظة عليها، سيما أنها عادت قضيةً مركزية في المنطقة، وعلى مستوى العالم، بدماء البشر وتضحياتهم التي شدَّد على ضرورة ألا يتم التفريط بها.

اعتبر بشارة الدعوى التي رفعتها جنوب إفريقيا ضد "إسرائيل" في محكمة العدل الدولية، بتهمة ارتكاب جرائم إبادة جماعية، حدث تاريخي

ولفت بشارة إلى أهمية وجود موقف فلسطيني موحّد في مواجهة ما تدبِّره أمريكا و"إسرائيل" لفلسطين، وأن تُعيد القيادات الفلسطينية بناء "منظمة التحرير" بحيث تكون طرفًا فلسطينيًا واحدًا يقدّم طرحًا سياسيًا يتفق عليه الجميع في مواجهة الطرح الأمريكي الإسرائيلي. وأوضح بشارة هنا بأن "اليوم التالي"، في المفهوم الأمريكي الإسرائيلي، يعني استمرار للحرب ولكن بوسائل أخرى مختلفة.

موقف الولايات المتحدة من الحرب

قال بشارة إن نبرة الرئيس الأمريكي جو بايدن ووزير خارجيته أنتوني بلينكن قد تغيّرت في المرحلة الأخيرة، ولكن ليس إلى درجة القطيعة مع "إسرائيل" ووقف دعمها. ولفت إلى أن بايدن تحوّل إلى شخص يكاد ينفد صبره من عدم فهم "إسرائيل" لمصالح أمريكا الاستراتيجية في المنطقة.

ورأى أن الولايات المتحدة تشعر بالحرج أمام حلفائها بسبب تصريحات بعض الوزراء الإسرائيليين، مثل إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش. ومع ذلك، أكد بأن هذا لا يعني تغيّر المقاربة الأمريكية للحرب، سيما أن الولايات المتحدة، كما أوضح، تُشارك "إسرائيل" هدف القضاء على القوة العسكرية لـ"حركة حماس".

وفي العودة إلى قطاع غزة، أشار صاحب "أن تكون عربيًا في أيامنا" إلى أن نمط الحرب في القطاع سيتغيّر بعد الانتهاء من خان يونس، وبغض النظر عن نتائج المعركة، مرجّحًا حصول ذلك خلال الفترة بين نهاية كانون الثاني/يناير الجاري، ومنتصف شباط/فبراير القادم. وحول حديث الإعلام الإسرائيلي عن "مبادرة قطرية" لوقف الحرب تتضمن بنودها إخراج قادة "حماس" من غزة، أكد بشارة أنها فكرة إسرائيلية غير رسمية غايتها شغل الرأي العام الإسرائيلي.

وبينما أكد على أن اشتراط "حماس" وقف الحرب للتفاوض بشأن المحتجزين يُحرج "إسرائيل" أمام عائلاتهم، إلا أنه بيّن أن غالبية المجتمع الإسرائيلي لا يزال يؤيد استمرار الحرب و"القضاء على حماس".

أكد بشارة أن "إسرائيل" تُعاقب أهل غزة بهدف الثأر واستعادة هيبة الردع وجعل القطاع غير صالح للحياة أيضًا

وعن الحديث حول تولّي دول عربية إدارة شؤون قطاع غزة بعد انتهاء الحرب، قال المفكر العربي إنه يجب على هذه الدول أن تُردّ على ذلك وتؤكد على أن الشعب الفلسطيني هو فقط من يدير شؤونه، وأن نتيجة هذه الحرب لا بد أن تكون الاستقلال الوطني.  

ضرب الحوثيين.. ردة فعل أم حرب إقليمية؟

انتقد بشارة في تعليقه على الضربات الأمريكية البريطانية على أهداف تابعة للحوثيين في اليمن، الازدواجية الغربية في تبرير هذه الضربات، والتي تتمثّل في قول الدول الغربية إن اليمن ليس طرفًا في فلسطين، في الوقت الذي يقدّمون فيه الدعم لـ"إسرائيل". وأبدى بشارة استغرابه من قولهم لدولة عربية إن فلسطين ليست
قضيتكم.

واعتبر بشارة، في ختام حديثه، أن ما يقوم به الحوثيون، بغض النظر عن الموقف منهم وارتباطاتهم ودوافعهم، يُظهر أن هناك طرفًا عربيًا لا يرضى بما يجري في غزة. وأكد، في هذا السياق، أن وقف الحصار على القطاع أسهل من ضرب اليمن. واستبعد أن تكون الضربات بداية لتصعيد ما، مؤكدًا أنها تندرج في خانة ردود الفعل على ما يقوم به الحوثيون.