في وقت لا منتصر فيه قضت المحكمة برئاسة المستشار معتز خفاجي ببراءة سيد مشاغب كابو مجموعة أولتراس وايت نايتس من تهمة موجهة إليه بمحاولة اغتيال مرتضى منصور، ليتبقى له قضيتان هما أقل "تستيفًا" من التي برأته فيها. كتبت له البراءة في القضايا التي كان مرتضى منصور خصمًا له فيها. بعدما هيأ الأخير الرأى العام لاستقبال حكم عقابي كبير يلحق بالمشاغب. مرتضى الذي يحارب أعداءه باختلاقه للأزمات بينهم ومن ثم تهديدهم بالحبس بقوة القانون لإرغامهم على الاعتذار في مقاطع مصورة أمام الجميع لا لشيء، فقط لسد عقدة نقص من قاضٍ أُحيل للخروج من الخدمة. فبات يهدد الجميع بأخلاق القانون وثغراته.
رفض سيد مشاغب الاعتذار وكل العروض بالمصالحة مع مرتضى الذي قد يتنازل عن أى عداء مقابل الاعتذار أمام الجميع لرد اعتباره
لم يدر بخلد القاضي المعزول بعد انتصاره في كل معاركه أن هناك من يستخف به وسيواجهه للنهاية في بلد اقتصر فيه الاستخفاف به على الجلسات المغلقة. إلا أن سيد مشاغب كانت له كل تلك المعارك مجرد "نمرة" وحيث أنه يهوى في حياته الخاصة مجالسة "النمر" فما كان منه إلا أنه نزل للعب بنفس الخفة أمام من تسلح بكل منابر الدولة والإعلام.
بدأت المعركة عندما أتى مرتضى منصور بانتخابات عمومية رئيسًا لنادي الزمالك. ولم يتخذ حينها سيد أى موقف رغم علمه بأن محب الشو قد أتى ليستعيد مكانته كأحد رجال الدولة بعدما تهاوى وسقط بعد ثورة يناير حيث خمد نجمه تمامًا الأمر الذي دفعه للظهور في الشاشات ليؤيد ثورة يناير تارة ويؤيد الإخوان تارة ويدافع عن مبارك تارة ويقدم برنامجًا على الفراعين قناة عكاشة كمنولوجيست يقدم الفقرات الضاحكة التي يقدم فيها قدرته على أن يكون مختلًا في قناة اهتمت بذوق المشاهد المختل. فما كان منه إلا أنه يقدم نفسه مجددًا كطرح لرجال الدولة ليقضي على ظاهرة الأولتراس. في دور كثيرًا ما أداه لكل من سبب الأرق للحكومات المصرية في نظام مبارك.
وبمجرد تقلده مقاليد الأمور في نادي الزمالك خرج ليعلن الحرب على الجماهير ويهددهم بالقتل والتمثيل على بوابات النادي. جنبًا إلى جنب مع تدعيم الفرق بالنادي بما تحتاجه ليستطيع الفصل بين جماهير النادي وبين مجموعة الأولتراس. في تقليد شهير لديناصورات النظام المصري عندما يحاولون التفرقة في المعاملة بين عوام الشعب وبين مناضليه.
استغل مرتضى كل وسائل الإعلام في شيطنة سيد مشاغب وأصدقائه. في الوقت الذي ظلت كل المنابر -وهنا أقصد جميعها بالفعل، كل من حاول الظهور بشكل موالٍ للدولة أو بشكل موالٍ للحريات- صامتة ورافضة لأن تعرض الرواية الأخرى من الحدث، ضاربة بكل قواعد المهنية والأخلاق والشرف عرض الحائط. وكان الرد دائمًا في المراسلات الخاصة بأنهم يخشون مواجهته ولا يعتزمون الدخول في معركة معه. حتى من كان لديهم أزمة مع مرتضى وتجاذبوا التصريحات العدائية معه، حتى هؤلاء خافوا من مجرد عرض الرواية الأخرى.
ليستغل مرتضى ذلك ويقوم بتوجيه اللوم لقيادات الداخلية بأنهم لم يستطيعوا الإمساك بسيد وأصدقائه وليخرج مجددًا في الشاشات ليحرضهم على الفتك بهم عشية تظاهرة كان نظمها سيد وأصدقاؤه وأهالي المعتقلين من مجموعتهم للمطالبة بالحرية لهم. وليهدد مرتضى الأهالي في الشاشات حال نزول أبنائهم للتظاهرة. وليتحدى مشاغب بنزوله للتظاهرة للقضاء عليه. لتتحول شبرا في اليوم التالي لثكنة عسكرية مدججة بالأسلحة النارية. لينزل المشاغب وأصدقاؤه وتتعرض التظاهرة للفض قبل بدئها لتتحول شبرا لمعركة طيلة ثلاث ساعات وقع ضحيتها 103 معتقل من أصدقاء المشاغب. الذي كان آخر من رحل عن المعركة.
ليخرج مرتضى بعد عدة أيام بتمثيلية مكررة منه بمحاولة اغتياله، قامت على إثرها الداخلية باعتقال العديد من الشباب وأهاليهم لإجبارهم على اعترافات لم يقوموا بها. أيام قاسية واجهها سيد مشاغب وأصدقاؤه بضحكة عارمة. فما كان الرد منهم على الاتهام إلا إلقاءه بكيس البول وبقفا موجه من كل أعضاء المجموعة. لإرسال رسالة بأنه من يستطيع إهانتك من أمتار قليلة يستطيع الوصول لك من مسافة بعيدة. ولكن القتل ليس منهجهم. فقط اللعب واللهو.
ينتشر المقطع المصور الكوميدي لرجل اعتاد التهديد والتشهير بمقاطع مدمجة. فثارت ثورته ويعتلي كل المنافذ الإعلامية للتشهير بصور سيد وأصدقائه وتهديد من يغيبون في منازلهم آخر الليل وكل من يعرفهم بالحبس خمسة عشرة سنة وكأنه يصرفهم من وديعته القضائية. ثورة القاضي المعزول الذي لم يستطع استيعاب خروجه من الخدمة يومًا واحدًا.
لم تتورع الدولة بأن تسلم تصرفاتها لرئيس ناد معروف تهوره. فما كان منه إلا أنه دبر مكيدة للشباب عندما فتح لهم أبواب النادي بعد غلقها لشهور طويلة. كانت تمرينة استعداد لمباراة الأهلي. فتح الأبواب ووقف المخبرون على البوابات لاصطياد مشاغب وأصدقائه. إلا أنهم فوجئوا بهم وسط الجماهير يقودون الهتاف للاعبين تحميسًا لهم. لا يخشون شيئًا في حب الزمالك. حينها ذهب مرتضى أسفل أرجلهم بعلم الزمالك الصغير، قبل أن يشير لهم على خطوط "بلوفر أوف وايت" وكأنه يشير على ردائه الأبيض كحال اللاعبين عندما يريدون إثبات ولائهم للجماهير.
لكن المكيدة الأكبر، كانت بعدها بعشرة أيام،حيث فتحت أبواب الاستاد للمرة الأولى للجماهير لحضور مباراة الزمالك وإنبي كبداية لعودة الجماهير. ولأن سيد وأصدقاءه لا يمنعهم شيء عن الزمالك. ذهبوا ليجدوا الداخلية قد أعدت قفصًا حديديًا، للمرة الأولى في تاريخ ملاعب الكرة في مصر وخارجها، ليمر منه الجماهير. كانت تلك هى الهدية التي أهداها مرتضى للشباب وصرح بإعداده لهدية غامضة لهم عشيتها في وسائل الإعلام. وكانت مجزرة الدفاع الجوي.
سيد مشاغب وأصدقاؤه كانوا خارجين عن قواعد اللعبة. فهم من اعتادوا رسم طريقهم ولم ينشغلوا بواقع الآخرين. ليسطر مشاغب تاريخًا جديدًا للمعتقلين
وبعدة عدة أيام خرج النائب العام المصري السابق ليعلن أن سيد مشاغب وأصدقاءه هم من افتعلوا الأزمة بالاتفاق مع الإخوان كطرف ثالث شريك أساسي في الأحداث. وأصدر ضدهم أوامر بالضبط والإحضار عقابًا لهم على قتل إخوتهم. بعد القبض على سيد لم ينته فجرهم. بل ظلوا لثلاثة وخمسين يومًا يعذبونه مقيدين معصمه بحديد نافذة الزنزانة لإجباره على الاعتراف بكل شيء يريدونه. لكن فاتهم أن سيد مشاغب ليس مثل من يواجهونهم على الشبكات الاجتماعية والإعلام، فهو لن يختفي حين المواجهة الحقيقية. فواجه وصمد في وقت لا منتصر فيه ورفض رغم أن كل ما أرادوه منه الاعتراف به. فقط ليظل سيد مشاغب هو المشاغب الذي "رازاهم" للنهاية.
وفي المحاكم أعدت له العديد من القضايا. وأرسل مرتضى العديد من المراسيل لوعد مشاغب بالحرية شريطة الاعتذار أمام الجميع في ساحة المحكمة. فما كان منه إلا أن أخبرهم بأن يرسلوا تحيات المشاغب الجريئة لمفاتن أمه. رفض المشاغب الاعتذار وكل العروض بالمصالحة. فمرتضى قد يتنازل عن أى عداء مقابل الاعتذار أمام الجميع بحثًا عن كأس التميز لرد الاعتبار.
وفي الجلسات المتتالية ذهب مرتضى ليهدد سيد بنفسه أمام القضاء. وليقف أمام والد سيد ليهتف فيه "ابنك ضيع جيل كامل" فما كان من والد سيد إلا أن أخبر القاضي: "هو كدة دايمًا كل حاجة يقول سيد مشاغب، لو فتح الحنفية هينزله سيد مشاغب" لينظر القاضي لسيد ليسمع قوله ليخبره الأخير: "هو حضرتك كدة من ساعة القفا، كل حاجة سيد مشاغب" ليعلم القاضي ما بنفس الشاب. ليبرئه بعدها بشهور طويلة -منذ أيام- في محاولة الاغتيال. لتسقط كل الأساطير التي نسجها النائب الحالي بالبرلمان المصري. ليفوز فرد واحد على مرتضى وإعلامه والداخلية.
إن ما حدث بين مرتضى والمشاغب هى سنن الحرب المعروفة بين الطغاة والأحرار. فكل ما فعله مرتضى وإعلامه وداخليته كان طبيعيًا للغاية. كل هذا الظلم كان طبيعيًا في بلد اعتادت الدماء. إلا أن المشاغب وأصدقاءه كانوا خارجين عن قواعد اللعبة. فهم من اعتادوا رسم طريقهم ولم ينشغلوا بواقع الآخرين. ليسطر مشاغب تاريخًا جديدًا للمعتقلين وليعيد أمجاد البطولات الشعبية مرة أخرى. فمشاغب هو لاعب الزمالك الصغير الذي أبعده والده عن الكرة. ليستكمل رحلته مع ناديه في صفوف الجماهير كقائد لهم. ولكانت حياته دائمًا بين الرجال الكبار في الأحياء الشعبية. يبجلونه ويعشقون جلساته. يعرفونه ويعرفون الحق. ليكتب في النهاية وبعد سنوات عديدة، نصر جديد للحريف. ليثبت بأن الصعاليك لا يعيقهم عن النصر على الأوغاد إلا نفوسهم. فدائمًا ما وقف الرجال الأشداء المتباهين بصياعتهم فئرانًا في ساحات المحاكم راغبين في الاعتذار. أما المشاغب فلا. وتلك آثار أن يمتلك الصعاليك بعض المبادئ التي يتمسكون بها مهما فعلت بهم الأيام. ربما لم يمتلك الحظ على المشاغب "جِميل". ولكن لسيد مشاغب "جِميل" كبير على الحرية في هذا البلد.
اقرأ/ي أيضًا: