لفرحة العيد، الأضحى أو الفطر أو الميلاد، في الأرض المحتلة خيال مليء بالمخاوف، تبدأ بإغلاق هنا أو منع أمني هناك، ولا تنتهي بمحاولات الاحتلال تنغيص عيد الفلسطيني كما حياته. في الوقت عينه يواجهه الأسرى الفلسطينيون في سجون العدو الصهيوني أضعاف ما يواجهه الفلسطينيون في أرضهم المحتلة.
يبدأ صباح العيد داخل المعتقل تمام الـ6 صباحًا بعد صلاة العيد مباشرة، ليجتمع الأسرى في ساحة القسم لتبادل تحية العيد بمشهد قد يكون مشابهًا لمكة المكرمة، مع اختلاف الظروف المكانية والزمانية، وفي هذه الأثناء يكون الأسرى من جميع الفصائل اجتمعوا في ساحة السجن من أجل إكمال طقوس العيد الخاصة بالسجون، فبعد صلاة العيد والتحيات التي يقوم بها الأسرى فيما بينهم، تبداً جموع الأسرى بالغناء "غير القانوني" في السجن، إذ يقفز "أبو عطا"، ضابط الإيقاع، حاملًا في يده "النينجا"، وهو مصطلح يطلقه الأسرى على سطل القمامة الأسود، ويقوم ضابط الإيقاع بعمله من خلال عصاتين، ليصدر تلحينًا جيدًا أو مقبولًا، من على سطل القمامة، ولأن الأغاني الثورية تستفز إدارة السجن، تقول أغنية العيد "كل عام ونتو بخير يا أهل الضفة الغربية... مهما الغربة بتطول بكرا نشوف الحرية...". ليكمل قسم آخر من الأسرى منشدًا "يا أهلي بالقطاع... كل عام وانتو بخير.. ردو الصاعين بصاع.. كل عام وانتو بخير".
مع كثرة الإضرابات عن الطعام، وتراكم الضغط المتواصل الذي تمارسه سلطات الاحتلال على الأسرى، يمكن القول أنهم يعيشون أصعب مراحل تاريخ الصراع
ما أن ينتهي الأسرى من جولة الغناء الثورية الجماعية، حتى يبدأ كل تنظيم بإنشاد ما بجعبته، متغنيًا بتضحيات شعبه، ويبدأ توزيع الحلويات وما توفر منها بين الأسرى. كما يستخدم الأسرى بعض العبارات، التي ربما تكون استفزازية لمن أمضى أكثر من نصف عمره داخل السجون، وهي "إن شاء الله آخر عيد" ويقصد بها تمني إطلاق السراح من المعتقل قبل العيد المقبل.
هنا قد تأتي إدارة السجن، كما هو معتاد، من أجل إيقاف هذه الأوركسترا المزعجة لها، وبعد ذلك يعود الأسرى إلى غرفهم وخيامهم حتى تبدأ بعض الفعاليات، فمنهم من يبدأ بدوري كرة الطائرة، ومنهم من يبدأ بلعب الشطرنج، ومنهم من يلعب كرة السلة، احتفاء بالمناسبة الخاصة وكسرًا للروتين اليومي، فمن العجائب التفكير بقضاء يوم إجازة أثناء الوجود في السجن.
الظروف الموضوعية التي تحكم الأسرى في هذه الأيام، هي ظروف قد تكون الأصعب تاريخيًا، ومع كثرة الإضرابات عن الطعام، وتراكم الضغط المتواصل الذي تمارسه سلطات الاحتلال على الأسرى، يزداد تشابك هذه الظروف، لكن وبالنسبة للعيد، ففي حال قام الأسرى، قبل ثلاثة أيام، برفع توصياتهم للـ"كنتينة"، من أجل الحصول على حلويات العيد، ويحاول الأسرى توفير وجبة من السمك أو الدجاج على حسابهم الشخصي، بالرغم من الأسعار الباهظة التي تفرضها إدارة السجون على كل المنتجات التي يستهلكها الأسرى، ويجدون أنفسهم مجبرين على شرائها من المصدر الوحيد، أي مصلحة السجون الإسرائيلية، إحدى أكثر شركات الاحتلال ربحية.
وختامًا لليوم، مع هبوط الظلام تبقى احتمالية التمكن من استعمال جهاز جوال (هاتف محمول) مهرب إلى الداخل للمعايدة على الأهل والأصدقاء رفاهية لا تتوفر كل عيد ولا في كل سجن، فللتهريب من تحت عين المحتل شؤون.