تقول "أنات ياهاف" الرئيسة التنفيذية لشركة "صن واي يو في كلوذينج" الإسرائيلية والتي توفر لباس البحر المحتشم لليهوديات والمسلمات في إسرائيل وخارجها: "إن النساء المسلمات يفضلن عادة ملابس البحر ذات غطاء للرأس بينما تفضل اليهوديات ملابس تغطي كامل الجسد لكن من دون غطاء الرأس هذا"، تضيف أنات أنها لا تستطيع أن تفهم لماذا قرر الفرنسيون إثارة هذا الجدل ثم تبتسم وتتابع حديثها: "عندما أرى ما يحدث في فرنسا أعتقد أننا عاقلون جدًا هنا (أي في إسرائيل)".
الرئيسة التنفيذية للشركة الإسرائيلية كانت تسخر من الحملة الموتورة التي ظهرت في فرنسا حول البوركيني وما تخلله من قيام إحدى بلديات جنوب شرق فرنسا بمنعه على شواطئها خلال موسم الاستجمام هذا الصيف وهو قرار عطلت مجلس الدولة الفرنسي، أعلى سلطة قضائية إدارية فرنسية، معتبرًا اياه "مهددًا للحريات التي تضمنها القوانين".
حتى أخبار طائفة الحريديم الإسرائيلية يتعامل معها العالم كأخبار طرائف وغرائب وليس كأخبار دين متطرف دموي كما يتم التعامل مع الدين الإسلامي في أوروبا اليوم
ناشطون أوروبيون نظموا حفل تضامن مع البوركيني لا سيما بعد تصريح لعمدة مدينة أنتفيربن الذي سبق وأن قال إن النساء المحجبات "حاملات خيم"، وفيه تم التقاط صور بين نساء يرتديني البكيني (وهو لباس بحر خفيف يستر الجسد بخيوط رفيعة وثلاث رقع على النهدين والعضو الأنثوي) و"البوركيني الذي يستر كامل الجسد إلا الوجه واليدين والقدمين".
تصريحات "أنات هاف" جاءت ضمن تقرير نشرته وكالة رويترز للأنباء حاولت أن تظهر فيه تحضر السكان اليهود المتشددين وهم يستمتعون بشاطئ البحر أيضًا بقدر ما يستمتع به أي أحد آخر. لكنهم يظلون منفصلين ليس فقط في شواطئ معزولة ولكن بمناوبة الأيام بين الرجال والنساء على الشواطئ. ففي شمال تل أبيب كان يوم الثلاثاء يوم النساء في شاطئ للمتشددين اليهود، وصلت حافلات محملة بالزائرات اللائي ارتدين لباسًا للبحر يغطي كامل أجسادهن ونزلن إلى شاطئ البحر عبر بوابة أمنية مع وجود أسوار عالية في كل مكان لمنع استراق النظر.
اقرأ/ي أيضًا: الإعلام الفرنسي وموقفه من ارتداء البوركيني
ذكرني هذا الخبر بما قامت به صحيفة "ها ميفاسر" الناطقة باسم اليهود المتزمتين في إسرائيل في تغطيتها لمظاهرة التضامن التي قام بها قادة العالم مع فرنسا عقب أحداث شارلي إيبدو العام الماضي حيث قامت هذه الصحيفة اليهودية المتطرفة بالتلاعب بصورة مقدمة المظاهرة الشهيرة وحذفت من الصورة التي نشرتها عن المسيرة قادة العالم من النساء وكان في مقدمتها المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل والملكة الأردنية رانيا وأخريات.
وصحيفة "ها ميفاسر" تتقيد بتعاليم اليهود الحريديم، وهي طائفة بالغة التزمت معروفة بحشمتها ورفضها للثقافة المعاصرة ولا تنشر المطبوعات التي تصدرها هذه الطائفة صورًا للنسوة أو البنات، وقد جاء في تقرير نشره موقع الإذاعة البريطانية BBC إن رجال هذه الطائفة يدعون للفصل بين الجنسين في مواقف معينة، وفي نيويورك التي يقطنها عدد كبير من أتباع هذه الطائفة يفصل الرجال عن النساء في الحافلات العامة بستارة توضع في وسطها.
طبعًا حتى أخبار طائفة الحريديم الإسرائيلية يتعامل معها العالم كأخبار طرائف وغرائب وليس كأخبار دين متطرف دموي كما يتم التعامل مع الدين الإسلامي في أوروبا اليوم، ففي هذا الصيف الساخن انشغل الرأي العام العالمي في أوروبا بالبوركيني أكثر من انشغالهم بأنهار الدماء في سوريا والعراق وليبيا واليمن، كيف لا ينشغل وجسد المرأة بالنسبة للغرب كما الشرق هو محور التاريخ السياسي والديني للبشر، أما دماء البشر فهي ليست أكثر من وقود لأي صراع محتمل.
في هولندا ودول أوروبية مختلفة ثمة شارع يدعى بشارع الفيترينه أو شارع السيكس أو الشارع الأحمر وغير ذلك من التسميات التي تدلل على الجنس والشهوة، وشارع السيكس هذا تعرض خلف زجاج واجهات المحلات المنتشرة على طرفيه النساء عاريات تمامًا، هو شارع أقل ما يقال عنه أنه وصمة عار على جبين أوروبا الديمقراطية لأن النساء في هذا المكان مجرد سلعة تباع وتشترى كزمن العبيد والجواري، الفرق في الحالة الأوروبية أنه يمكنك امتلاكها لدقائق فقط لتقوم بممارسة ما تريده من جسدها وتستمتع بأنينها الذي يجعلك تشعر وكأنك فحل خلت الأرض من مثيل قوته الجنسية، فتخرج عريض المنكبين كأنك "فاتح" روما.
المرأة في هذا الحالة الأوروبية حيث بلاد الحرية والديمقراطية ليست إلا مجرد سلعة سعرها 50 يورو -هذا الموضوع سيكون لنا وقفة أخرى معه- ولكن ما أود قوله هو أن إلغاء جسد المرأة خلف أكوام القماش وبين وضعهن عاريات في فترينات العرض يختصر تاريخ من التاريخ الديني والسياسي والاقتصادي للبشرية منذ آلاف السنين، هذا التاريخ كان محوره التنكيل بجسد المرأة "المقدس" مكمن الخلق وسر الوجود البشري وموضع الشهوة والتسلط والملكية للسطوة "الذكورية"، المرأة هذا الكائن الخالق الذي شكل محور أديان البشر وصراعهم على الملكية منذ أقدم العصور.
على الأوروبيين وغيرهم من المتحضرين أيضًا أن يصمتوا ولا يدعون أنهم يناضلون من أجل أن تحصل على حريتها إزاء جسدها، طالما أن وصمة عار الفاترينات التي شيئت المرأة وجعلتها مجرد سلعة للذكور وليست ملك يمين لذكر واحد بل لمن ملك يمين لكل من يدفع، فالزائد أخو الناقص وبين إلغاء جسد المرأة بالكامل وإباحته بالكامل نكون أمام حالة الصفر الأخلاقي.
هذا ليس تبريرًا لاستمرار سحق جسد المرأة بهذا الشكل المرضي في شرقنا بل هي دعوة ضد النفاق الأوروبي وكل المنافقين ممن يتبنى وجهة نظرهم تجاه شرقنا ويتغاضى عن نفاقهم تجاه رأسماليتهم المقيتة، يقول المسيح موبخًا المنافقين والمرائين:
لماذا تنظر القذى الذي في عين أخيك، وأما الخشبة التي في عينك فلا تفطن لها. يا مرائي، أخرج أولًا الخشبة من عينك، وحينئذ تبصر جيدًا أن تخرج القذى من عين أخيك.
اقرأ/ي أيضًا:
فرنسا خائفة.. من "البوركيني"!
وجهان لتطرف واحد