28-أبريل-2016

يعاني الشباب المصري من انفصال سوق العمل عن الواقع الأكاديمي (ماركو دي لورو/Getty)

انتشرت منذ فترة على فيسبوك صفحة عنوانها "صور نفسك وأنت تعمل"، "الصفحة كانت كارثية" بكل ما تحمله الكلمة من معنى، لأنها كشفت إلى حد كبير عن انفصال سوق العمل عن الواقع الأكاديمي في مصر، الأمر قديم ولا جديد فيه خصوصًا في بلد بحجم مصر تترهل فيه الدولة منذ الستينيات، وتتوقف فيه جهة مهمة مثل القوى العاملة عن توزيع طالبي العمل على تخصصات تناسبهم حتى أصبحت الجهة بكل موظفيها عبءًا على الدولة.

هناك انفصال كبير بين سوق العمل والواقع الأكاديمي في مصر

أحد الشباب صور نفسه وهو يعمل داخل محل لصناعة الأحذية، الشاب خريج كلية الهندسة، ويقول إنه لم يجد عملًا لذلك كان من المناسب له ولأسرته أن يعمل في هذا المجال وسرعان ما اندمج فيه حتى تمنى أن يكبر مشروعه. شاب آخر من خريجي كلية التجارة صور نفسه وهو داخل "استراحة" في الطريق الصحراوي وكلمة "استراحة"، تعني كافيتيريا ومطبخ صغير يخدم المسافرين على الطريق الصحراوي.

اقرأ/ي أيضًا: القمع الوظيفي في مصر

شاب من خريجي كلية الحقوق صور نفسه وهو يبيع الكتب القديمة على الرصيف معلقًا تحت الصورة: "أنا خريج كلية الحقوق بتقدير جيد جدًا"، وهذا لمن لا يعرف أمر مثير للحزن لأن كلية الحقوق كلية صعبة وشاقة. وآخر كتب تحت صورته أنه تخرج من كلية الهندسة ويعمل في مجال بيع الملابس منذ عشر سنوات وشعار الجميع "الشغل مش عيب".

التخصصات العلمية.. أرض التيه!

عادل عماد، خريج كلية العلوم ويعمل مندوب تسويق بإحدى شركات الأدوية، يقول: "في الخارج يحظى خريج كلية العلوم باهتمام شديد ويعتمد عليه في تحقيق نهضة علمية وتكنولوجية بعد منحه الفرصة لتلقي الدورات والدراسات في أحدث المعامل المجهزة تكنولوجيًا، أما في مصر فنحن ننظر إلى خريج كليات العلوم بأن أقصى طموحاته أن يصبح مدرس كيمياء في إحدى المدارس أو في أحد مصانع الحديد أو شركات البترول إذا كانت لديه الواسطة الكافية لتحقيق ذلك طبعًا".

المراكز البحثية في مصر محدودة للغاية ولا تستوعب الكم الكبير من الشباب الخريجين للعمل بها، بالإضافة إلى ضعف المقابل المادي في مقابل الارتفاع الرهيب في تكاليف الحياة في مصر، فالأمر تجاوز فكرة العمل في التخصص إلى العمل بمهنة واثنين وأحيانًا ثلاثة، لا علاقة لها ببعضها البعض والغاية توفير الحد الأدنى من المتطلبات المعيشية.

البطالة في مصر.. معدلات قياسية

13.4 % وفقًا للأرقام الرسمية، هي نسبة البطالة في مصر

اقرأ/ي أيضًا: عن مجانية التعليم في مصر وعوالم موازية

13.4 % وفقًا للأرقام الرسمية، هي نسبة البطالة في مصر، وترتفع إلى حدود الـ30%  بين الشباب دون سن الثلاثين وهي إحصائية حديثة صدرت عام 2015. الجديد هو ضعف الإقبال على دراسة التخصصات العلمية أصلًا لارتفاع مصروفاتها التي تغيب الدولة عن دعمها، ولصعوبة العمل بها بعد التخرج، حتى أصبحت القاعدة العامة هي ارتفاع نسبة المنتسبين إلى تخصصات غير علمية.

في نفس السياق كشف التقرير الأول لمؤشرات العلوم والتكنولوجيا لعام 2014، الذي أطلقه المرصد المصري للعلوم والتكنولوجيا والابتكار (ESTIO) التابع لأكاديمية البحث العلمي والتكنولوجيا، أن عدد الباحثين في الجامعات أكبر من عددهم في مراكز البحوث بحوالي ثلاثة أضعاف. وهذه المعلومة تؤكد أن معظم هؤلاء الباحثين يستخدمون أبحاثهم لتدعيم سجلهم الوظيفي في مشاريع هجرة للهروب من البيئة الطاردة للعمل في مصر.

وفي دراسة نشرتها جريدة الشروق المصرية، أشارت إلى أن هناك أكثر من 86 ألف عالم مصري يعيشون في الخارج في ظروف ممتازة وفي أجواء تساعد على تطوير حياتهم المهنية و أبحاثهم. أما حملة الماجستير والدكتوراه في مصر فهم في صراع ضد تجاهل الدولة حيث قضى حملة الماجستير والدكتوراه 6 أشهر ما بين سلالم "الصحفيين" ومجلس الوزراء والتنظيم والإدارة وأخيرًا التحرير في 27 وقفة احتجاجية، وانتهى الحال بوجود قرارات بتعيينهم ولكنها، كالعادة، دون تنفيذ.

خلاصة الأمر أن العمل في مصر في حد ذاته نوع من العذاب اليومي ليس فقط لظروف المواصلات العامة وحالة الطرقات وغيره الكثير، بل نظرًا لاتساع تحجيم الطموح من خلال العمل في مهن لا علاقة لها بالتخصصات، واستمرار الجامعات في تخريج عدد كبير من الطلبة دون الالتفات إلى حاجة سوق العمل لهم، وهي مشكلة قديمة تتجدد تحت وطأة الأزمة الاقتصادية الشاملة التي تمر بها مصر.

اقرأ/ي أيضًا:

قانون الخدمة المدنية يثير غضب عمال مصر

تخفيض سنوات دراسة الهندسة.. حقيقة مصرية تائهة!