18-أغسطس-2020

بشار الأسد في البرلمان

لطالما نظر العالم، الغربي خاصة، إلى بشار الأسد على أنه حاكم مقبول وإصلاحي، وقد اعتمد في ذلك على صورة نمطية أشاعها وكرسها هو ذاته تتمثل في أنه شاب، تعلم في الغرب واطلع على أساليبه في الحكم والسلطة، وقد تجاهلت تلك الصورة نسب الفقر التي لم تنفك عن الزيادة ونسب الديمقراطية المنعدمة، وامتنعت عن الاصغاء لصوت السوريين وإرادتهم وتطلعاتهم.

كونه بشار الأسد درس في الغرب وزوجته عاشت هناك يعني أنه اجتاز بنجاح اختبارات الجودة!

اعتمدت تلك الصورة أيضًا على زوجته أسماء الأخرس وقدمتها على أنها شابة كانت تقيم في بريطانيا ومتطبعة بالـ"الطبائع" الغربية، جميلة، أنيقة، ومنفتحة، وأنه لأمر مؤثر أن تكون زوجة رئيس سوريا الشاب بتلك الصفات. كما تمت صناعة عدة أفلام في دوائر غربية عن الرئيس وزوجته، ربما كان آخرها مع مصوري الصحافة البريطانية حيث ظهر الأسد يقود سيارته بنفسه برفقة زوجته لحضور حفل موسيقي في دار الأوبرا، مشيرًا إلى أن سيارته ليست مصفحة كدليل على عدم خشيته من محاولات اغتيال، حيث لا أعداء له في سوريا.

اقرأ/ي أيضًا: بشار الأسد.. استحالة السياسة

تلك الصورة "الباهرة" اعتمدت، لتقديمه كرئيس جيد، على مقياس واحد هو الغرب، فكونه درس في الغرب وزوجته عاشت هناك يعني أنه اجتاز بنجاح اختبارات الجودة! مع كل ذلك العور الذي يعتري تلك الصورة والثقوب الكثيرة في تلك النظرية، إلا أنها سادت الغرب وربما العالم فترة طويلة، وأثرت حتى على السوريين أنفسهم، لكنها سرعان ما ترنحت في بلد المنشأ ذاته مع انطلاقة الثورة السورية وقيام "الطبيب" الذي درس في الغرب بقمعها بوحشية بمساندة زوجته الجميلة المتطبعة بـ"طبائع" الغرب! وتتالت صور الوحشية حتى عمت ولم يعد من الممكن معها رؤية الرئيس وزوجته إلا بوصفهما صورة من صور الطغيان الأشد قبحًا في العالم المعاصر. وأنتجت إحدى القنوات الإعلامية الألمانية فيلما مؤثرًا عن الزوجة بعنوان: "وجه الدكتاتورية الجميل"، وقد عبّر فيه الكثير من السياسيين والديبلوماسيين والصحفيين الغربيين أنهم كانوا مخدوعين بها. كما كشفت الصحافة الغربية والأمريكية والعالمية قيامها بشراء أحذية وملابس ومجوهرات فارهة في الوقت الذي يقوم فيه زوجها بقتل السوريين وتهديم منازلهم وتمويتهم جوعًا عبر حصارهم.

أمام محاولات بوتين وأجهزته تعويم بشار الأسد بعد أن كانت روسيا قد استعادت الكثير من المناطق التي كانت خارج سيطرته وهجرت أهلها ومسلحيها إلى مناطق أخرى، خاصة إلى إدلب، كان لا بد لصورة الوحشية التي عمت دوائر الغرب وجزءًا من العالم أن تتغير، وتعود معها الصورة النمطية الأولى لرئيس وزوجته درسا وأقاما في الغرب وحازا مسبقًا على معايير الجودة.

في هذه الأثناء وعلى نحو مفاجئ للسوريين أعلن النظام في آب/أغسطس 2018 عن مرض أسماء الاسد بالسرطان وتلقيها العلاج الكيماوي. بدا الأمر مفاجئًا، إذ إن السوريين لم يعتادوا سماع أخبار عن مرض أفراد العائلة الحاكمة، فهم لا يمرضون كباقي أفراد البشر! وبعد سنة أعلنت أسماء الأسد بنفسها شفاءها وانتصارها على السرطان. بدا الأمر أشبه بالمعجزة أن تمرض وتشفى وينبت شعرها الذي تساقط بفعل جرعات الكيماوي خلال سنة واحدة، بل أكثر، بدا أنها في صحة ممتازة. الأمر الذي أثار ريبة السوريين، المعارضين خاصة، وواجهوا ذلك المرض بالسخرية وباعتباره بروباغندا لاستجداء التعاطف الدولي وليس الشعبي، إذ إن النظام لم يعبأ يومًا برأي الناس وهمومهم، وأن ذلك محاولة لإحياء الصورة النمطية الأولى لا سيما أن المرض هو ما يهتم العالم لأجله ويقيم الندوات والحوارات والمراكز الصحية والنفسية لمواجهته والتوعية به. لقد اختارت الزوجة مرضًا لطالما شكّل "تريند" عالميًا وحصد تعاطفًا دوليًا مع مصابيه، خاصة أولئك الذين شُفُوا منه بما يحملونه من طاقة إيجابية وإرادة قوية ويكونون مثلًا للاحتذاء.

مرض الأسد، أو زوجته من قبله، صور جديرة بالتصدير، لكن بعد سنوات القتل والتدمير هذه، هل ستجد سوقًا لها؟

بعد عامين في آب/أغسطس 2020  أعلنت وكالة سانا التابعة للنظام في دمشق عن موعد لبث كلمة بشار الأسد أمام أعضاء مجلس الشعب يتخللها هبوط ضغط الرئيس لدقائق ثم عودته لإتمام الكلمة. وتم تداول مقطع الفيديو الذي يعرض دقائق الهبوط المفاجئ للضغط! بدا المشهد جديرًا بتصديره للعالم لاعتبارات عديدة، فقد جاء بعد "انتخابات" أعضاء مجلس الشعب، وجلس الأعضاء مراعين قواعد التباعد الاجتماعي في زمن كورونا، وواضعين الكمامات... أخبرهم رئيسهم بما حصل وطلب سماحهم بالجلوس دقائق والعودة. وقال إن ذلك عائد إلى أنه لم يتناول الطعام منذ يومين، وهكذا.

اقرأ/ي أيضًا: خطاب بشار الأسد... النور ضد العتمة

هي صورة معدة للتصدير بشكل جيد بصرف النظر عن مرضه فعليًا أم لا، فهذا تفصيل ثانوي. منذ وصول عائلة الأسد إلى السلطة لم يتم الاعلان ولا مرة عن مرض الرئيس، وقد تكون هذه هي المرة الأولى التي يمرض فيها أمام الكاميرا مباشرة ويشرح ما حصل، بل ويبث فيديو المرض. بدا أنه يمنن بمرضه هذا الناس، ويمننهم بإعلان المرض، ويمننهم بأنه لم يأكل منذ يومين، بعبارة أخرى بدا أنه يمنن الناس بأنه يمرض مثلهم، وبدا أنه يمننهم أنهم سبب ذلك، فلولا سهره لأجل قضاياهم وهمومهم  لما مرض.

صورة جديرة بالتصدير، لكن بعد سنوات القتل والتدمير هذه، هل ستجد سوقًا لها؟ 

اقرأ/ي أيضًا:

سيدة الياسمين أم سيدة الجحيم؟

أسماء الأسد.. "سيدة الجحيم الأولى" التي خدعت العالم الغربي