فجأة، قبل أشهر، قررت السلطات اللبنانية منع اللاجئين السوريين من الدخول إلى لبنان. وعلى ما يقوله سوريون: المعايير شكلية. يغربل الأمن اللبناني القادمين بين "المعتّر" و"الكلاس". جراءات الفيزا ما زالت غير واضحة، حتى اليوم، بالنسبة لكثير من السوريين. طبعاً، البلد "الكلاس"، لا يرضى بأي لاجئ كان. يجب أن يكون لاجئاً "إيما وسيما". يتّخذ الأمن العام اللبناني قراراً غريباً آخر، بإجراء فحوصات السل لكل الرعايا الأجانب، إذا ما أرادوا تجديد إقاماتهم، مع العلم أنهم قضوا السنين الأخيرة لهم في هذا الوطن، فلماذا هم دون سواهم يجب أن يخضعوا لهذه الفحوصات؟ أتراه اللبناني منزّه عن الإصابة بالأمراض؟ على ما يبدو أنهم وحدهم، رعايا أثيوبيا وسيرلنكا وبنغلادش يشكلون مرتعا لهذا المرض. هذه أيضاً عنصرية موصوفة.
تقوم الشركات الإعلانية بحملات ترويجية شوفينية تدعو اللبناني للبقاء وتحثّه بألا يترك أرضه "للغريب"
إلى ذلك، أتحفتنا إحدى الجرائد التي تعد نفسها "عريقة"، بمقالة تعتبر "بأن الحمرا ما عادت لبنانية، التوسع السوري غير هويتها" وبأنها صارت"سودا". وفي السياق نفسه، تقوم الشركات الإعلانية بحملات ترويجية شوفينية تدعو اللبناني للبقاء وتحثّه بألا يترك أرضه "للغريب". نتصفح أخبار المواقع الإلكترونية، لنكتشف بأن العاملات في الدعارة هنّ الغريبات، هنّ النازحات، هنّ الرخيصات دوماً، وليس بنات البلد العفيفات الشريفات. عنصرية أخرى. تطمئننا "أسرار" إحدى الجرائد الحزبية بتأكيدها على أن"النظرة الفرنسية إلى اللبنانيين تختلف عن كل الجاليات الأخرى بالذات هي غير نظرة "عن كل الآخرين". وهذه عقدة من الرجل الأبيض.
وعلى سيرة الرجل الأبيض، يحدث في أحد الشوارع، أن تنهر الأم ابنتها الصغيرة لأنها تجرأت وتفوهت بكلمة عربية. يا للعار، طفلتها تناست "بريستيج" أمها وغفلت عن النطق بالفرنسية لثواني. يطرد أحد العاملين في مطاعم بيروت الراقية، لأن لهجته ليست لبنانية وبالتالي ليست "كلاس". تقرر بلديات المناطق اللبنانية، بحظر التجوّل على غير اللبنانين، بعد السادسة مساءً على اعتبار أنهم وحدهم السرّاقون وقطّاعون الطرق. اللبناني بريء لا ينحدر إلى هذه الأعمال.
فلنتأمل معاً هذه الأحداث، ونفكر "عنجد، اللبناني مين مفكر حالو". فهمنا أن بعضهم لا يريد أن يكون عربياً، ويعتز بأصله الفينيقي، علماً أن الاثنين لا يتعارضان. وبعضهم لا يريد أن يكون عربياً بل فقط ذا وجه عربي، فهو في الأصل اختار انتماءً آخر، الى فرنسا الأم، التي لا تعترف به للمناسبة. لكن هذه "الشوفينية" من أين أتت، هذا هو السؤال. هل لنا تاريخ بهذا الصدد. أخرج عن قواعد الصحافة هنا وأسأل، كلبنانية: هل انتبه اللبناني بأنه هو نفسه، غريب في بلاد العالم التي يتباهى أنه جابها طولاً وعرضاً. هل يعلم بأنّ صيت اللبناني في بلدان كألمانيا وسويسرا ليس مشرفا أبداً. هل يعلم اللبناني بأنه بالنسبة لكثير من الأوروبيين، هو النصّاب ومبيّض الأموال، في كثير من الأحيان، وذلك تعميم وظلم مجحف في الوقت عينه. على الأرجح، هذا تنميط، واللبنانيون ليسوا بأسرهم عنصريون، والذين يحاربون هذه الظواهر، سيظهرون يوماً... إيه في أمل.
أصدرت وزارة الخارجية اللبنانية بياناً في تموز/ يوليو، قالت فيه إن "دخول الرعايا السوريين لا يتطلب الحصول على تأشيرة من أي نوع، إنما الإعلان عن سبب الزيارة وحيازة المستندات المطلوبة"، مؤكدةً أن "الإجراءات الجديدة لدخول السوريين إلى لبنان "تهدف إلى التأكد من أن الرعايا السوريين الذين يدخلون لبنان ليسوا نازحين"، مؤكدة أنها "لا تطال أبدا الرعايا غير النازحين، وأنها ليست تأشيرة دخول إلى لبنان على الإطلاق"، واعتبرت الخارجية أن هذا سيبقي الحدود اللبنانية ــ السورية مفتوحة كما جرت العادة. غير أن هذا البيان، الذي اعتبره البعض تراجعاً عن قرار الأمن العام السابق، ما زال يعتبر برأي كثيرين منافياً لحقوق الإنسان، بحيث أن النازحين السوريين هم الذين يحتاجون الدخول إلى لبنان لأسباب انسانية، وليس السياح. وكان الأمن العام اللبناني قد قال في بيان سابق أنّ "لبنان سيفرض على السوريين الراغبين بدخول أراضيه استصدار فيزا، تشمل دخول البلاد لأغراض سياحية أو تعليمية أو طبية أو اقتصادية، وهي تطلب سلسلة شروط"، وهو الأمر الذي صنفته وزارة الخارجية في بيانها "توضيح لأسباب الدخول".