14-سبتمبر-2018

الخطاط العراقي هاتف العذاري

لكل شيء في الكون موسيقى، وموسيقى العيون الجمال، الذي يعد فن الخط وتدًا من أوتاده يعزفه الخطاط على أوراقه فتبتهج له الروح الإنسانية.

لم يسلط الاعلام الضوء الكافي على الخطاطين، خصوصًا في عصر هيمنة التكنولوجيا التي أصبحت تحاول إماتة هذا الفن وتجرديه من روحه والمشاعر التي تخلقها في الناظر، بالاستعانة بالخطوط الإلكترونية الجاهزة، والطابعات الفخمة.

يحدثنا التاريخ، أنه في القرن التاسع عشر، أدخل أحد سفراء الدولة العثمانية المطبعة الى إسطنبول؛ فخرج الخطاطون في مظاهرة يحملون فيها نعشًا مليئًا بالقصب، الذي يستعملونه للخط، للإعلان عن موت هذا الفن.

هل الخط العربي قادر على تحدي مخاطر التكنولوجيا والإهمال التربوي للمحافظة على وجوده وأصالته الضاربة في أوج التاريخ؟ أم أن هناك حالة وسطًا للتآلف بين هذه "الضرائر"؟

الخطاط هاتف العذاري الذي أنجبته محافظة الديوانية، رئيس جمعية الخطاطين منذ عام 1978، وحتى يومنا هذا. حاصل على إجازة ممارسة مهنة الخط العربي من وزارة الثقافة والإعلام عام 1982 وعضو نقابة الفنانين في المحافظة. هنا حوار معه ليجيبنا عن أسئلة هذا الفن وهواجسه.


  • كيف بدأ مشوارك مع الخط العربي؟

كأي بداية لمن تستحوذ عليه الرغبة في تقليد الأشياء الجمالية، في مرحلة الطفولة حيث كان للتعليم والمعلمين وزن واحترام، فكنت أقلد كتابة معلمي على السبورة في الفرصة (الاستراحة) وأعيدها على الورق وأعرضها على زملائي، وهكذا كنت أكتب أسماءهم وألاقي التشجيع والاستحسان.. حتى أضحت الهواية إلى ممارسة التقيت عندها مع خطاطين ممارسين زرعوا عندي حب هذا الفن.

هاتف العذاري: حروف الكمبيوتر دخيلة على جمال الحرف العربي

  • هل تأثرت بمن سبقوك من الخطاطين العرب، وهل استعنت بشخص يعلمك حتى وصلت الى هذا المستوى؟

دون شك، المدرسة البغدادية ورائدها العملاق هاشم البغدادي، كانت المنهل الذي نهل منه معظم الخطاطين العراقيين والعرب، حيث التقيت به مرارًا وأخذت على يده الكثير، ولا زلت احتفظ بكتابات رائعة منه، وتسقيطات لما كتبت، والتقيت وأخذت عن المرحوم مهدي الجبوري، والدكتور سلمان إبراهيم وآخرين، وهم أساتذة أفاضل.

هاتف العذاري

اقرأ/ي أيضًا: مقامات عبد القادري.. الواسطي مرّ بالكويت

  • ما الصعوبات التي تواجه الخطاط في الوقت الحاضر؟

هي صعوبات وعراقيل تواجه الخط والخطاطين، نتيجة جهل المسؤولين لهذا الفن الرفيع الذي خلّد اللغة العربية، وموسق حروفها بروحية وإبداع.. إضافة إلى غزو حروف الكمبيوتر التي تكاد تكون دخيلة على جمال الحرف العربي.

  • هناك عدة خطوط جميلة تتناغم مع لغتنا العربية، ما هو الأقرب اليك، ولماذا أصبح كذلك؟

الحرف العربي يملكُ من الجمالية التي تتعدى الخيال والمخيلة لو قارنتها بحروف اللغات الأخرى. ودون شك أن خط الثلث هو سيد الخطوط، وهو الأقرب إلى الموسيقى الروحانية لما يمتلك من خصوصية تكاد تمتاز بالتشكيل الذي يغازل الروح بنغمة صوفية، وخاصة عندما يكتب في المساجد والأضرحة.

  • من خلال متابعتك كيف تبرر عدم الاهتمام بهذا الفن، وهل ترى أن هناك إقبال على تعلم الخط؟

السؤال ذو شقين. أولًا عدم اهتمام المسؤولين بفن الخط لجهلهم المركب، في قيمة هذا الفن وتقيم المهتمين بِه باعتباره فنًا رفيعًا يتصل بقيمه الجمالية بالتراث واللغة. لكن يجب ألا نغفل الاهتمام الواضح عند بعض المتعلمين وإقبالهم الشديد رغم عدم وجود مقر لتعليم الهواة ويكاد التعليم أن يكون محدودًا.

  • لكل فن حتى يحافظ على بقائه وديمومتهُ لا بد له أن يتجدد ويتطور، برأيك كيف يحصل ذلك مع الخط العربي؟

هو فن قائم بأصوله وقواعده رغم الهجمة المقصودة على الحرف العربي، لما يحمله من روحانية، ولمسات إنسانية، إبداعية.. والأساس في تعلمه وليس تطورهّ يتأتى من خلال فتح مدارس أو تدريسه في المدارس، منذ البداية، لنخلق جيلًا مهتمًا بالتراث والإبداع، وهذا يتوقف على التفاتة المسؤولين، وكل فرد يحمل موهبة وهي الرغبة ومتى ما استغلت تفتحت بالممارسة والتمرين.

هاتف العذاري

  • ما هو رأيكم بالخط الجاهز على الكمبيوتر، وهل ترى أن التكنولوجيا تساهم في تدمير هذا الفن التليد؟

لا يمكننا أن نطلق تسمية الخط على حروف الكومبيوتر؛ لأنه يمتلك جاهزية مبرمجة، تفتقر إلى روحية الخطاط، وذوبانه وتفاعله مع تكوين اللوحة الخطية وإخراجها. وقد أوجدوا هذا الحرف لتدمير ومسخ جمالية الحرف العربي الذي أوجده الخطاطون القدماء وفق ميزان مدروس.. وبرأيي لا يصلح ذلك إلا للإعلان.

هاتف العذاري: الحرف العربي يملكُ من الجمالية التي تتعدى الخيال والمخيلة لو قارنتها بحروف اللغات الأخرى

  • ما هي مشاريعك المستقبلية مع هذا الفن؟

المشاريع وما أكثرها وما أكثر العقبات. أهم ما اتطلع إليه إيجاد مقر لجمعية الخطاطين في المحافظة لتعليم هذا الفن، وقد بُحّ صوتنا منذ أربعين عامًا وما من أحد أصغى لذلك.

اقرأ/ي أيضًا: معرض صدّام الجميلي عن اسمه: أنا الدكتاتور في أسوأ أوقاته

  • أخيرًا، نصيحة تحب أن تقولها للأجيال وللمهتمين بهذا الفن؟

أنصح الأحبة الراغبين في التعلم أن يواظبوا على التعليم ووفق الأصول التي تؤهلهم لذلك، ومكتبي مفتوح للجميع.

 

اقرأ/ي أيضًا:

الشرق الأوسط: مأساة العرب

الفن الإسلامي.. تجريد وتحريف وتأمُّل