ثمة إجماع توصلت إليه كافة أطراف الأزمة السورية، سواء من كان يقف في صف المعارضة بأشكالها، أو من يصطف مع النظام السوري ورئيسه، ذلك اﻻتفاق يتمثل بأن مسار الأزمة السورية اختلف كليًا بعد التدخل الروسي العسكري في البلاد، بحيث أصبح تاريخ التدخل علامة فارقة يجُب ما قبله من نتائج أو تفاهمات كان قد قررها اللاعبون الإقليميون والدوليون.
اختلف مسار الأزمة السورية كليًا بعد التدخل الروسي العسكري في البلاد
من هذه الحقيقة -المرة عند البعض- وبالأخص المملكة العربية السعودية، بدأت الأخت الخليجية الكبرى بترتيب أوراقها وإعادة التموضع فيما يخص الأزمة وأسبابها وكيفية التعامل مع الواقع الجديد الذي بدا فيه الأسد غيرَ خاسر، بل انتقل من مرحلة الدفاع إلى الهجوم في بعض المناطق بفعل دعم قوات بوتين الحليف وسلاح جوه القوي.
جملة من الإجراءات الاستراتيجية التي اتخذتها المملكة لضمان بقائها في دائرة التدخل والتأثير في صنع القرار بما يخدم مصالحها؛ الذهاب إلى جنيف دومًا والزيارات إلى كافة الأطراف والحضور الهام في فيينا، كل هذا دليل على جدية السعوديين في إيجاد مخرج لحل الكارثة السورية. واستمرارًا لهذه الخطوات عقد الملك سلمان مؤتمر الرياض للمعارضة السورية بهدف إيجاد كيان سياسي موحّد يستطيع التفاوض مع النظام أولًا، ومع الجهات الدولية التي ما زالت تعتذر بعدم وجود جهة جامعة لأطراف المعارضة يمكن الحديث معها. ولربما تعدى هدف الرياض من هذا المؤتمر هدفه المعلن بإيصال رسائل هامة إلى الفاعلين الرئسيين بأن هناك ثقلًا حقيقيًا ووجوديًا للسعودية في الأزمة، وأنّ أي تفاهمات يجب أن تمر بالضرورة من الرياض.
إذن، أقيم المؤتمر على مدى يومين كاملين وحضر ما يزيد عن مائة شخصية من مختلف أطياف المعارضة السورية السياسية منها والعسكرية، وانتهى بلقاء أعضاء المؤتمر مع العاهل السعودي واستصدار بيان ختامي أكّد على وحدة الأراضي السورية ومدنية الدولة وضرورة خروج المليشيات والقوات الأجنبية وأهمية إيجاد حل سياسي للأزمة. وﻷن النتائج المعلنة للمؤتمرات لا تمثل عادة انعاكسًا حقيقيًا لما دار خلف الكواليس، سنناقش الصعوبات التي واجهت اللقاء من قبل انعقاده وصولًا إلى نهايته وردود الأفعال عليه.
أول الصعوبات التي واجهته تمثلت بمن سيحضر إليه، حيث كان من المقرر دعوة قرابة ستين شخصية تمثل الأغلبية، لكن سرعان ما انفجر العدد ليصل إلى أكثر من مائة مدعو، ناهيك عن استبعاد هيثم مناع وحزب اﻻتحاد الديمقراطي الكردي عن الحضور مما شكل أزمة حقيقية، خصوصًا أنّ الأكراد لهم وجود لا يستهان به على الأرض ولهم تحالفات جيدة مع الأمريكان والروس على حد سواء. أما فيما يخص وقائع المؤتمر، فقد ظهر التباين الواضح بين الفصائل، ليس من ناحية أيديولوجية فقط، مع طغيان هذا العامل على المجريات وتهديده بإفشال المؤتمر من يومه الأول، إذ انسحبت حركة أحرار الشام "الإسلامية" في البداية إلا أنها تراجعت ووقعت البيان الختامي، بل إن المجتمعين أخفقوا في انتخاب ممثلين عنهم في عملية التفاوض، واكتفوا بوضع هيئة عليا مكونة من أربعة وثلاثين شخصًا ستكون مهمتهم تحديد الوفد التفاوضي وعدده.
تدرك السعودية جيدًا أن أغلبية المجتمع الدولي لم يعد يهتم لمسألة بقاء الأسد أو رحيله
سيضاف إلى هذه المشاكل بطبيعة الحال إهمال المؤتمرين لقضية تنظيم "الدولة الإسلامية" واستحالة التعامل معه وتأثيره القوي الذي يكاد يوزاي كافة أطراف المعارضة مجتمعة على الأرض، حتى موضوع "جبهة النصرة" التي يتشكل أغلبيتها من المكون السوري وتتشابك علاقاتها مع كثير من الفصائل المسلحة، وتسيطر على جزء ﻻ بأس به من الشمال والجنوب السوري لم يتم التطرق إليه في يومي الاجتماع. ردود الأفعال أيضًا أتت بدورها لتزيد الأمر تعقيدًا، ففي مقابلة صحفية أجراها الرئيس السوري بعد انتهاء اجتماع الرياض أعلن رفضه التفاوض مع من سماهم بالإرهابيين.
تدرك السعودية جيدًا أن أغلبية المجتمع الدولي لم يعد يهتم لمسألة بقاء الأسد أو رحيله، وتدرك أيضًا أن الوﻻيات المتحدة غير مهتمة كثيرًا بضرورة إيجاد حل جذري وسريع للأزمة، وأنه ﻻ بد من تسوية للمشكلة يتفق فيها جميع الأطراف على التنازل في بعض المواقف، فهل ما تقوم به المملكة يسير بالاتجاه الصحيح، فلننتظر لنرى ما يحدث قريبًا.
اقرأ/ي أيضًا: