مع مطلع كانون الثاني/يناير 2016 ها هو كتاب التاريخ يفتح لنا صفحة بيضاء لنملأها بما خطت به أيدينا وقررت به أفعالنا، صفحة بيضاء لم تقرر بعد تنتظر من المصريين أن يقرروا، ماذا يريدون أن يملؤوها فإما زهورًا وحرية وإما سواد البارود.
الثمن الذي دفع في مشوار الحرية لا يستقيم معه أي رجوع حتى يصبح التعليم والعلاج والسكن والعمل وحرية التعبير والاختيار حق لكل المصريين
والثمن الذي دفع في مشوار الحرية والعدالة الاجتماعية لم يعد يستقيم معه أي رجوع أو قعود حتى يصبح التعليم والعلاج والسكن والعمل وحرية الانتقال والتعبير والاختيار حق لكل المصريين.
يقول الجميع نحن سننتصر في النهاية دون أن نحاول تعريف كلمة نحن، دائمًا ما "نحن" ترتبط بالأشخاص دون أن ندرك توصيف كلمة نحن الحقيقي، منبعه المبادئ والقيم المشتركة التي نرتضيها ونعض عليها بالنواجز لنصل إلى عقد إنساني للعيش المشترك معًا على أرض واحدة تجمعنا بكل متناقضاتنا وخصوماتنا السياسية واختلافاتنا الجذرية والثانوية.
علمنا التاريخ أنه مهما طال الزمن فإن الشعوب تعاقب حكامها الذين يستخفون بها ولو بعد حين، ولن يستطيع أحد أن يخفي حقيقة أن البسطاء والمأزومين ينتظرون بفارغ الصبر من سيأتي ليصون ويستعيد كرامة منتهكة في السجون والأقسام ويقيم العدل فيما بينهم فنتطهر من كل خبيث ويتقدم الصفوف كل صاحب علم شريف. وقتها تتحول الجموع التي يراها المستبد من زيادة سكانية وعبء إلى ثروة بشرية هي الدرع والسيف الحقيقي للأوطان، القادر على فعل المستحيل وتحمل عناء التخلص من الجهل والفقر والمرض الذي ورثنا إياه الاستبداد.
لقد ولى زمن القائد الفرد بل نحن في حاجة إلى الفريق الذي يعمل كل في موقعه بناء على خطة واستراتيجية موحدة لها هدف وإطار زمني للعمل والتقييم، نحتاج لأصحاب المهارات والمواهب في كل المجالات، لهم خطاب واضح وتحيزات واضحة لهم قدرة على الاشتباك مع الجهل والفشل وإسقاط جدران الزنازين الفكرية واستنهاض الطاقات المعطلة والمهدورة، رجال لن يقدموا سلامتهم الشخصية ومساراتهم الخاصة على النزول إلى وحل العمل العام والبدء في التنظيف بسواعدهم مهما كلفهم الأمل ومهما طالهم من الوحل.
اللحظة تفرض علينا ألا نختزل ثورة شعب في يوم أو ميدان أو وسيلة احتجاجية وحيدة، فلنفرض قواعد وشروط جديدة لانتزاع الحقوق، ولنحاول أن نتفق على ما به مصلحتنا وصلاح أحوالنا بدلًا من أن نترك الأمر لمن يصدعونا ليل نهار عن حرصهم على مصلحتنا والواقع يشير إلى أنه دائمًا ما كانت النتائج والمكتسبات لمصلحتهم ما بين مؤسسة أو تنظيم أو جماعة، فبدلًا من أن يقاتل المصريون بعضهم أو يكرهوا كل مختلف معهم، فليفشوا السلام والمحبة بينهم وليتحدوا على ما ينقذهم ويحدد مصائرهم بلا لبس أو تسويف أو تخوين من الجميع.
لنستعيد حالة وعينا الجمعي التي كنا عليها في النصف الثانى من فبراير 2011، تلك الأيام القليلة التي شعرنا فيها أننا نمتلك الشوارع والأرصفة ونخاف على حبات رمل بلادنا، تلك الأيام التي وجب علينا أن نستعيدها ونحافظ عليها ولا نسمح للطامعين والفسدة وتجار المال والسلطة والدين أن يشغلونا عن بناء أوطاننا واستعادة اتحادنا في مواجهة الأخطار.
و قبل أيام من ذكرى يناير التي اعتبرها الكثيرون صيحة في واد ذهبت مع الريح، دون أن يدروا أن أثرها مستمر ولم ينقطع حتى تذهب بأوتاد المستبدين، لنبدأ بأنفسنا ونعلن انحيازنا إلى المبادئ الأساسية للعيش المشترك التي لن تجد مصري يختلف عليها، ولتكن تلك هي الأرضية التي نبني عليها اتفاقاتنا وندير بها خلافاتنا.
لنعلنها بكل عزم أن وحدة الأراضى المصرية واحترام حدودها وسيادتها وصون كرامة مواطنيها في الداخل والخارج هو ركيزة الوعي الجمعي لكل مصري شريف، ولنتعهد فيما بيننا بتجريم التميز الديني والسياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي والعرقي بكل أشكاله والإقرار بتساوي جميع المصريين في الحقوق والالتزامات.
