يُمكن القول إن رئيس الحكومة العراقية، حيدر العبادي، بلا أجنحة سياسية في الداخل. نعم يمتلك دعمًا شعبيًا عُزز بدعم المرجعية الدينية في النجف، لكن على المستوى السياسي، بقي مقطوعًا من حزب. لا هو مستقيل منه ولا هو مستقوٍ به.
هشاشة موقف العبادي في الداخل كادت أن تُنهيه لولا القبول المتفق عليه بين واشنطن وطهران. هذان اللاعبان الأساسيان في العراق، ما يطرحانه، يكون
هو أكثر سياسي سنحت له الفرص في تأريخ العراق. التظاهرات التي خرجت للمطالبة بإصلاحات في مؤسسات الدولة العراقية، تحولت بلا إراداة إلى داعمة له في بعض الأحيان. كانت مرجعية السيستاني كذلك تدعمه، لكنه لم يستثمر أي منهما.
اقرأ/ي أيضًا: هل كان صدام حسين إسلاميًا في أواخر حكمه؟
هشاشة موقف العبادي في الداخل كادت أن تُنهيه لولا القبول المتفق عليه بين واشنطن وطهران. هذان اللاعبان الأساسيان في العراق، لهما سطوة كبيرة على فرق السياسة العراقية، فما يطرحانه، سيكون.
في الزيارة الأخيرة لوزير خارجية الولايات المتحدة الأمريكية جون كيري للعراق. مرر رسائل إيجابية للعبادي.
بعد اللقاء البروتوكولي بين الجانبين، انصرف أعضاء الوفدين العراقي والأمريكي خارج قاعة الاجتماع التي جمعتهما في مكتب رئيس الحكومة العراقية. بقي داخلها العبادي وضيفه كيري. إجتمعا وحدهما مدة عشر دقائق. كان الحديث الأكثر فيه للوزير الأمريكي، الذي همس للعبادي: "سر بحكومتك التي ترغب بها. سنكون معك".
قبل هذه الزيارة كانت هناك رسالة شفهية من قاسم سليماني قائد فيلق القدس الإيراني الذي يُدير ملف العراق في جمهورية المرشد الأعلى الإيرانية، تفيد بضرورة أن يقوى عود التحالف الوطني، وأن لا تُتخذ خطوات تزعزع وجود العبادي في منصبه.
مساعد كيري، بريت ماكورك الذي زار بغداد الأسبوع الماضي تمهيدًا لزيارة كيري، كان قد أبلغ "القادة" السياسيين في العراق، بأن خلافاتكم ستُبعدنا والمجتمع الدولي عنكم. أبلغهم كذلك بأن العراق ليس بحاجة لمبادرات وطروحات جديدة: "وضعكم لا يُحتمل. سندعمكم مع المجتمع الدولي إذا تخليتم عن خلافاتكم".
ولأن ليس كل ما تطرحه واشنطن سيُقابل بـ"نعم"، شاب التوتر والانزعاج اللقاء الذي جمع ماكورك بزعيم المجلس الأعلى عمار الحكيم. لم يُعرف سبب المشادة الكلامية التي حدثت بينهما، لكن يُرجح أن تكون حول "التعديل الوزاري".
الجنرال الإيراني قاسم سليماني، صاحب الجولات المكوكية في بغداد، بعث برسالة إلى التحالف الوطني بضرورة القبول بخطوات العبادي. ربما هذا يضر بحلفاء إيران في الساحة العراقية، لكنه يُعزز تعاون طهران مع واشنطن.
كيري عاد من جديد وكرر على القادة السياسيين ووزراء في حكومة العبادي الحالية، بأن مواقفهم المتزمتة يجب أن تنتهي. يجب أن "يكون هناك توافق. التخلي عن المناصب ضرورة آنية".
اقرأ/ي أيضًا: ماذا بعد هزيمة داعش؟
أمريكا التي لا تريد أن تفشل تجربتها "الديمقراطية" في العراق، تجد ضرورة في بقاء العبادي بمنصبه حتى انتهاء ولايته. توافقها إيران الساعية لتدعيم الموقف الشيعي العراقي، والتحليق أعلى بأجنحتها السياسية والعسكرية.
في مقابل هذا، يمارس الفريق العراقي الموالي لإيران دورًا غير الذي يدعو له سُليماني في الداخل. هذا الفريق يحاول إضعاف العبادي، هذا الآخر متخبط بين التظاهرات وتنفيذ مطلب الاستقالة من الحزب، وبين أعضاء حزب يُهدده بسحب الثقة.
لكن التوافق الأمريكي-الإيراني الداعم للعبادي، يدفع الآن باتجاه إزاحة بعض الرؤوس المتجذرة في مناصب الدولة العراقية. هذا بكل تأكيد لم يكن من صالح إيران، لكن مساحة التقارب المتسعة مع أمريكا، تدفعها باتجاه ذلك.
بالمحصلة، العراق الآن أمام طرق عدة، أسلمها القبول برغبة الجماهير الداعية للإصلاح، وتحقيق المطالب الاجتماعية، بغية الحصول على دعم دولي يُعزز قدرته في الحرب ضد "داعش"، ويأتي بتيسيرات مالية جديدة.
اقرأ/ي أيضًا: