من نحن؟ ماذا نُريد؟ كيف نُحقّق ما نُريد؟ أسئلة تبدو بسيطة وواضحة، يُمكن إذا كانت فردية الإجابة عليها بسهولة، أنا فلان بن فلان، أريد أن أعمل وأتزوّج وأن أؤمّن مستقبلًا جيّدًا لعائلتي، بالعمل. يجب أن أعمل بجهد كي أحقّق ما أريد. ربّما تكون الإجابة على السؤال الأخير هي الأصعب، قد لا يكفي العمل مهما كان مُجهدًا لتأمين حياة مريحة فما بالك بمستقبل جيّد، خاصّة في ظلّ الأنظمة الاقتصادية الظالمة، وتضاؤل فرص العمل ولو بشكل متفاوت بين دول العالم.
أما عنّا، بوصفنا فلسطينيين، فإن كل إجابة سوف تفتح بابًا لأسئلة أخرى، لنجرّب: من نحن؟ فلسطينيون، الشعب الفلسطيني. ماذا يعني ذلك؟ كيف يُمكن تحديد ذلك؟ حسنًا في الميثاق الوطني الفلسطيني الذي أقرّه المجلس الوطني الفلسطيني عام 1968، وهو أعلى سلطة تشريعية فلسطينية، وهو الدستور الوحيد للفلسطينيين بغضَ النظر عن التعديلات التي طرأت عليه وعدم شرعيتها، يقول الميثاق الوطني في مادّته الخامسة: "الفلسطينيون هم المواطنون العرب الذين كانوا يقيمون إقامة دائمة في فلسطين حتى العام 1947. سواء من أخرج منها أو بقي فيها، وكل من ولد من أب عربي فلسطيني بعد هذا التاريخ داخل فلسطين أو خارجها هو فلسطيني".
هل يكفي هذا لتعريفنا، ربّما يُمكننا إضافة ميّزات جديدة طرأت بعد عام 1947، اللجوء، الاتّهام بالإرهاب لمحاولته المستمرّة للقتال من أجل العودة، التعرّض للمجازر والحصار والتضييق، وربّما يُمكن أن نتذكّر هنا الكثير من الشخصيات الفلسطينية المؤثّرة في العالم العربيّ وفي العالم. لن أعدّدها، يُمكن ببحث بسيط على محرّكات البحث الإلكترونية إيجاد آلاف الأسماء. حسنًا لن أتابع في هذا، هؤلاء هم نحن: الفلسطينيون.
الآن، ماذا نُريد؟ التحرير والعودة. إنّها الإجابة البديهية الواضحة والبسيطة، ولكنّها تفتح الباب على أسئلة كثيرة منها: ولا تُريدون شيئًا غير ذلك؟ يا إلهي!! نعم نعم نُريد أن نعيش في ظروف إنسانية لائقة، ألا تخشون أن تنسى أجيالكم القادمة موضوع التحرير والعودة إن هم عاشوا في رخاء؟ وهكذا عاش الفلسطينيون اللاجئون في ضيق وحصار لأنّ الحكّام العرب لا يُريدون لهم أن ينسوا حقّهم الأساسي في التحرير والعودة، هناك أربعة أجيال من الفلسطينيين في دول الخليج يحملون وثائق إقامة مؤقّتة بناء على وثائق سفر مؤقّتة حصل عليها آباؤهم من دول اللجوء الأولى. وهذا يعني أنّ كل ما بنوه يُمكن أن يُحرموا منه في لحظة واحدة، فهم مقيمون ضيوف. وما حدث عام 1991 في الكويت مثال على ذلك. يبدو أن جواب السؤال الثاني أصعب بكثير ويفتح الباب فعلًا على الكثير من الأسئلة الصعبة والمحيّرة.
نحن الشعب الفلسطيني نُريد العودة إلى أرضنا بكافة الطرق التي تُمكّننا من ذلك. وهذا هو لبّ المسألة الفلسطينية، كل ما عدا ذلك هو أسئلة وإجابات فرعية وغير مؤكّدة
لننتقل إلى السؤال الثالث، كيف نُحقّق ما نُريد؟ بالقوّة، بسيطة، ما أُخذ بالقوّة لا يستردّ بغير القوّة. حسنًا، إذن أنتم تُريدون الحرب؟ أي نوع من أنواع الحرب تُريدون؟ الحرب النظامية؟ حرب الشعب؟ حرب العصابات؟ الإرهاب؟ ثمّ لماذا لا تُحاولون التفاوض والحصول على شيء ما تبنون عليه وتتقدّمون مع الزمن لاستكمال الحصول على كامل حقوقكم بشكل سلميّ؟ هذا السؤال يفتح الباب للكثير من الأسئلة. وقد جرّبنا الإجابة عن جميع هذه الأسئلة وربّما عن غيرها. حاربنا وحارب العرب معنا نسبيًا في جولات عديدة لم تؤدّ إلاّ إلى فشل جديد. حاولنا حرب الشعب فارتكب العدوّ مجازر كبيرة في حقّ الشعب. جرّبنا أيضًا حرب العصابات على سبيل المثال: خطفنا الطائرات وأخذنا الرهائن في ميونيخ ولفتنا نظر العالم إلى وجود القضية الفلسطينية، وفي الوقت نفسه صرنا "إرهابيين" مطلوبين في معظم دول العالم وتمّ التغافل عن قضيّتنا الأساسية.
أنا أطرح الأسئلة منتظرًا أن تكون هناك إجابات، إنّ الطريق الصحيح لفهم الأمور هو في طرح السؤال الصحيح. لنستمرّفي طرح الأسئلة: اليوم بعد 154 يومًا من العدوان المدمّر على قطاع غزّة، ماذا نُريد؟ ماذا يُريد الإسرائيليون؟ هم يُعلنونها صريحةً لا يقبلون بقيام دولة فلسطينية ولا بأي شكل من الأشكال. السؤال الآن موجّه إلى الدول التي وقّعت اتّفاقات سلام وتطبيع اقتصادي وثقافي مع إسرائيل: أنتم لم تخوضوا حربًا مع إسرائيل ومع ذلك وقّعتم هذه الاتفاقيات، على أي أساس؟ هل أنتم متّفقون معها بأنّه لا وجود لشيء اسمه شعب فلسطيني؟ حسنًا، من هؤلاء الذين تُحاربهم اسرائيل في قطاع غزّة وفي الضفّة الغربية؟ ومن هؤلاء الذين تُضيّق عليهم في فلسطين المحتلّة عام 1948؟
لا إجابات كاملة وحاسمة، وهي فعلًا مسألة معقّدة وبسيطة في الوقت نفسه: نحن الشعب الفلسطيني نُريد العودة إلى أرضنا بكافة الطرق التي تُمكّننا من ذلك. وهذا هو لبّ المسألة الفلسطينية، كل ما عدا ذلك هو أسئلة وإجابات فرعية وغير مؤكّدة.