الطّاهر العيّاري، شكري بلعيد، محمّد البراهمي، مبروك السلطاني وغيرهم وأخيرًا، رجالات الأمن الرئاسي الذين فجّرت حافلتهم واستشهد على إثرها اثنا عشر أمنيًا ممّن طالتهم أيادي الإرهاب الغاشم، ذلك الزائر الثقيل الذي حلّ على تونس، وزرع اليأس والرعب في قلوب مواطنين آمنوا بأنّ ثورتهم ألهمت العالم وهي عملة يمكن الاستثمار فيها لسنوات قادمة.
يتعلل البعض بالإرهاب للدعوة إلى التضييق على الحريات في تونس
"شغل، حريّة، كرامة وطنيّة"، كلها شعارات الثورة التونسية، التي أرست دستورًا نصّ على الحريّة وضمن الحقوق الأساسيّة للمواطن التونسي، واستشهد من أجلها مئات التونسيّين منذ سبعينيات القرن الماضي إلاّ أنّ الإرهاب أصبح الدافع الرئيس للدعوة إلى التضييق على الحريّات، تلك التي دفعنا ثمنها من دمائنا وأعمارنا.
رغم كل هذا، لن نسقط لأنّنا ألهمنا العالم بثورة سلميّة أزالت طاغية لم يكن لأحد أن يتصوّر زواله وكتبنا دستورًا جعل من الحريّة والكرامة شرطًا أساسيًا لبناء الجمهورية. لن نسقط لأنّ أعداء الحريّة مهما كانت انتماءاتهم هم حلفاء للإرهاب. فتلك الجماعات تريد فرض أفكارها بالقوّة كما يستعمل أعداء الحريّة أدوات التخويف ثم معادلات الأمن مقابل الحريّة.
تستند التجاوزات الأمنية مؤخرًا إلى الوضع الدقيق والحسّاس الذي تمرّ به البلاد وخاصّة المقارنات التي يستعملها بعض من ينسبون للنخبة، هؤلاء الذين درسوا في الجامعات الفرنسية وتغنوا بالديمقراطية الغربية ومقولات الحداثة، وفي نفس الوقت لا يفوتون فرصة للتأكيد بأننا تونسيّون أي "عالم ثالث"، لا يمكننا أن نكون ديمقراطيين ولا أحرار دون المرور عبر مراحل التطعيم والترشيد الآتية من وراء البحار.
شهداؤنا يرتقون في كل عمليّة إرهابية في انتظار ارتقاء الطبقة السياسيّة عبر الدعوة للوحدة الوطنيّة وتكاتف الجهود، لا أقول هذا بغية مقاومة آفة الإرهاب وإنما للتفكير في حل جذري عمليّ نابع عن عمق تفكير وخاصّة ألَّا يكون من بين حلول مقاومة الإرهاب سجن عشرة مليون مواطن في وطن من أجل القضاء على عشرات يسكنون الجبال.
لن نسقط إذا ما ألغينا الشعارات الرنانة التي ترفع بعد كل عمليّة إرهابيّة هنا وهناك وإذا لم نتغافل عن حلول اقتصادية وثقافية واجتماعية ودينيّة وجب العمل عليها وقد تكون هذه الحادثة فرصة لكي لا نسقط من جديد..
اقرأ/ي أيضًا: