في كل مسرح حكومي جزائري مصور، بل مصورون، لكن هل تستطيع أن تحصل على صورة ما بسهولة؟ وإن كان ذلك، هل ستجدها بالحجم والروح اللذين ينبغيان لصورة فنية، التقطتْ لحظة فنية؟ الحالات نادرة، والسبب تشرحه لنا الحكمة العربية القائلة: "ليست النائحة الثكلى كالنائحة المستأجرة".
المسرح الجزائري مثل السياسة الجزائرية لا يُتيح أرشيفه بيسر
يكاد لا يخلو أسبوع في الجزائر مؤخرًا من عمل مسرحي جديد، ينتجه أحد المسارح الحكومية الخمسة عشر، أو إحدى التعاونيات أو الجمعيات المستقلة، لكنك تتعب في الحصول على صور محترفة لهذه العروض، فالمسرح الجزائري مثل السياسة الجزائرية لا يُتيح أرشيفه بيسر، غير أنك ستتجاوز هذا العائق باللجوء إلى المصور فضيل حدهم، فهو لا يفوّت فرصة الحضور والتصوير على حسابه الخاص إلا إذا كان مشاركًا في إحدى الفعاليات المسرحية في الخارج.
اقرأ/ي أيضًا: بانكسي في ميونيخ.. درس الشارع وفنونه
لا يلتقط "راهب الضوء" الصورة المسرحية لأرشفتها فقط، بل ليعيد إخراجها/إبداعها بمنطق الضوء في تدفقه وانكماشه أيضًا، إنه لا يضغط على الزر إلا حين تكون اللحظة الإنسانية في ذروة الفرح أو الغضب أو الحيرة أو الشك أو الخوف، وهو بهذا سارد وشاعر خارج اللغة، بما يسمح لك، إن لم تحضر العرض، أن تعرف إن كان رتمه حارًّا أو باردًا، أما فلسفته في التقاط ملامح المسرحيين، فن البورتريه، فتقوم على شعار: "اعرف نفسك من جديد" من خلال مشاهدتك لها في لحظة شرود.
يقول فضيل حدهم "لالترا صوت" إن الاختيار الذي يقودنا الحب إليه هو أعمق الاختيارات في الحياة، وقد كان الحب قائدَه إلى المسرح فنًا تخصص في تصوير عروضه وكل ما يرتبط به، "اختيارٌ جاء من حبي لهذا العالم الآسر، المليء بالأضواء التي تنعكس في جمالية مطلقة على الديكور والممثلين". يواصل: "كان شقيقي الأكبر يصحبني معه كلما ذهب لمشاهدة عرض مسرحي، وكان الطفل بداخلي يتطلع إلى التعرف على سر الضوء الذي يلقي بنفسه على الممثل والديكور والفضاء المسرحي في توليفة مدهشة، وبقيت دومًا أتساءل من أين يأتي هذا الضوء؟ وكيف ترتسم التعابير على الوجوه والأجساد؟ فقد أخذتني لغة الجسد في عناقها للغة الضوء، إلى عالم موغل في الخيال، جعلني أطرح الأسئلة عن الغاية من طرح موضوع ما بشكلٍ ما فوق خشبة المسرح".
هذا الحب عزّز في نفس الفتى الذي سيصبح صديق المسرحيين الجزائريين على اختلاف أجيالهم وجمالياتهم، سلطة السؤال الذي يثمر صورة، فالصورة عنده إذن ليست معطى جاهزًا يُلتقط، بل معطى غامض يُخلق مرتين، مرة عند الذات المصورة ومرة عند الذات المتلقية للصورة. يقول: "بعد سنوات من ترددي على المسرح لمتابعة العروض رفقة شقيقي، أدركت أن ذاك الذي بهرني كثيرًا اسمه سينوغرافيا، فصرت لصيقًا بهذا العالم الكبير منجذبًا بقوة إلى تفاصيله وهوجسه ومناخاته، ما ولّد لديَّ حب الاحتفاظ بلقطات ومشاهدَ نالت إعجابي".
ليس فضيل المصورَ الوحيدَ في المشهد المسرحي الجزائري، لكن الموجودين معه جميعًا يُشكلون أقلية بالمقارنة مع عدد المصورين الذين يستهويهم التصوير في مجالات الرياضة والسياسة والاقتصاد والحروب، ربما لأن جرعة الشغف في هذه الأقاليم أكثر تمكنًا من النفوس، وربما لأن الصورة فيها تدرّ على ملتقطيها مالًا، خاصة إذا كانت حصرية. "ينفر أغلب المصورين من التصوير في مسرح أو سينما أو قاعة تحتضن ملتقى أدبيًا أو فكريًا، وأنا أجد متعتي في التقاط أجواء المسرح لأنني أحس حينها بأني أقرب إلى ذاتي وهي تسعى إلى معرفة ما غمض من الوجود".
اقرأ/ي أيضًا: