لم يعد أحمد (24 عامًا)، يطيق العيش بعيدًا عن بيته الكائن في إحدى قرى محافظة الجيزة. ثمة ظروف أجبرته على مغادرة البيت هو وأسرته المكونة من 6 أشخاص. كان أحمد من أولئك الشباب الذين اعتادوا السهر مع أصدقائهم فوق سطح منزله، أو خارجه، كان يعود إلى البيت وقتما تحلوا له العودة، ليس هناك ما يمنعه أو يؤرق نومه في ذلك البيت الهادئ. بيد أن الحياة لا تسير على وتيرة واحدة، فبين ليلة وضحاها وجد أحمد نفسه مطلوبًا على ذمة قضية حرق سيارات شرطة، والانتماء إلى جماعة محظورة.
سبقت ذلك مداهمات أمنية في ساعات متأخرة من الليل لمنزله، علم الشاب الذي تخرج حديثًا من كلية التجارة، أن البيت لم يعد مكانًا آمنًا، فارتحل. وأحمد واحد من ضمن الالآف المطلوبين أمنيًا على ذمة قضايا تكدير السلم العام، والانتماء لجماعة إرهابية، من خلال تعطيل الطرق وحرق سيارات الشرطة، رغم أنه كما أكد لـ"ألترا صوت"، امتنع عن النزول إلى المظاهرات من زمن بعيد، لكن لا يزال اسمه موجودًا في محضر ضبط وإحضار.
عملت الأجهزة الأمنية المصرية على تطويق وتحجيم حركة الإخوان المسلمين وأنصارهم والمتعاطفين معهم، ودفع ذلك كثيرين إلى ترك منازلهم
وعقب إطاحة الجيش بالرئيس الأسبق محمد مرسي، توسعت دائرة الاشتباه لدى الأجهزة الأمنية، التي عملت على تطويق وتحجيم حركة الإخوان المسلمين وأنصارهم والمتعاطفين معهم، ما دفع ذلك إلى ترك العديد منهم منازلهم، والعيش في قرى وأحياء نائية تجنبًا للقبضة الأمنية.
نعود إلى أحمد الذي قرر الرحيل من بيته برفقة أسرته رغمًا عنهم، والسكن في شقة بمنطقة نائية لا يعرفه فيها أحد، لم يذكر المنطقة لدواع أمنية، يقول "أعيش في جو مشبع بالرعب، وسط جيران لا أعرفهم ولا يعرفونني، لم أتعود على أن أعيش في شقة بالإيجار، تحت سلطة صاحب العقار". ويضيف "أعيش مغتربًا في بلدي"، ومن هنا تبدأ معاناة الشاب الذي قرر تأجيل خِطبة الزواج للظروف الأمنية المحيطة به.
بعد أن يعود من عمله ليلًا، يتلفت حوله، يتحسس الناس، يحاول أن يحث الخطى خوفًا من أعين المراقبين، يسير في طريق لا يعرفه أحد، ولايعرفه فيه أحد. يقول"نعيش داخل البيت دون حرية، لا ترتفع أصواتنا، لا نرفع صوت التلفاز، نتجنب المشاكل مع الجيران، حتى لا يشي بنا أحد".
في أجواء لا تختلف كثيرًا، يعيش حسام (20 عام) حالة من العزلة التامة والتهجير، كما يحب أن يصف الأمر. يقول "سافر أبي ومعه أمي وإخوتي إلى السعودية حيث عمل والدي هناك، وأيضًا للعيش في أجواء أكثر هدوءا وطمأنينة من مصر، لم أستطع السفر لعدم أدائي الخدمة العسكرية التي تسمح لي بالسفر للخارج".
لا يستطيع حسام العيش في منزله الذي عرفت طريقه قوات الأمن، فالشاب الذي لم يبدأ المرحلة الجامعية بعد، يتنقل ليلًا إلى شقة نائية تبعد عن مسقط رأسه نحو 200 كيلو متر. يقول "أعيش في شقة خالية من المفروشات، أنام فقط على الحصير، فهذا المكان بالنسبة لي للنوم فقط، تكلفني أجرة الشقة نحو ألف جنيهٍ شهريًا.
وليس بعيدا عن واقع الحال أعلاه، هناك إسلام صلاح، الطالب بكلية الهندسة جامعة عين شمس، الذي تم اعتقاله مباشرة عقب خروجه من لجنة امتحان آخر العام، لتُعلن بعد وزارة الداخلية مقتله في تبادل لإطلاق النار بعد مداهمة وكر كان صلاح يختبئ فيه بالتجمع الخامس.
وأعربت دوائر حقوقية عن قلقها إزاء تدهور حقوق الإنسان في مصر، إلى حد وصل لتصفية المشتبه بهم في منازلهم دون إجراء تحقيقات رسمية تثبت تورطهم في ارتكاب جرائم مخالفة للقانون. ونددت منظمة "هيومن رايتس مونيتور" بما "تنتهجه السلطات المصرية من استهدافٍ للمعارضين، إما بالتصفية الجسدية المباشرة والقتل خارج إطار القانون الممارس من قبل رجال الشرطة المصرية، أو بأحكام القضاء المسيسة بالإعدام التي تصدر بحق المعارضين.