لنرد الأمور إلى أصلها بأن الجيش مؤسسة ملك الشعب ومكونة من أبناء الشعب، امنح لها ترخيص حمل السلاح لحماية الحدود من الأعداء وتقديم يد العون في الكوارث الطبيعية والأحداث الجسيمة على أن يحظر عليه مزاولة جميع أعمال السياسة والحكم بقوة السلاح الذي منحه الشعب لمهام محددة لا يجوز له تجاوزها أو استخدام ذلك السلاح في احتكار الأنشطة الاقتصادية والسياسة بغير وجه حق على أن يكفل المجتمع سبل وآليات ضبطها وتحقيق الأمان الاجتماعي لأفرادها بما يليق بتضحياتهم.
لنعيد الشرطة لخدمة الشعب، لتكون هيئة مدنية ملك الشعب موكل لها حفظ الأمن الداخلي للمجتمع ومكافحة الجريمة والخارجين على القانون بما لا يتجاوز حدود القانون والصلاحية الممنوحة لها من الشعب، ويحظر عليها مزاولة أعمال التجسس أو الترهيب أو التعذيب أو الانشغال بالأمن السياسي وترك المجتمع فريسة تدهور الأمن الجنائي، على أن يقرر الشعب من خلال مؤسساته التشريعية والتنفيذية المنتخبة طرق التقويم المناسبة حال عدم انصياع المؤسسة ومخالفتها للقانون المنوطة بتطبيقه وتنكيلها بأفراد الشعب، وتوفر الأمان الاجتماعي اللازم لأفراد المؤسسة بما يليق بتضحياتهم أثناء قيامهم بدورهم الحقيقي.
فلندرك ونرتضى فيما بيننا القبول بمبادئ الديمقراطية التشاركية التي توفر تمثيلًا سياسيًا لكل فئات المجتمع داخل مؤسسات التشريع والتنفيذ وتسن القوانين اللازمة لمنع احتكار السلطة، على أن يكون الانتخاب الحر المباشر هو الآلية التي يتم بها اختيار ممثلي الحكم في المحليات والمحافظين وأن يتم توزيع الإيرادات وإنفاقها وتحصيل الضرائب بشكل لا مركزي.
لنعمل سويًا لعلاج جروحنا النازفة من خلال عملية تشاركية لصياغة وثيقة العدالة الانتقالية لتحديد مبادئ المحاسبة السياسية أو العفو وجبر الضرر لكل من تضرر سياسيًا واجتماعيًا واقتصاديًا من السلطة الحاكمة منذ عام 2010 وحتى تاريخ تفعيل الوثيقة تحت شعار الحقيقة أولا.
لأن مجرد اتفاقنا على تلك المعايير والتأسيسية للمستقبل سيمكننا من إدارة عملية تفاوضية بكل أدواتها دون تفريط لإعادة صياغة العلاقات المدنية العسكرية في السلطة وصناعة عقد اجتماعي جديد يؤسس إلى توزيع عادل للثروة والسلطة بين كل أفراد الشعب المصري الذي تاق إلى استعادة حريته في الاختيار وكرامته في العيش والمشاركة في خيرات أرضه.
برغم حالة خنق المجال العام والبطش الأمني إلا أن علامات الفزع بادية على السلطة المصرية بعد خمس سنوات ظنت أنها كافية لإنهاك الشباب
فبرغم حالة خنق المجال العام وإطلاق يد الأمن للبطش بكل من تطاله يده إلا أن علامات الفزع والارتباك بادية على السلطة بعد خمس سنوات ظنت أنها كافية لإنهاك الشباب. ليصيبهم هم الإنهاك دون بادرة كلل من شباب ذاق طعم الحرية.
والمسؤولية اليوم مضاعفة على كل من يشعر بالمسؤولية تجاه مستقبل وطنه بإيجاد مشروع سياسي بديل يتعلم من أخطاء الماضي ويمسك بنواصي العلم والأخذ بالأسباب يمتلك أدواته ويعرف متى وأين يستخدمها، الوقت لم يعد في صالحنا وأي لحظة سيولة قادمة دون بناء سياسي يشتبك مع الواقع ويصنع طريقه بالجهد والعرق والإيثار هى لحظة سيولة تكلفة الدم بها ستكون فوق قدرتنا على الاحتمال أو العلاج في المستقبل القريب، والدروس والمحن التي كفلتها لنا السنوات الخمس الماضية كافية لأن نعرف الطريق وندرك وعورته.
لننتزع حقوقنا ولا ننتظر أن يهبها لنا أحد ما، ولنطرق كل باب في ذكرى ثورة الشعب لنبشر بمستقبل أكثر عدلًا وحرية ورخاء، ولنواجه الفقر والمرض والجهل بالقضاء على صنيع الاستبداد في أنفسنا على مر السنين. لنتمكن من إيجاد معادلة للعيش المشترك بدلًا من معادلات الموت والإقصاء التي يفرضها علينا الاستبداد الذي يقتلنا جميعًا دون تميز، فلنجعل حراكنا الثوري في ذكرى الثورة نداء للاتحاد وحائط صد لكل الفتن ولنعمل بكل جهد لحفظ سيرة شهدائنا وألا تذهب تضحياتهم ودمائهم سدى، السواعد المتحدة عصية على الكسر ونحن جيل لم ولن يرضى بذل الانكسار.
اقرأ/ي أيضًا: