11-سبتمبر-2023
(Getty) طلاب يحملون رمز الغضب في بودابست

(Getty) طلاب يحملون رمز الغضب في بودابست

كانت مشاعر الغضب تتدفق كالبركان النائم، جاهزة للانفجار في أي لحظة. ربما كان السبب هو الإشعار المبكر الذي وصل إلى هاتفي صباحًا، مذكرًا بمهامٍ لا حصر لها تنتظر التنفيذ. أو ربما كانت الأحلام الغريبة التي لا تزال تلوح في ذهني، تاركةً وراءها آثارًا غامضة من الانزعاج. أو الأخبار التي لا تسر الخاطر في عالمنا العربي، دمار بسبب زلزال في المغرب، وكارثة في سوريا، وانهيار اقتصادي في لبنان، وفقر في مصر، وحرب في السودان، وبلاء في ليبيا، وما إلى ذلك..

في محاولة لفهم هذا الغضب المفاجئ، بدأت في تخيل كيف سيكون العالم إذا اكتسب الغضب شكلًا ماديًا. ماذا لو استطاع الناس أن يجمعوا الغضب في علب ويبيعوه في الأسواق كمصدر جديد للطاقة؟

الصراعات الدولية لن تكون إلا مجرد مزادات علنية لشراء أكثر كميات من الغضب المرغوب. والسياسيون سيقدمون خطبهم وهم يحملون علبًا من الغضب بدلًا من ورق النشرات الانتخابية.

قد يصبح استنساخ الغضب لشخصيات مشهورة ظاهرة شائعة في هذا العالم المجنون. يمكن للشركات أن تبيع أقنعة تحمل ملامح وجوه المشاهير الغاضبة، ليتمكن الناس من "ارتداء الغضب" في أوقاتهم الصعبة

وبالفعل، قد يصبح استنساخ الغضب لشخصيات مشهورة ظاهرة شائعة في هذا العالم المجنون. يمكن للشركات أن تبيع أقنعة تحمل ملامح وجوه المشاهير الغاضبة، ليتمكن الناس من "ارتداء الغضب" في أوقاتهم الصعبة. وعلى السوشيال ميديا، سيتم تبادل النكات حول من يمكنه استنساخ أفضل تعبير غاضب من شخصية مشهورة، بدلًا من منافسة من يملك أكبر عدد من المتابعين.

ولن يتوقف الأمر عند هذا، فقد يتطور إلى استنساخات أخرى للمشاعر مثل "الفرح" و"الحزن" و"الدهشة". لماذا نتوقف عند الغضب؟ ربما نرى في المستقبل البعيد متاجر لبيع المشاعر المختلفة، حيث يقف الزبائن في طوابير طويلة للحصول على "مشاعر اليوم" اللازمة للتعامل مع تحديات حياتهم.

بالتأكيد، سيصبح لمشاعر الشعراء قيمة خاصة في هذا العالم الجديد. سيقوم محبوهم بمحاولة انتقاء "مشاعر الفنانين" النادرة والمميزة، كما يفعلون مع أعمالهم الفنية. قد يتم عرض تلك المشاعر في مزادات خاصة، حيث يتنافس المشترين على اقتناء لحظات فرح أو حزن أو إلهام كانت سببًا في خلق تحف فنية أو أدبية يومًا ما.

لا يسعى المعجبون فقط لاقتناء تلك المشاعر، بل قد يسعون أيضًا لتقليدها. سيشعر الناس بالإلهام من مشاعر أيقوناتهم، وقد يحاولون تجربة تلك المشاعر بأنفسهم، يمكن أن تتشكل أسواق للمزادات العلنية للمشاعر في هذا السيناريو المتخيل، ستصبح تلك المزادات مناسبة لبيع وشراء المشاعر النادرة والمميزة التي تنتمي لشخصيات مشهورة أو تاريخية. وقد يجتذب هذا النوع من المزادات المستثمرين والمتاجرين والمحبين لجمع مشاعر ذات قيمة ثقافية.

ستتحول المزادات لمحطة للتفاخر، حيث يتنافس الأثرياء والمتحمسون لامتلاك مشاعر ترتبط بشخصيات تاريخية أو أيقونات فنية مشهورة. سيتم عرض المشاعر المرتبطة بتلك الشخصيات بغرف خاصة بفاحشي الثراء، وسيتم الإعلان عنها بشكل واسع، مما سيؤدي إلى تشجيع التنافس والحماس بين المشترين.

كل ما سبق سيؤدي لاحقًا بعديمي الذمة لتقليد وتزييف مشاعر الأشخاص الذين ماتوا بغية استثمارها وجني الأرباح الطائلة، وهذا ما سيفضي لنشوء مهن جديدة كمهنة "مفتشو المشاعر المزيفة".

مهمتهم قد تشمل تحقيقات متعمقة للتأكد من أن المشاعر التي تُباع أو تستنسخ حقيقية ومأخوذة بإذن من الأشخاص المعنيين أو من ورثتهم. وسيجري البحث عن مؤشرات على التلاعب أو التزوير أو استخدام مشاعر الأفراد بدون إذنهم.

حسنًا، سنسمح لخيالنا بالشطط أكثر من ذلك وتخيل حادثة ما.

في مدينة "إموشنفيل"، حيث يمكنك شراء وبيع المشاعر كما تشتري الحلوى من البقالة، يظهر الرجل اللامع "إريك ماركس"، وهو يدعي أن مشاعره الجديدة المشتراة تشبه بشكل لا يصدق مشاعر الفيلسوف الشهير كارل ماركس.

ربما نرى في المستقبل البعيد متاجر لبيع المشاعر المختلفة، حيث يقف الزبائن في طوابير طويلة للحصول على "مشاعر اليوم" اللازمة للتعامل مع تحديات حياتهم

يتم استدعاء "دوريس فان إموشن"، مفتشة المشاعر المزيفة الواثقة والمبتكرة، للتحقق من مدى صحة مزاعم إريك. تتوجه دوريس إلى منزل إريك المليء بالكتب والملصقات السوشيال ميديا لكارل ماركس. تقوم بتوجيه سلسلة من الأسئلة الساخرة والمحيرة لإريك، تسعى من خلالها لاختبار مدى معرفته الحقيقية بأفكار ماركس وأنه ليس مجرد "مشاعر مزيفة لأغراض تباهٍ".

سؤال: إذا كنت تشعر بأنك كارل ماركس، هل تستدل على ذلك بتناقضات النظام الرأسمالي أم بصعوبة تحقيق التوازن بين الطبقات الاجتماعية؟".

جواب: بالطبع، يا دوريس! لقد نسيت أن أقوم بتقديم بحثي الأخير حول "رأس المال والآيس كريم" في أحد المؤتمرات الدولية.

سؤال: من فضلك، أخبرني عن نظرتك إلى العيش في بيئة اقتصادية متساوية حيث يتم توزيع الثروة على الجميع بالتساوي.

جواب: أوه، نعم، بالتأكيد، أتذكر عندما قمت بالدخول إلى السوبرماركت واشتريت خبزًا عضويًا، كانت لحظة رائعة فقد وزعوا على كل زبون بيضة ورغيفًا، وشرب الجميع من نفس سطل حليب كانت إحدى العاملات تجدده فوريًا بعد أن تحلبه طازجًا من بقرة الماركت المربوطة في جناح الحيوانات المدللة.

سؤال: من هم البروليتاريا في حياتك؟ هل هم أصدقاؤك أو زملاؤك في العمل؟

جواب: بروليتاريا؟ هم الذين يقومون بتحميل الغسالات وتوصيل البيتزا، صحيح؟

سؤال: هل تعتقد أن الدعاية والإعلانات هي أدوات رأسمالية للسيطرة على وعي الجماهير؟ أم أنها مجرد وسيلة لجلب الانتباه إلى مشاعرك المزيفة؟

جواب: الدعاية والإعلانات؟ أهم شيء عندي هو نشر صورتي في وسائل التواصل الاجتماعي بملابسي الثقيلة ونظارتي المستديرة!

نشرت مرة صورة لعضلات يداي الكبيرتين، فربحت بطاقة لحضور مسرحية "كيف سقينا الفولاذ".

سؤال: أليست برواية؟

جواب: صحيح، لكنها تحولت لعرض مسرحي من بطولة فنان الشعب "رابح مشتركوف".

سؤال: كيف ترى تأثير القوى الاقتصادية والسياسية على تشكيل مشاعرك المزيفة؟ هل هم من يقررون مدى غضبك أم أنه مجرد اختيار شخصي؟

جواب: حسنًا، أنا أتلقى دفعات من "العبقرية المؤقتة" منهم بانتظام، أحدث عرض كان توجيه دعوة لتناول بيتزا النخبة في مطعم فاخر! تساعدك بالتحكم بغضبك فيما لو تناولتها مع رشة حكمة من مشاعر سقراط.

تنصت دوريس لإجابات إريك الماكرة، فتتملكها ابتسامة ساخرة تعكس استغرابها وتقول: "حسنًا، إذا كنت تدعي أنك إريك ماركس، فسوف تتمكن تعريف الديالكتيك بسهولة. دعني أخمن، هل هو عبارة عن نوع من الحوار المعقد بين الأفكار المتضاربة؟ أم أنه مصطلح مستعار من تطبيق للمشاعر؟ أو ربما هو اسم مستخدم من قبل الأطفال في تبادل التعليقات على منشوراتك؟

يغمز بعينيه مع ابتسامة ثم يرد إريك: "أوه، أعتقد أن الديالكتيك هو الجزء الذي يقوم به الجميع على مواقع التواصل الاجتماعي عندما يكونون على اختلاف في الرأي، لكنهم يتظاهرون بالتفاهم لأجل الأمانة الاجتماعية. إنه الشكل الأكثر مرونة من التناقض".

تضحك دوريس وتعلق: "إنها إجابة ديالكتيكية جيدة جدًا، إريك".

بينما تجهز دوريس نفسها وتستعد للرحيل، يقول إريك بصوت مبالغ فيه في الجدية ليثير إعجابها ويؤثر في قرارها: "أوه، انتظري! لقد تعلمت شيئًا جديدًا اليوم، إنها تقنية الديالكتيك المرنة".

تتوقف دوريس وتنظر إليه بدهشة، ثم تضحك بشكل مفاجئ وتقول: "حسنًا، يبدو أنك تستطيع قراءة مشاعر الناس بشكل جيد، إريك! لكنني لن أخبرك إن كان قراري ناجم عن تضارب أفكار مرنة حول سلوكك".

يرمي إريك نظرة تفكير في الهواء ويقول: "حسنًا، أعتقد أنني سأكون بحاجة إلى استنساخ مشاعرك لأفهم ذلك بشكل صحيح".

تهز دوريس رأسها: "عذرًا، إريك، لكنك ستحتاج إلى تقديم عرض جيد لاستنساخ مشاعري".

يشيع جو من الضحك بينهما، تغادر الغرفة بينما ينظر إريك نحو صورة كارل ماركس ثم يقول: "بصحتك". ويشرب نخب انتصاره.

*

 

تخيلت كل ما سبق ثم قلت لنفسي: لكن لماذا كنت أظن بأن مشاعرنا الحالية حقيقية؟

يبدو أن هذه الخيالات باتت بالنسبة لي ملاذًا آمنًا أمام كل القسوة التي تطالعنا كلما تجدد صباح.