من الجميل والمريح أن يبدو الخطاب صريحًا وكاشفًا عن نفسه بوضوح دون مواربة وتسويف، والحديث هنا عن الخطاب الرسمي لدولة الإمارات التي هي عرّاب حصار قطر منذ زهاء ثلاثة أسابيع، إذ لم يتردّد سفير الإمارات في روسيا عمر غباش، في التصريح لصحيفة الغارديان البريطانية، بأن بلاده "لا تروّج لحريّة الصحافة"، وذلك ردًّا على سؤال حول مطلب دول الحصار بإغلاق شبكة الجزيرة.
كما برّر غباش التضييق على حرية التعبير، بأن "لمنطقة الشرق الأوسط سياق خاصّ"، وهو ما يكشف عن مأزق الخطاب الإماراتي في إقامة الحجة على المطالب المقدّمة، ليصل هذا الخطاب لإنكار حرّيتي الصحافة والتعبير، وهما من الحريات الأساسية التي نصّت عليها المعاهدات الدولية.
بوجه مفضوح، لم يتردد سفير أبوظبي في روسيا في التصريح بأنّ بلاده "ليست بها حرية صحافة ولا تروج لها"!
كما تكشف تصريحات السفير الإماراتي عن تناقض الخطاب الرسمي لبلاده التي تبّرر -إضافة لبقية دول الحصار وهما تحديدًا المملكة العربية السعودية والبحرين- مطلب إغلاق شبكة الجزيرة، بمزاعم التحريض ضدها ونشر التطرّف والإرهاب، إذ قالها السفير عمر الغوش صراحة: "نحن لا ندّعي أن لدينا حرية الصحافة، ونحن لا نروّج لفكرة حرية الصّحافة، نحن نتحدث عن المسؤولية في الخطاب".
اقرأ/ي أيضًا: خفايا السعي المحموم لإنهاء "كابوس" الجزيرة والإعلام الممول قطريًا
وبالتالي فمحلّ الانزعاج الإماراتي مرتبط بـ"المسؤولية في الخطاب"، وما دامت قناة الجزيرة لا تروّج للسياسات الإماراتية فهي تقدّم خطابا "غير مسؤول"! بهذا "المنطق" يجد الخطاب الإماراتي نفسه عاجزًا ومرتبكًا أمام أسئلة الإعلام الغربي الذي ما فتئ يتساءل: أي أساس يمكن قبوله اليوم لمطلب إغلاق شبكة تلفزية؟
وقد واصل السفير الإماراتي في حواره، الكشف عن السياسات الحقيقية لبلاده، بالقول إن "حرية التعبير في مختلف الدول تخضع لقيود مختلفة"، مضيفًا أن "التعبير في منطقتنا مرتبط بسياق معين، وهذا السياق قد يكتسب طابعًا عنيفًا بدلًا من الطابع السلمي لمجرّد قول كلمة". ويعتبر هذا التصريح اعترافًا من دولة الإمارات بمصادرتها لحرية التعبير، وعدم اعترافها بها، في الوقت الذي تدّعي ذلك، في إطار ردّها على التقارير الحقوقية الدّولية.
وعلى جانب آخر، وفي نفس المقابلة الصحفية، قال السفير الإماراتي إنّ طرد قطر من مجلس التعاون الخليجي "ليس العقوبة الوحيدة المتاحة"، مضيفًا أن "مواقف قطر اليوم لا تتناسب مع العضوية في مجلس التعاون، لأن المجلس عبارة عن منظمة للأمن والدفاع المشترك"، متناسيًا أن ذلك مستحيل إجرائيًا.
وفي نفس السياق، قال السفير إنّ دول الحصار قد تطلب من شركائها التجاريين الاختيار بين العمل معها أو مع الدوحة، وهو ما يخفي اعترافًا ضمنيًا بفشل المستهدف من وراء قطع العلاقات مع قطر منذ زهاء ثلاثة أسابيع على تحقيق أهدافه.
ورغم هذا الخطاب التصعيدي، شدّد السفير الإماراتي على أنّ دول الحصار "لن تقوم بتصعيد عسكري"، مبررًا ذلك بزعمه أنها "ليست الطريقة التي ننظر بها إلى الأمور".
ويواجه مسؤولو دول الحصار منذ كشف قائمة المطالب، ارتباكًا في الدفاع عن أسس هذه المطالب، التي اعتبرتها قطر "ليست واقعية ولا متوازنة وغير قابلة للتنفيذ"، فيما وصفها وزير الخارجية الألماني زيغمار غابرييل، بأنها "استفزازية"، وقد سبق وأكّد وزير الخارجية الأمريكي ريكس تيلرسون بأنه يصعب تنفيذ بعضها.
تصريحات السفير الإماراتي في روسيا، تكشف عن مدى المأزق الإماراتي في الدفاع عن الحصار المفروض على قطر ومطالب دول الحصار
وتكشف عمومًا التصريحات الأخيرة للسفير الإماراتي عمر غباش عن مدى المأزق الإماراتي في الترويج لمطالب دول الحصار لدى دول العالم وفي وسائل الإعلام الدولية، وهو مأزق لم يجد السفير مخرجًا له هذه المرّة غير إنكاره لحريّتي الصحافة والتعبير، وذلك في الوقت الذي أكد فيه المقرر الدولي الخاص المعني بحرية الرأي والتعبير، على أن مطلب إغلاق شبكة الجزيرة هو "تهديد للتعددية الإعلامية في المنطقة".
اقرأ/ي أيضًا: حقوقيون: مطالب الدول المقاطعة لقطر خرقٌ للقانون الدولي وانتهاك لحرية الشعوب
وفي الأثناء، يشجع عديد النشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي، أن تواصل الإمارات "عروضها"، على غرار هذه التصريحات الأخيرة، أي عبر خلع قناعها المزيّف والكشف عن الوجه القبيح لسياستها بوضوح، وذلك على غرار عدم تردّد عدد من مسؤوليها في الدفاع عن التطبيع مع الاحتلال الإسرائيلي، وفي التحريض ضد حركات المقاومة الفلسطينية.
اقرأ/ي أيضًا: