أثارتْ قضيّة الحكم بالإعدام على الشاعر والتشكيلي الفلسطيني أشرف فيّاض بتهمة "التحرّش بالذات الإلهية"، في السعودية، ضجّة كبيرةً في محاولة إيقاف الحكم، وامتلأت صفحات مواقع التواصل الاجتماعي بعبارات المطالبة بالحرية على هاشتاغ #أشرف_فياض، وتفاوتت ردّات الفعل بين السخرية من الحكم، وبين الغضب والسخط، وذهب الناس إلى النبش في كتاب فياض "التعليمات في الداخل" الصادر عام 2008 عن دار الفارابي- بيروت، لتبحث فيه عما نسب إليه من تهم مثل الدعوة إلى الإلحاد وإنكار وجود الله، إلّا إنهم لم يجدوا شيئًا!
إعدام بعد الاستئناف
الصمت تجاه احتجاز فياض إهانة للمعرفة، الأدب، الثقافة، والفكر، وكذلك للحرية وحقوق الإنسان
كان أشرف فياض قد ألقي القبض عليه في كانون الثاني/ يناير 2014 في مدينة أبها، جنوب غرب السعودية، وصدر عليه حكم بالسجن أربع سنوات مع الجلد ثمانمائة جلدة في نيسان/أبريل 2014، ثم تم استئناف الحكم، وصدر حكم الاستئناف منذ أيام في السابع عشر من تشرين الثاني/نوفمبر بإثبات الردّة ونشر الإلحاد وعقوبة الإعدام!
السبب الحقيقي لاعتقال فياض
وتضاربت الأنباء حول السبب الحقيقي لاعتقال فياض، حيث ذكر والده في مقابلة صحفية على قناة فرانس 24 أن ابنه اعتقل من المقهى بعد مشادّة كلاميّة بينه وبين أحد أصدقائه على إثر مباراةٍ لكرة القدم، هدده صديقه أثناءها بالترحيل من السعودية ووضعه في السجن بحكم علاقته الوطيدة مع جماعة "الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر"، أي أنّ الدعوى كيديّة وباطلة ولا أساس لها من الصحّة، فيما تداول ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي ما سمّوه "السبب الحقيقي لاعتقال فياض"، وهو فيديو نسب لفياض تصويره، وهو يوثّق اعتداء جماعة الأمر بالمعروف على طفل وتعنيفه، كلا الأمرين محتمل إلّا أن الثاني أكثر منطقيّة ربّما.
منظمة العفو الدولية تطالب بالإفراج الفوري
في سياق الحملة المطالبة بالإفراج عن فياض، أصدرت منظمة العفو الدولية بيانها بخصوص حكم الإعدام الصادر بحقه، وتبنّت آفاز تحويله إلى عريضة لجمع خمسمائة توقيع، وجاء في البيان: "رفضت طلبات الزيارة والتمثيل القانوني للشاعر، ونحن ندين هذه الأعمال التي تستهدف ترهيب أشرف فياض كجزء من حملة أوسع للتحريض على الكراهية تجاه الكتّاب، واستخدام الإسلام لتبرير القمع وسحق حرية التعبير، نعرب عن تضامننا مع فياض، على أمل زيادة الدعم للشاعر، وكذلك الضغط للإفراج عنه"، وأضاف البيان: "نحن ندعو المثقفين والفنانين السعوديين بشكل خاص للتعبير عن التضامن مع فياض ضد ممارسات التخويف التي يقوم بها التكفيريّون، والتي تهدف إلى إسكات الشعراء والمبدعين، الصمت تجاه احتجاز فياض إهانة للمعرفة، الأدب، الثقافة، والفكر، وكذلك للحرية وحقوق الإنسان".
تهمة مبتكرة!
منذ محاكم التفتيش، إلى الديكتاتوريات الشمولية، إلى "الدولة الإسلامية"، إلى السعودية؛ لا تزال تهم التجديف هي ذاتها
منذ محاكم التفتيش وسلطة الكنيسة وتهم التجديف وازدراء الأديان، إلى الديكتاتوريات الشمولية وتهم المساس بهيبة الدولة، إلى "الدولة الإسلامية" التي تقطع الرؤوس بتهمة الردّة، إلى السعودية وتهم التحرش بالذات الإلهية! العقلية ذاتها، الاسم اختلف. قتل المختلف وترهيب الذين يمكن أن يتبعوه، واستعمال شعاراتٍ كبرى وفضفاضة لها علاقة بمقدسات ومحظورات كالله والدولة!، فأي دولة تلك التي تضعف هيبتها من رأي مواطن؟ كذلك كانت تعليقات الناس على مواقع التواصل: "كيف يمكن التحرّش بالذات الإلهية؟/ التهمة بحد ذاتها إساءة للذات الإلهية/ مالفرق بينكم وبين داعش؟/ لأول مرّة يلقى القبض على متحرّش دون أن يطعن في شرف المتحرّش بها!/ أب يتحرّش بابنته ويغتصبها فيخرج بمناصحة، وشاعر يعدم بتهمة التحرّش بالذات الإلهية! فقط في #السعودية".
أما فياض وبعيدًا عن هذا اللغط الذي يدور حوله وهو صامتٌ في زنزانته، يعود بالزمن أربعة عشر عامًا، فيتنبّأ بالمنفى شاعرًا، وينظّر للجنة من وجهة نظر فلسطينيّة، ويقول في قصيدته "المبشرون بالمنفى" التي كتبت عام 2002: "المنفى يتحضر لاستقبال البعض/ في المنفى سلمٌ وهدوءٌ/ تجدون الجنة في المنفى!/ الجنة/ في عبق اللوز ورائحة الليمون/ الجنة في حبات تراب تفهم لغتي/ تدرك كم أعشقها./ الجنة في رائحة الحقل البائر/ في أصوات ثكالى يندبن الزوج وفقد الابن/ الجنة في قلب الأم وعين الطفل المتيتم./ الجنة../ أن أطلي بدمائي جدران البيت./أن تُقرع أجراس المهد../ وتقام صلاة الجمعة تحت سماء الحرية./ الجنة في قلبي../ أحملها للمنفى".
اقرأ/ي أيضًا: