حقاً، ماذا كان سيحصل لو أن عمران الحلبي مات ولم تسعفه الحياة؟ ماذا لو أن عمران الحلبي تقطع كما كل الأطفال الشهداء في سوريا وتناثر قطعًا صغيرة تحت الجدران المهشّمة؟
ماذا لو أن عمران مات ككل الأطفال المغمورين بالتراب ولم يستطع أحد سحبه إلا قطعتين، واستطاع المصور التقاط صورة لقدمه من تحت الأنقاض أو بقايا رأسه المهشم. هل كان سينتبه له أحد، وكان سيبكى عليه العالم، وكيف كان سيكون رد فعل مذيعة الـcnn الشقراء؟
في حلب تموت الأحياء وفقًا لـ(خبط عشواء)، منايا توزع على الموتى المفترضين، ولهذا ينتظر الجميع الموت بأشكال مختلفة حسب الأسلحة التي ستسقط على الرؤوس ليلاً ونهاراً
في حلب تموت الأحياء وفقًا لـ(خبط عشواء)، منايا توزع على الموتى المفترضين، ولهذا ينتظر الجميع الموت بأشكال مختلفة حسب الأسلحة التي ستسقط على الرؤوس ليلًا ونهارًا، ومن أجل كل هذا القدر المتوقع يعيش الناس حياتهم العادية دون وجل، فقط ما يؤلم هو أن تفقد عزيزًا وتبقى على قيد الحياة.
لهذا لو مات عمران لكان أمرًا عاديًا في مدينة تحتضر، وتنتظر موتها كل دقيقة، لكن عمران نجا بأعجوبة الموت المؤجل، موت عل هيئة الصدمة، الصعقة كانت ملامح الولد الخارج من قبره كمن يبحث عن عمره الذي نجا من النهاية المتوقعة.
اقرأ/ي أيضًا: حلب..تصعيد جديد أم وقف لإطلاق النار؟
كل الدمع على عمران نفاق عالمي ومحلي وثوري، لا شك أن صدمة الطفل مؤثرة حتى الوجع، ولكن عشرات آلاف الأطفال ماتوا في سورية دون أن يرف جفن لهذا العالم المعتوه، ودون أن تنزل دمعة على أطفال ذبحوا بالسكاكين السوداء، ولا على الموت الفاجع لأطفال في البر، وغرقى منفوخين بالماء وسط البحار المظلمة.
الصور التي يمررها العالم على وسائل الإعلام ليست سوى محاولة للغفران، لشفاء الضمير الذي تحول لمجرد رثاء عابر على الفيسبوك أو تغريدة زرقاء على تويتر، فيما يعاد وأد السوريين فقط لأنهم أرادوا الصراخ.
لكن على العالم الصامت المندهش أن ينتظر موتًا أقسى، فهذا الموت وباء، وحلب التي تتمرغ اليوم بدم أبنائها ستنقل العدوى إلى المدن التي كانت هانئة مثلها، لأن أطفالًا يولدون في النار، ونبتت النار بين أعضائهم. ألم يقل درويش:
طِفْلٌ يَكْتُبُ فَوْقَ جِدَارْ
طِفْلُ نَبَتَتْ بَيْنَ أَصَابِعِهِ النَّارْ
أيَّتُهَا الخُوذَاتُ البَيْضَاءُ حَذَارْ
مِنْ طِفْلٍ نَبَتَتْ بَيْنَ أَصَابِعِهِ النَّارْ
مِنْ طِفْلٍ يَكْتَبُ فَوْقَ جِدَارْ
يَكْتُبُ بَعْضَ الأَحْجَارْ
وَ بَعْضَ الأشْجَارْ
وَ بَعْضَ الأَشْعَارْ
اقرأ/ي أيضًا: