06-مايو-2024
ما تشهده الجامعات الأميركية غير مسبوق منذ حرب فيتنام (Reuters)

(رويترز) ما تشهده الجامعات الأميركية غير مسبوق منذ حرب فيتنام

وسط توسع دائرة الاحتجاجات التي تشهدها الجامعات الأميركية، المطالبة بوقف العدوان الإسرائيلي على غزة، تتبادر إلى الأذهان الحركة المناهضة لحرب فيتنام.

فقد رأى السيناتور الأميركي بيرني ساندرز، خلال مقابلة مع شبكة "سي إن إن"، أن انتفاضة الطلاب في الجامعات الأميركية المناهضة للحرب على غزة يمكن أن تكون لحظة "فيتنام بايدن".

وحذّر ساندرز من أن موقف بايدن من العدوان الإسرائيلي على غزة ربما ينفّر الناخبين الشباب منه. وعقد ساندرز مقارنة بين الاحتجاجات الحالية ضد الحرب، وتلك التي وقعت خلال رئاسة ليندون جونسون في أواخر ستينيات القرن العشرين عندما احتج الطلاب الأميركيون ضد حرب فيتنام.

انتفاضة الطلاب في الجامعات الأميركية المناهضة للحرب على غزة يمكن أن تكون لحظة "فيتنام بايدن"

مشيرًا إلى قرار الرئيس السابق ليندون جونسون بعدم الترشح في عام 1968 وسط غضب متزايد من الحرب في فيتنام.

انقسامات داخل الحزب الديمقراطي

كما كانت الانقسامات حادة وقت حرب فيتنام، يحدث الأمر خلال الحرب الحالية، فقد عبر بيرني ساندرز عن شعوره "بقلق شديد من أن الرئيس بايدن يضع نفسه في موقف لم ينفر فيه الشباب فحسب، بل الكثير من القاعدة الديمقراطية فيما يتعلق بآرائه حول إسرائيل وهذه الحرب".

وشدد السيناتور ساندرز على الحاجة إلى تذكر سبب تظاهر الطلاب بهذه الأعداد الهائلة، قائلًا: "إنهم هناك ليس لأنهم مؤيدون لحماس، إنهم هناك لأنهم غاضبون مما تفعله الحكومة الإسرائيلية الآن في غزة".

وذكر السيناتور الأميركي أنه يعتقد أن الطلاب الذين يحتجون على المساعدات الأمريكية المستمرة لـ"حكومة نتنياهو اليمينية المتطرفة يفعلون ذلك لأسباب صحيحة".

وكما هو الحال الآن في انتفاضة طلاب الجامعات، انتقل الانقسام داخل الحزب الديمقراطي. فالرئيس الأميركي يواجه انتقادات واسعة لسياسته تجاه إسرائيل، فقط وافق الشهر الماضي على تقديم مساعدات إضافية بقيمة 14 مليار دولار، وهو ما دفع مئات الآلاف من الناخبين بوضع العلامة أمام اختيار "غير ملتزم" في بطاقة اقتراع الانتخابات التمهيدية للحزب الديمقراطي مؤخرًا.

بالمقابل حذر الخبير الاستراتيجي والعضو في الحزب الديمقراطي جيمس كارفيل، المحتجين من أنهم قد يساعدون ترامب على الفوز مجددًا بمنصب الرئيس عبر زرع الانقسامات داخل الحزب، ووجه كلمات نابية للمحتجين في مقطع مصور.

من جهتها، قالت رئيسة التحالف المدني الإسلامي، وهو منظمة غير ربحية مقرها شيكاغو، ديلارا سعيد: إن "الحزب لا يزال بعيدًا عن التواصل مع ناخبيه من الشبان والسود". وأضافت: "كانت لدى الحكومة سياسة عارضها الشبان والأميركيون من أصحاب البشرة الداكنة، وهي استخدام أموال ضرائبنا وإرسال قوات للقتال في حرب لا نوافق عليها.. وهذا هو ما نحن فيه الآن".

من جهته، قال عباس علوية، وهو مساعد كبير سابق في الكونغرس وأحد منظمي حملة "غير ملتزم" في ميشيغن: إن قيادة الحزب معرضة بشدة لتكرار أخطاء حقبة فيتنام". وأضاف: "في عام 1968، كان أحد الإخفاقات الكبرى لمؤسسة الحزب هو تجاهل الشبان المناهضين للحرب ومواصلة الحرب المروعة في فيتنام وإبعاد الناخبين الشبان، ولدي شعور بأنهم معرضون لخطر ارتكاب الشيء نفسه".

التدخل العسكري

في 1970، عندما أكملت حرب فيتنام عامها الخامس، أعلن الرئيس الأميركي الجمهوري في ذلك الوقت ريتشارد نيكسون توسيع نطاق الحرب لتشمل كمبوديا. وفي نهاية العام كان قد تم تجنيد ما يقرب من 1.8 مليون شاب أميركي، ولقي ما يقرب من 30 ألفًا حتفهم.

أما في غزة فلا تقاتل أي قوات أميركية إلى جانب القوات الإسرائيلية، لكن بعد هجوم 7 تشرين الأول/أكتوبر الماضي، أرسلت الولايات المتحدة سفنًا حربية وحاملات طائرات قرب الأراضي الفلسطينية المحتلة لمساعدة إسرائيل، فضلًا عن إرسالها مئات الأطنان من الذخائر والقنابل التي كانت السبب في ارتكاب مجازر بحق الفلسطينيين. هذا بخلاف الدعم العسكري الذي لم يتوقف.

عنف وسلمية الاحتجاجات

قدم الأستاذ في جامعة برينستون كيفن كروس، مقارنه بين الاحتجاجات الحالية والاحتجاجات الرافضة لحرب فيتنام، وقال في حديث لوكالة "رويترز" للأنباء: "حجم انتفاضة طلاب الجامعات الأميركية وحدتها ازدادا بحلول عام 1970، إذ اجتذبت بعض المظاهرات عشرات، بل ومئات الآلاف من المشاركين"، وأضاف: "شهد بعض تلك الاحتجاجات عنفًا أيضًا، على عكس المظاهرات السلمية إلى حد بعيد التي شوهدت حتى الآن بسبب الحرب الإسرائيلية على غزة"، مستحضرًا حادثة إطلاق النار في جامعة كينت ،التي حلت ذكرها 54، عندما دخلت قوات الحرس الوطني بولاية أوهايو الحرم الجامعي لقمع الاحتجاجات المناهضة للحرب في فيتنام، فأطلقت الرصاص على 13 طالبًا، لقي على إثرها 4 منهم حتفهم.

وأدت هذه الحادثة لموجة من الاضطرابات في جميع أنحاء الولايات المتحدة. حيث تجمع 100 ألف للاحتجاج. واحتشد ما يقرب من 100 ألف في واشنطن العاصمة بعد أيام قليلة من إطلاق النار.

ولفت كروس إلى رد فعل السلطات في البداية على انتفاضة طلاب الجامعات، قائلًا: "الاحتجاج في كولومبيا كان من الممكن أن يتلاشى إذا اختار المسؤولون تجاوزه بهدوء حتى يحل الصيف".

وأشار كروس في الليلة التي سبقت إطلاق النار على الطلاب في جامعة كينت، تم إحراق مبنى فيلق تدريب ضباط الاحتياط. ولم يكن هؤلاء مجرد مجموعة من الطلاب مثل الذي يجلسون في خيام على العشب، في إشارة إلى طلاب الجامعات الأميركية الذين يتظاهرون الآن ضد حرب الإسرائيلية على غزة.

كذلك بعد وقت قصير من إطلاق النار في جامعة كينت، دعا نيكسون مجموعة من عمال البناء إلى البيت الأبيض في أعقاب ما أطلق عليه "شغب القبعات الصلبة"، عندما هاجم 400 عامل بناء و800 من القائمين بأعمال مكتبية نحو 1000 محتج على حرب فيتنام في مدينة نيويورك.

استطلاعات الرأي

فيما يخص التأييد داخل المجتمع الأميركي للعدوان على غزة، فقد تراجع من 50 % إلى 36 % بحسب استطلاع للرأي أجرته مؤسسة غالوب. ويأتي هذا التغيير في المواقف نتيجة لتزايد أعداد الضحايا في غزة.

وأظهر استطلاع أجرته مؤسسة "يوغوف" يوم الخميس أن 53 % من البالغين يشعرون أن قرار مديري الجامعات بتعليق دخول بعض المحتجين المؤيدين للفلسطينيين فصولهم الدراسية أو فصلهم كان "صحيحًا" أو "ليس حازمًا بما فيه الكفاية". ويرتفع هذا الرقم إلى 68 % لدى من تتجاوز أعمارهم 65 عامًا.

تعددية المتظاهرين

في عام 1970 وخلال حرب فيتنام، كان هناك زهاء 7.2 ملايين طالب مسجلين في الجامعات الأميركية، شكلت النساء 41 %منهم بينما كان الطلبة السود 7 %.

أما اليوم يوجد في الولايات المتحدة ما يزيد على 15 مليون طالب جامعي، يمثل الطلاب البيض نحو 41 % منهم واللاتينيون 18 % والسود 11 % والآسيويون 6 %، فيما يفوق عدد الطالبات عدد الطلاب في الجامعات، وفقًا للمركز الوطني البحثي المعني بتبادل معلومات الطلاب.

وقال جيمس زغبي، أحد المحتجين في حقبة فيتنام ومؤسس المعهد العربي الأميركي: "بينما كان للحركة النسائية وحركات الحقوق المدنية نشاطًا بارزًا في أواخر الستينيات، فقد كانت تلك الجماعات أقل اتحادًا وأكثر خلافًا مما هي عليه اليوم"، وأضاف: "هذا جيل يتسم بالتعددية. إنهم نفس الأطفال الذين كانوا يقودون حركة حياة السود مهمة أو مسيرة النساء، أو الاحتجاجات ضد حظر دخول المسلمين أو الاحتجاج المطالب بإجراءات سلامة (لحيازة) الأسلحة".

التغطية الإعلامية

خلال حرب فيتنام تلقت الحركة المناهضة للحرب زخمًا من التغطية الإعلامية الذي أطلق عليه "الحرب التلفزيونية" الأولى للولايات المتحدة، مع البث اليومي لصور جثث الجنود القتلى العائدين إلى البلاد، والتي أصبحت محضورة اليوم بقرار من قيادة الجيش الأميركي.

فيما يخص التأييد داخل المجتمع الأميركي للعدوان على غزة، فقد تراجع من 50 % إلى 36 % بحسب استطلاع للرأي أجرته مؤسسة غالوب. ويأتي هذا التغيير في المواقف نتيجة لتزايد أعداد الضحايا في غزة

أما اليوم في خضم التعتيم الإعلامي والحظر على نشر الصور، يلجأ الطلبة لوسائل أخرى لمتابعة الأحداث. وتقول كريستيانا ليهي، وهي عضو مجلس إدارة سابقًا في منظمة العفو الدولية وأستاذة في كلية مكدانيال بماريلاند: إن "الطلاب اليوم يشاهدون تطور الحرب لحظة بلحظة عبر هواتفهم". وأضافت: "من خلال إنستغرام وتيك توك، وغيرهما من وسائل التواصل الاجتماعي، يحصلون على صور كل يوم.. إنها موجودة على هواتف الجميع 24 ساعة في اليوم".