وكأنه أُريد لآية حجازي أن تكون عبرة وعظة لأي مبادرة إنسانية تمسح عن وجه مصر ذلك البؤس الدائم. اللافت في قصة آية هو الاحتفاء الإعلامي والرسمي بمبادراتها الأولى التي وُلدت بعد الثورة مباشرة، يتعلق الأمر بمبادرات مدنية شبابية خالصة كانت بدايتها في كانون الثاني/يناير عام 2013، جمع فيها الشباب والبنات القمامة من الشوارع، وأسس على إثرها محمد حسانين شركة بلادي للنظافة والتجميل، ومبادرة فرسان ضد التحرش، والتي كانت تستهدف مقاومة التحرش في الميادين العامة، ثم تنظيم فعاليات رياضية تضم كل التيارات والتوجهات والأعمار لتحقيق التقارب ونبذ الخلاف في مارثون تحت مسمى "اجري من السياسة"، الذي نظم في 31 كانون الأول/ديسمبر 2013، بموافقة من وزارة الداخلية، واشترك به عدد من الشخصيات العامة واحتفت به العديد من وسائل الإعلام.
آية حجازي ومبادرتها نماذج للطريقة التي تتعامل بها السلطات المصرية مع مبادرات ليست تحت رعايتها
ثم جاءت أخيرًا مبادرة "أطفال شوارعنا" في مطلع 2014، والتي تستهدف إعادة تأهيل أطفال الشوارع بالتعليم والفن والرياضة وتنمية الإبداع والمواهب، وهي المبادرة التي لاقت احتفاءً مجتمعيًا وإعلاميًا كنموذج يُحتذى به للعمل التطوعي والمبادرات الشبابية. إثر ذلك شرعت آية حجازي في تأسيس مؤسسة لرعاية أطفال الشوارع.
اقرأ/ي أيضًا: المجتمع المدني في مصر..صراع الدولة والمواطنين
ثم حدث تحول درامي في مسار المؤسسة وفي مسيرة حياة آية وزوجها والمتطوعين معها في المؤسسة حيث قامت قوات من الشرطة باقتحام مقر المبادرة مساء يوم 1 آيار/مايو 2014، بناءً على بلاغ، تم تحريره بعد الاقتحام، من أحد الأفراد ادعى احتجاز ابنه، المتغيب لأكثر من 15 يومًا، بمقر "بلادي" في شارع محمد محمود، رغم أن المُبلغ كان قد حضر ومعه مجموعة كبيرة من البلطجية قبل ساعة من الاقتحام للمقر، وبحث عن ابنه ولم يجده.
على إثر ذلك تم القبض على آية وزوجها ومعهم 17 طفلًا، وبعد فترة من إخفائهم، وجهت نيابة وسط القاهرة للمقبوض عليهم عدة تهم من بينها تأسيس وإدارة جماعة إجرامية بغرض الاتجار بالبشر، وهتك عرض الأطفال، واستعمال القوة والعنف والتهديد والاختطاف والاحتيال والخداع ضدهم، والاستغلال الجنسي للأطفال في تصوير مواد إباحية، والمشاركة في التظاهرات وجمع التبرعات، فضلًا عن احتجاز الأطفال في مكان (قصي عن الأعين) وتعذيب بعضهم بدنيًا، والتعدي عليهم بالضرب لإجبارهم على ممارسة الفجور والجنس. وهي الاتهامات التي دحضت معظمها تقارير الطب الشرعي، الذي أثبت عدم صحة وجود آثار لممارسة اللواط أو التعذيب أو الانتهاك أو هتك العرض، بالإضافة إلى شهود النفي من المتطوعين والمترددين على المقر، الذين أقروا بمعاملة الأطفال معاملة إنسانية محترمة.
واستخدمت الداخلية المصرية الأطفال القُصر الذين كانت تأويهم المؤسسة للشهادة ضد آية وزوجها وتضاربت أقوال الأطفال وبدا معظمهم في مقاطع فيديو الاعترافات مهزوزًا ومتناقض الوعي.
تطارد السلطات المصرية العمل المدني ومؤسساته وتمارس أشد درجات التنكيل ضد القائمين عليه
ما حدث لآية حجازي، المحتجزة لأكثر من عامين هي وزوجها وعدة نشطاء، يطرح مجموعة من الأسئلة حول مصير مبادرات إنسانية حقيقية مثل مبادرة آية حجازي، التي بدأت تحاول توحيد المجتمع بعد موجة الاستقطاب الحادة التي حدثت ولا تزال في مصر ما بعد الثورة. هل سيكون التشويه والتنكيل والاعتقال دون محاكمة والتأجيل لأسباب إجرائية هو مصير من يحاول أن يرفع البلاء عن الشارع المصري وأهله؟.
اقرأ/ي أيضًا: تجدد موسم الانتقام من الحقوقيين في مصر
والسؤال الثاني ما هو مقدار النزاهة في الإعلام الذي كانت بدايته احتفاء حقيقيًا بآية ومنجزها مع الأطفال ثم تحولت عناوينه إلى "أمريكية تدير وكرًا لدعارة الأطفال والرقيق الأبيض تحت ستار جمعية أهلية"، فلماذا لم يحترم هذا الإعلام عدم صدور أي حكم ضدها حتى لحظة كتابة هذا المقال؟.
لقد طرقت آية كل الأبواب الشرعية لتحصل على إشهار رسمي لجمعيتها، وكانت في طريقها للحصول على رقم إشهار رسمي من وزارة التضامن الاجتماعي، وتبرعت هي وزوجها بمبلغ 10 آلاف جنيه مصري أي ما يعادل 500 دولار مصري للمؤسسة.
ما حدث لآية ومؤسسة بلادي -أطفال شوارعنا- يذكرنا بما حدث لجمال عيد، الحقوقي ومدير الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان، الذي تبرع بأموال جائزة دولية حصل عليها لتأسيس مجموعة مكتبات في أحياء عشوائية بالقاهرة، فقامت الحكومة فجأة ودون سابق إنذار بتشميع المكتبات التي كانت تخدم أبناء هذه المناطق العشوائية في استعارة الكتب وكمكان للدراسة والقراءة. المكتبات بدأ إنشاؤها في آيار/مايو 201، بمنطقة دار السلام بالقاهرة، أعقبها افتتاح فرع آخر بالزقازيق بمحافظة الشرقية في نفس العام، ثم افتتاح 3 فروع في 3 مناطق مختلفة في العام التالي بمناطق طرة البلد بحلوان وبولاق الدكرور والخانكة. وتم تشميعها وإغلاقها جميعها.
لعل آية ومبادرتها وجمال عيد ومكتبات الكرامة، نماذج للطريقة التي تتعامل بها السلطات المصرية مع مبادرات ليست تحت رعايتها، وهي تطارد العمل المدني ومؤسساته وتمارس أشد درجات التنكيل ضد القائمين عليه في حرب معلنة على هذه المؤسسات والمبادرات منذ سنوات لا أحد يفهم متى ستنتهي ولا كيف سينتهي بها الحال.
اقرأ/ي أيضًا: