شارف الفراغ الرّئاسي في لبنان على إنهاء عامه الثّالث، في حين أن قصر الرّئاسة خالٍ من ساكنه، يعيش اللبنانيون حياةً طبيعية، المهتمون بالفراغ الرّئاسي قلّة، والمعنيون أقلّ. رئاسة الجمهورية بعد الطّائف لا تتعدّى كونها منصبًا فخريًا بصلاحياتٍ ضئيلة، يشابه في رمزيته، مركز ملكة بريطانيا.
رئاسة الجمهورية في لبنان، بعد الطائف، لا تتعدّى كونها منصبًا فخريًا بصلاحياتٍ ضئيلة، يشابه في رمزيته، مركز ملكة بريطانيا
اقرأ/ي أيضًا: خطورة ميشال عون
تتجلّى أهمية، أو قيمة رئاسة الجمهورية في لبنان ببعدها الطّائفي، فالرّئيس اليوم يمثّل المسيحيين في لبنان والشّرق، ويعدّ الرّئيس المسيحي الوحيد في المنطقة، كُرِّسَ وجوده كضمانةٍ فرنسية لمسيحيي المشرق، وأعطي صلاحياتٍ كبيرة، إلى أن نشبت الحرب الأهلية وتوصّل اللبنانيون لاتفاق الطّائف، فسُحبت الصلاحيات من رئيس الجمهورية وأُسندت إلى رئاسة الحكومة ومجلس الوزراء. لعل أبرز عوامل الفراغ اليوم، هو الشّعور المسيحي العام بضرورة استعادة صلاحيات الرّئاسة، وخلق دورٍ وازنٍ على السّاحة السّياسية لرئيس الجمهورية، والأهم، اختياره من قبل القوى المسيحية الفاعلة على السّاحة اللبنانية، لا سيما التّيار الوطني الحرّ والقوات، دون تجاهل حيثية الكتائب.
إصرار القوى المسيحية الرّئيسية على اختيار رئيس قوي بإرادة مسيحية تتقدّم على الإرادة الإسلامية، مردّه إلى خوفٍ وجودي، فالرّئيس القوي ولو بصلاحياتٍ ضئيلة، قادرٌ على حماية الوجود المسيحي، فتجربة مسيحيّ العراق وبعدهم مسيحيّ سوريا تخلق نوعًا من الخوف الذي يسيطر على المزاج الشّعبي، خاصّةً مع شيوع الفكر التّكفيري.
من هنا اتحدت القوى المسيحية الأساسية في لبنان على ترشيح عون، مع تحفّظٍ كتائبي، وحده الوزير السّابق سليمان فرنجية كسر الإجماع المسيحي بدعمٍ من تيار المستقبل، وجعل المعركة مفتوحةٌ على احتمالاتٍ عديدة، منها فوزه، لكن فوزه صعبُ في ظلّ الاصطفافات الحالية، ودعم حزب الله لميشال عون، كما سمير جعجع، في حين أنّه هو، أي فرنجية، مدعومٌ من تيار المستقبل وحركة أمل والحزب التّقدمي الاشتراكي، لكنّه على عكس عون، يتمتّع بقبولٍ شعبي، ورفضٍ مسيحي، في حين أن عون يتمتّع بتأييد مسيحي يستند إليه في معركته كسلاحٍ للوصول للرئاسة.
اقرأ/ي أيضًا: نصر الله لفرنجية: ذبحتنا يا صديقي
لبنان سيبقى بلا رئيس إلى أن يصبح السّاسة اللبنانيون سياديين بالفعل، لا سفراء أو قائمين بأعمال الدّول الإقليمية التي ترعاهم
وجود رئيسٍ فعلي اليوم، بحاجةٍ لنقل صلاحياتٍ من رئاسة الحكومة، التي تتحكم بما يفوق الـ40 صندوقًا وهيئة حكومية، وبحاجةٍ لتحديد مُهل تشكيل الحكومات التي تُمنح لرؤساء الحكومات، فبدل أن يستغرق المسمّى لمركز رئاسة الحكومة سنةً وأكثر لتشكيل حكومته، وبالتّالي تعميم الفراغ والشّلل المؤسّساتي في عهد رئيس الجمهورية المنتخب، يُلزم المسمى لرئاسة الحكومة بمدّة زمنية قبل انعقاد مشاوراتٍ جديدةٍ لاختيار خلفٍ له، بسبب فشله في تأدية مهامه، طبعًا يُعتبر هذا الطّرح نظريًا، لكن الحلّ الفعلي، أو الشّروع في إحداث تغييرٍ يبدأ بمرحلةٍ انتقاليةٍ ورئيسٍ انتقالي، لمدّة قصيرة، يُؤسّس فيها لقانونٍ انتخابي جديد يراعي النّسبية والتّمثيل لمختلف الشّرائح اللبنانية.
يعي الجميع اليوم، سياسيون ومواطنون، أن لا رئيس جمهوريةٍ في الأفق المنظور، تنتظر القوى الأساسية انتهاء الحرب السّورية كخطوةٍ أولى، عندها سيتفرّغ المعنيون الإقليميون للملف اللبناني، مع أن الحلّ قابلٌ للإنتاج لبنانيًا إن توفّرت النّية بذلك، لكن النّية غير متوفّرةٍ لانعدام العادة، فاللبنانيون لم يعتادوا انتخاب رئيسهم بل تعيينه، بعد أن يُزكّى اسمه إقليميًا ودوليًا. لبنان سيبقى بلا رئيس إلى أن يصبح السّاسة اللبنانيون سياديين بالفعل، لا سفراء أو قائمين بأعمال الدّول الإقليمية التي ترعاهم، عشتم وعاش الفراغ.
اقرأ/ي أيضًا: