تصدح عبارة المساواة بين الرجل والمرأة في محافل ومنابر عربية عديدة من خلال جملة مطالب حقوقية تشدد وتؤكد على أن المرأة العربية يجب أن تتشابه مع الرجل ويجب تحقيق العدل بينهما في الحقوق والواجبات. وقد انقلبت مع الوقت ردة الفعل على هذه المطالب فصارت هذه الأفكار وسيلة عند البعض للتهكم على سلوك النساء أو حتى على طريقة معاملة الرجل للمرأة ونظرته لها. وينسحب ذلك ليُطبق بقصر نظر على سلوك يومي اجتماعي ينظر من خلاله الرجل للمرأة بشكل منقوص في حقيقة الأمر.
التعابير المنقولة شفويًا والمعتمدة رسميًا في مجتمعاتنا العربية لا تزال تؤسس للتهميش، فرض العزلة وتكريس نزعة تفوق الرجل على المرأة
ولفهم هذا التوصيف يقول مؤيد، طالب سوري، لـ"الترا صوت": "المرأة في مجتمعنا مميزة". ويوثق كلامه بمثال يومي. وهو الطابور البشري المنتظر أمام فرن الخبز، ويكمل: "إن وجدت المرأة بين عدد كبير من الرجال أمام الفرن أو في مكان مشابه فستكون مميزة، ويعود السبب في ذلك لأن الجميع سيتسابق ليعطيها دوره بشراء الخبز".
يبدو الأمر الإشكالي في الكلام أعلاه أن الرجل الذي يعطي المرأة دوره أو يطلب من الرجال الآخرين أن تعطى المرأة الواقفة على طابور الفرن الحق بالشراء قبلهم، يقصد اعترافًا ضمنيًا بعدم قدرتها على الوقوف طويلًا في مكان يكثر فيه الرجال، ووجوب مساعدتها في ذلك الظرف يعترف في جوهره بأنها مخلوق لا يقوى على الفعل وموجود في مكان لا يجب أن يتواجد فيه وهذا ينطبق على الكثير من الأفعال في الحياة اليومية التي يتم التعامل معها بنفس المقاييس.
اقرأ/ي أيضًا: هل المرأة إنسان؟
خطورة تسمية المساواة والتشابه
ترى ناشطات وحقوقيات في مجال المرأة أن عبارة المساواة بين المرأة والرجل "ممجوجة" ومستهلكة، لأنها لم تنتج منذ زمن بعيد أي تغيير ولم تتبدل معها سلوكيات وممارسات محددة تجاه الاعتراف بحقوق المرأة رغم تكريس الفكرة في بعض المجتمعات العربية.
ترى لمى، ناشطة حقوقية سورية، أن "كلمة مساواة تُعرّف بمنطق مختلف عما هي عليه، فقد تبدل وقع الكلمة وتأثيرها، وصارت كلمة كسولة حين باتت المطالبة بها وتكريسها أشبه باعتراف معلن أن المرأة أقل شأنًا من الرجل لذلك نطالب بحقوقها ونؤكد على تميزها".
وفي ذات السياق، تقول أمل، طبيبة نسائية سورية، "موضوع تحرر المرأة في سوريا مهمل ومعطل، مثله مثل مشاكل عديدة طغت عليها الشعارات الرنانة والأقاويل واقتصرت على ذلك فقط، فلم تذهب أبعد من كونها شعارًا يراد منه التعبير عن ديمقراطية وهمية".
تعترف الكثير من المنظمات الحقوقية بارتباط موضوع احترام المرأة وحقوقها بشكل مباشر مع العادات والتقاليد المجتمعية، التي أخذت وقعًا أقوى وأكثر تأثيرًا من القوانين المدنية والشرعية. ولذلك يُهتم بالأعراف الاجتماعية كثيرًا، حتى صارت تعتبر جوهرًا يدور حوله الجميع وتُرتب بحسبه ممارسات الأفراد.
اقرأ/ي أيضًا: مقدم "المنار": حدود المرأة مطبخها!
النصف الآخر
تتداول في مجتمعاتنا بعض التعبيرات والتوصيفات مثل المرأة نصف المجتمع والنصف الآخر من الإنسانية ويؤسس أنها لذلك يجب أن تتشابه مع الرجل. في الحقيقة، المفهوم والمعبر عنه في مثل هذه العبارات أبعاد ثورية ومطالب تحررية، ولكنها جوهريًا تبقى حاملة دون قصد معنى التهميش والعنف، كوضع المرأة في المكان الآخر أو المرتبة الثانية واعتبارها كائنًا تابعًا مكملًا رغم معنى المناصفة التي يحملها التعبير. وهكذا فإن التعابير المنقولة شفويًا أو المعتمدة رسميًا تؤسس في أحد جوانبها للتهميش وتفرض العزلة وتكرس نزعة تفوق الرجل في مجتمعاتنا.
الأفكار المسبقة
رغم محاولات الاعتراف بحقوق المرأة إلا أن سلطة العادات والتقاليد استطاعت رفض قوانين مدنية وتكريس أخرى تطبق المساواة لكن حسب رؤيتها
تعاني بعض النساء السوريات والعربيات عمومًا في أوروبا، خصوصًا القادمات الجدد، من صورة مسبقة لدى الأوروبيين حول المرأة العربية، وتظهر بشكل واضح عند تعريف المرأة العربية عن نفسها عبر عمل ما أو سلوك لم يكن يتوقع الأوروبيون وجوده أو حقها فيه.
يظهر ذلك مثلًأ في موضوع الحجاب على وجه الخصوص، حيث يثير الاستهجان والاستغراب سواء وضعته على رأسها أم لم تضعه. على سبيل المثال، يتوقع البعض أن كل النساء العربيات يرتدين الحجاب ويخلعنه عند وصولهن إلى أوروبا، أو في موضوع إشكالي كالمساكنة والعيش المشترك قبل الزواج، حين صار للأزواج من السوريين أو غيرهم، الحق والحرية باختيار شكل الحياة مع الشريك التي يرغبون بها. غالبًا ما يثير هذا الموضوع استغراب الأوروبي مثل العربي تمامًا، وقد يرى الأول أن المرأة العربية بدأت تشكل وعيها بحريتها وتحررها بعد وصولها إلى أوروبا أو أنها استقت الأمر من الأفكار الأوروبية الديمقراطية في الجوهر والتسمية.
اقرأ/ي أيضًا: المساكنة.. تابو آخر يسقط
تحمل تلك الأفكار المسبقة إلى جانب جملة من التعابير والتعريفات الشفوية والرسمية عنفًا معنويًا تجاه مفهوم حقوق المرأة، وزادت إشكاليته بعلاقة البعض مع المجتمع الأوروبي الجديد بالنسبة للاجئ أو المهاجر، وتنطوي هذه الأفكار على نظرة منقوصة وأحادية الجانب للمرأة حتى لو حملت اعترافًا ظاهريًا بحقوقها. ويعود ذلك برأي الأغلبية لسلطة عادات وتقاليد مجتمعية استطاعت رفض قوانين مدنية وتكريس أخرى تطبق المساواة حسب رؤيتها ومعاييرها.
اقرأ/ي أيضًا: