المقال التالي ترجمة لتقرير "فورين بوليسي" عن محاولة تركيا رأب الصدع مع روسيا لاحتواء إيران ومحاربة تنظيم الدولة الإسلامية وتحسين وضعها في شرق أوسط متغير.
أصبح تنظيم الدولة الإسلامية أولوية أكبر بكثير بالنسبة لتركيا، بعد سنوات من الجهود الفاترة لمحاربته، بعد تنفيذه عدة عمليات إرهابية في تركيا
__
محاولة التودد التركية إلى روسيا، كما فعلت مع إسرائيل هذا الأسبوع، هي جزءٌ من الجهد الذي تبذله أنقرة لحشد أكبر عدد ممكن من الصداقات عبر منطقةٍ تعكرها الحرب الأهلية السورية وصعود إيران الشيعية.
ومثل مصالحة تركيا مع إسرائيل، قد تطلق العلاقات الأفضل مع روسيا مشروعات الطاقة المتعطلة في تركيا، ابتداءً من خط أنانيب غاز طبيعي ضخم وانتهاءً بمحطة طاقة نووية بتكلفة 20 مليار دولار.
اقرأ/ي أيضًا: المصالحة مع إسرائيل..تركيا تراجع موقفها الإقليمي
أكد الهجوم الانتحاري المميت في مطار أتاتورك باسطنبول يوم الثلاثاء، الذي يحمل الخبراء تنظيم الدولة الإسلامية مسؤوليته، والذي أسفر عن مصرع 44 شخصًا وإصابة المئات، على حاجة تركيا إلى إعادة بناء صداقاتها المتوترة لتعزيز أمنها الداخلي.
"أعتقد أن هجوم اسطنبول يزيد من الحاجة الملحة إلى التطبيع بالنسبة لتركيا"، قال سونر كاجابتاي، مدير برنامج الأبحاث التركية بمعهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى.
دخلت العلاقات بين تركيا وروسيا -اللتين كانتا منذ عامين فقط على مسار تشكيل "شراكة استراتيجية"، تغذيها صفقات طاقة بمليارات الدولارات- إلى حالة جمود عميق في تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، عندما أسقطت طائرتان تركيتان طائرة روسية انتهكت المجال الجوي التركي بالقرب من سوريا. منذ ذلك الحين، أضرت القيود الروسية على التجارة والسفر بالاقتصاد التركي، وتجمدت مشاريع الطاقة، وتم إبعاد الجيش التركي فعليًا عن شمال سوريا، حيث لا تزال الدولة الإسلامية تمتلك معقلًا هناك.
هذا الأسبوع، تقدم الرئيس التركي رجب طيب أردوغان باعتذارٍ كتابي إلى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على حادثة الطائرة، وبعد يومين، ردت روسيا بإلغاء حظر السفر الذي كانت قد فرضته. يضع هذا البلدين على مسار تطبيع العلاقات، وهو ما فعلته تركيا هذا الأسبوع عقب خلاف استمر ست سنوات مع إسرائيل بشأن مهاجمة الأخيرة لأسطول مساعدات متوجه إلى غزة. وصف أردوغان مد أغصان الزيتون إلى كلٍ من إسرائيل وروسيا بأنه مكسب لكل البلاد.
القوة الدافعة وراء تحرك أنقرة الدبلوماسي هي الوضع الأمني المتردي في شرق المتوسط والشرق الأوسط الأوسع والحاجة إلى حشد مجموعة من الدول ذات التفكير المماثل التي تستطيع العمل كشركاءٍ فعليين ضد المتشددين الذين ينشطون في أنحاء المنطقة.
خلقت الحرب الأهلية السورية، التي دخلت عامها السادس، ملاذًا آمنا لجماعةٍ إرهابية استهدفت بصورةٍ متكررة أهدافًا ناعمة في تركيا بالإضافة إلى مدنٍ أخرى في أوروبا. غمرت الحرب أيضًا تركيا وبلدانًا أخرى في أوروبا والشرق الأوسط بمئات الآلاف من السوريين النازحين.
في ذات الوقت، تخلصت إيران من أعوامٍ من العقوبات الاقتصادية والعزلة الدولية -إلى حدٍ كبير بفضل اتفاقٍ نووي أبرمته مع إدارة أوباما- وتحاول استعادة زعامتها الإقليمية عبر مواجهة السعودية، حاملةً لواء الإسلام السني. دعمت طهران بنشاط نظام بشار الأسد في الحرب السورية وتدعم جماعات في اليمن تحارب ضد السعوديين. في نفس الوقت، تعمل إيران على قدمٍ وساق على إعادة صناعة النفط بها إلى أيام المجد، حيث قامت بزيادة الإنتاج والصادرات في تحدٍ مفتوح للسعوديين على زعامة منظمة أوبك.
"دافع تركيا الرئيسي للتصالح هو الحاجة إلى احتواء توسع الهيمنة الإيرانية في الشرق الأوسط"، قال مايكل تانشم، وهو خبيرٌ في الطاقة والجغرافيا السياسية في المنطقة.
لكن لدى تركيا أيضًا بعض الأسباب الداخلية لإصلاح ذات البين مع موسكو. واجه أردوغان، الذي يطمح لأن يصبح قائدًا قوميًا قويًا، صعوباتٍ في الحصول على 50% من الأصوات في أي انتخاباتٍ على مستوى الدولة؛ يتطلب اعتماد أوراقه كرجلٍ قوي هزيمة الجماعات الإرهابية بالداخل والخارج التي سببت دمارًا في تركيا في الأعوام الأخيرة، وهما تنظيم الدولة الإسلامية (المعروف أيضًا باسم داعش) والمسلحون الأكراد المعروفون باسم حزب العمال الكردستاني.
اقرأ/ي أيضًا: ماهي تأثيرات خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي؟
لم تزد مشكلة أنقرة الكردية التي استمرت لعقود إلا سوءًا بسبب الحرب الأهلية السورية والخلاف الذي استمر لسبعة شهور مع روسيا. تسلح روسيا بعض الجماعات المسلحة الكردية التي تحارب في سوريا، ويشعر الكثيرون في تركيا بأن حزب العمال الكردستاني، والذي له أصولٌ ماركسية، قد يصبح وكيلٌ روسي، ما سيجعل من الأصعب القضاء عليه بالداخل.
"أرادت تركيا فك الارتباط بين الأكراد وروسيا، ولفعل ذلك، فقد احتاجوا إلى التصالح مع روسيا"، قال كاجابتاي.
والآن، أصبح تنظيم الدولة الإسلامية أولوية أكبر بكثير بالنسبة لتركيا، بعد سنواتٍ من الجهود الفاترة لمحاربة التنظيم. نفذ الإرهابيون أكثر من دزينة هجمات في تركيا، أحدثها هو التفجير الانتحاري الثلاثي هذا الأسبوع في مطار اسطنبول الرئيسي، والذي قال مسؤولون روس إن الذي نفذه أشخاص من روسيا وأوزبكستان وقرغيزستان. يضم التنظيم آلاف المجندين من روسيا ودول الاتحاد السوفيتي السابق، ويشير الخبراء إلى أن ما تدعى بـ"الكتيبة الأوزبكية" هي إحدى أشرس المجموعات القتالية لديه.
عقب إسقاط الطائرة الروسية، وتركيا ممنوعة من القيام بعملياتٍ عسكرية في شمال سوريا، ما يجعل من الأصعب على أنقرة التصدي لداعش في منبعه
المشكلة هي أنه منذ نوفمبر الماضي، عقب إسقاط الطائرة الروسية، وتركيا ممنوعة من القيام بعملياتٍ عسكرية في شمال سوريا، ما يجعل من الأصعب على أنقرة التصدي لتنظيم الدولة الإسلامية في منبعه.
"إذا كان أردوغان الآن يرغب في ملاحقة البنية التحتية لداعش في سوريا، فإنه يحتاج إلى مباركة روسيا، لذا فهذا يجعل المصالحة التركية الروسية أكثر حتمية"، قال كاجابتاي.
السؤال هو ما إذا كانت العلاقات الأكثر دفئًا بين أنقرة وموسكو ستكون كافية لإعادة إحياء اتفاقات الطاقة الضخمة التي كانت مسمار عجلة الشراكة الاستراتيجية التي أعلنها البلدان في أواخر 2014. تضمن هذا خط أنابيب ضخم لتصدير الغاز الطبيعي، يدعى "تركيش ستريم"، من روسيا عبر البحر الأسود إلى تركيا. يعمل البلدان أيضًا على محطة طاقة نووية روسية الصنع بتكلفة 20 مليار دولار، والتي تعد الأولى لتركيا وسوف تساعد في تلبية الطلب المتزايد على الكهرباء.
"تحتاج روسيا إلى الانتهاء من إنشاء محطة أكويو للطاقة كاستعراضٍ للحفاظ على حصتها من السوق العالمية للتكنولوجيا النووية السلمية في مواجهة زيادة المنافسة الصينية"، قال تانشم. أبرمت شركة الطاقة النووية الروسية المملوكة للدولة، روساتوم، الكثير من الصفقات في جميع أنحاء العالم، من المجر إلى الأردن إلى فيتنام، لكنها واجهت صعوبة في بناء محطات الطاقة باهظة الثمن بالفعل. في تلك الأثناء، تبني الصين محطات طاقة نووية بالداخل أكثر من أي بلدٍ آخر وتتطلع بحماسٍ إلى سوق التصدير.
مستقبل التعاون الروسي التركي في مجال الغاز أكثر تعقيدًا بقدرٍ ما بدا أن من المقدر لتركيش ستريم أن يغذي فقط السوق التركي، بدلًا من أن يخدم -كما كانت روسيا تأمل- كممر تصدير للسوق الأوروبي الأوسع. لكن تركيا حاولت أيضًا تقليص اعتمادها الشديد على الطاقة الروسية، خاصةً الغاز الطبيعي.
هذا هو أحد أسباب التقارب هذا الأسبوع مع إسرائيل والذي أنعش الآمال حول المنطقة: تبحث إسرائيل عن مشترين لغازها من حقول الغاز البحرية الضخمة المملوكة لها، وقد أكد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو على الدور الذي يمكن لصادرات الطاقة الإسرائيلية أن تلعبه في ترسيخ السلام الإقليمي، خاصةً مع تركيا.
"أعتقد أن تركيا قد تعلمت درسًا من الاعتماد الزائد على الطاقة الروسية"، قال كاجابتاي.
اقرأ/ي أيضًا: