كشفت الوثائق التي سربتها شركة الاستشارات القانونية "موساك فونسيكا" التي تعتمد السرية في أعمالها، في بنما، عن ضلوع الشركة بمساعدة شخصيات شهيرة في العالم بينهم قادة دول في عمليات في غسيل الأموال والتحايل على العقوبات والتهرب من الضرائب.
المكاتب الإعلامية الناطقة باسم رؤساء دول ووزراء باتت مشغولة الآن ببيانات تكذيب وتنديد
الوثائق أتت على ذكر أكثر من 140 سياسيًا ومسؤولًا كبيرًا من جميع أنحاء العالم، بينهم 12 من قادة العالم الحاليين والسابقين، و60 شخصًا على الأقل لهم علاقة بهم. منهم رئيسيا وزراء أيسلندا وباكستان، ورئيس أوكرانيا، وملك السعودية، وأمير قطر السابق ورئيس وزرائه، وحسني مبارك، ومعمر القذافي، ووالد رئيس وزراء بريطانيا ديفيد كاميرون، ورامي وحافظ مخلوف ابنا خالة الرئيس السوري بشار الأسد، وشخصيات من الدائرة القريبة للرئيس الروسي فلاديمير بوتين، والرئيس الصيني والفنزويلي، وعائلة رئيس الورزاء الباكستاني نواز شريف.
اقرأ/ي أيضًا: الإرهاب في تونس.. مورد رزق وفرصة عمل
بالإضافة إلى عشرين من المشاهير في عالم الرياضة، على رأسهم النجم الأرجنتيني ليونيل ميسي، والفرنسي ميشيل بلاتيني رئيس الاتحاد الأوروبي لكرة القدم، والتشيلي إيفان زامورانو أسطورة ريال مدريد، والبطلة الأولمبية للتزلج الفني على الجديد الروسية تاتيانا نافكا، زوجة دميتري بيسكوف الناطق الصحفي باسم الرئيس الروسي.
طبعًا لم يعد هناك من داع لقراءة أكثر من 11 مليون وثيقة لمعرفة المتورطين لأن المكاتب الإعلامية الناطقة باسم رؤساء دول ووزراء مشغولة منذ الصباح الباكر ببيانات نفي وتنديد، في ظل تحضيرات في بعض شوارع الدول الأوروبية للخروج بمظاهرات محاسبة لهؤلاء الفاسدين، ومنها توقيع 16 ألف شخص في أيسلندا عريضة تطالب بمحاسبة رئيس الوزراء سيغموندور غونلوغسون الذي تسببت له هذه الفضيحة بحرج وارتباك مثير للسخرية، فيما تداعت النمسا وهولندا وأستراليا وفرنسا إلى تسريع إجراءاتها لفتح تحقيقات عاجلة مع مواطنيها المتهمين بالتهرب الضريبي.
من البديهي التوقع بأن هذه الفضائح ستتسبب بفضائح كبرى ستزعزع الثقة بالنظام المالي العالمي وربما نشهد انهيارات كبرى فيه مع تورط أكثر من 500 بنك عالمي بفروعه التابعة له، ومنهما بنكا "HSBC وHSBC" الشهيران.
لكن المثير للدهشة أن هذه الفضيحة كان بطلتها دولة صاعدة اقتصاديًا كبنما، فالشركة الضالعة في هذه العمليات الإجرامية ظلت على مدى 40 عامًا تمارس نشاطها دون رقابة على أراضيها، رغم أن بنما تعتبر أهم وأكبر اقتصاد في اقتصادات أمريكا الوسطى، وأسرعها نموًا، والأكبر من ناحية دخل الفرد.
الغريب أن هذه الفضيحة حدثت في بنما التي تعتبر أسرع اقتصادات أمريكا الوسطى نموًا
ورغم ذلك يخرج علينا رامون فونسيكا -أحد مؤسسي موساك فونسيكا- ليؤكد صحة الوثائق التي ورد ذكرها في التحقيقات التي نشرتها مئات الصحف، نافيًا ارتكاب شركته أي مخالفة، وليختم تصريحه بعبارة صادمة قائلًا: هذا اختراق ناجح، لكنه "محدود" لقاعدة بيانات الشركة.. أي أن المستور أكبر بكثير من الـ11 مليون وثيقة المسربة.
اقرأ/ي أيضًا: المنفى في صمته
من جهة أخرى، أثارت هذه الفضيحة شهية حكومات أوروبية تعشق "الضرائب" لأنها أحد أهم مصادر دخلها كهولندا وفرنسا، لدرجة أن الرئيس الفرنسي فرانسوا أولاند خرج بتصريح مضحك سارع فيه للقول: "إن تسريبات "وثائق بنما" أنباء طيبة لأنها ستزيد عائدات الضرائب المحصلة ممن يمارسون الاحتيال".
الأمر الآخر المضحك المبكي هو أن السلطات المالية في جزر العذراء البريطانية التي سهلت فتح الشركات للقادة والمشاهير المتهربين من الضرائب عبر شركة موساك فونسيكا طالبت في العام 2011 من مكتب فونسيكا قطع علاقته مع شركات مخلوف المسجلة في جزر العذراء بسبب "اتهامات بالرشوة والفساد"، والمعروف أن رامي مخلوف هو مدير أعمال الرئيس السوري بشار الأسد، ويده اليمنى في إدارة شركاته، وهو ما يشي بأن هذه الشركة قررت طرد عميل لها مضحية به كي لا يفتضح أمرها، ففساده طغى على فسادها وصيته الذائع في الفساد قد يطيح بها.
بينما أقرأ عشرات الأخبار والتقارير حول هذه الفضائح ومسارعة مكاتب المسؤولين والمشاهير لنفيها وارتباكهم المخجل بسببها لم يكن يتردد في ذهني إلا النكتة التالية التي تقول إن طفلًا سأل أباه عن الفرق بين "النظري" و"العملي" فطلب الأب من الطفل أن يتوجه إلى وأمه ويسألها إن كانت لا تمانع من أن تعطي الجار قبلة إذا ما أعطاها 100$. سألها الطفل أمه فأجابته بالقبول لأن القبلة أمر عادي جدًا و100$ قيمتها أكبر من أمر تافه كقبلة. وبالرغم من صدمة الأب بالجواب طلب من الطفل أن يتوجه بذات السؤال لأخته الكبرى، فكان جوابها هو جواب الأم ذاته، فقال الأب للطفل: هل رأيت يا بني نظريًا أصبح لدينا 200$، وعمليًا أصبح لدينا عاهرتان في منزلنا.
اقرأ/ي أيضًا: