الدمار الواسع الذي خلّفه العدوان الإسرائيلي المستمر على قطاع غزة أعاد الفلسطينيين إلى أعوام ما قبل النكبة، فيما يتعلق بإعادة ترميم بيوتهم باستخدام ما توفر من مواد، تحسبًا للشتاء القادم.
وسط الأنقاض، يخلط عبد الرحمن أبو عنزة الطين بالماء بيديه، ويوزّع الخليط لبناء جدار جديد باستخدام ما تبقى من حجارة منزله المدمّر.
يتحدث عبد الرحمن، وهو يرتدي قبعة تحميه من أشعة الشمس في يوم خريفي، لوكالة "فرانس برس"، قائلاً إن منزله كان قديمًا ويعود إلى عام 1936. وقد تمكن من جمع هذه الحجارة لإعادة بناء جدار يحميهم، ثم يخطط لاحقًا لإعادة بناء المنزل بالكامل.
يقول محمد شانينو: "لا يوجد إسمنت، أما البديل فهو الطين. لقد رجعنا إلى ما قبل 70 عامًا، إلى أيام أجدادنا، وعدنا نبني بالطين"
تنتشر حول منزل عبد الرحمن مبانٍ لم يتم الانتهاء من تشييدها، لكنها تضررت بسبب العدوان الإسرائيلي المستمر منذ أكثر من عام.
ومثل عبد الرحمن، يستخدم العديد من سكان مدينة خانيونس الوسائل القليلة المتاحة لترميم منازلهم مع اقتراب فصل الشتاء وانخفاض درجات الحرارة.
يتذكر كثيرون كيف غمرت مياه الأمطار خيام آلاف النازحين في الشتاء الماضي، مما جعلهم يعانون من البرد ويرتجفون في المنطقة الساحلية ذات الرطوبة العالية.
قبل العدوان، كانت مواد البناء تصل بصعوبة وبكميات قليلة إلى قطاع غزة، بسبب القيود الصارمة التي فرضتها السلطات الإسرائيلية على استيراد الأسمنت خشية استخدامه في بناء الأنفاق.
🎥 حملات توعية بين خيام النازحين للأطفال لتحذيرهم من اللعب والمساس بالأجسام الغريبة ومخلفات الحرب في #غزة. @palestineultra pic.twitter.com/XpCub1TexG
— Ultra Sawt ألترا صوت (@UltraSawt) November 20, 2024
حاليًا، أصبحت هذه المواد محظورة كليًا بسبب الحصار الذي يفرضه الاحتلال على القطاع. وقد دعت العديد من منظمات الإغاثة الدولية، منذ الصيف، إلى إدراجها مجددًا على قائمة المواد المصرح بها، تحسبًا للشتاء القادم.
بدوره، يقول محمد شانينو: "لا يوجد إسمنت، أما البديل فهو الطين. لقد رجعنا إلى ما قبل 70 عامًا، إلى أيام أجدادنا، وعدنا نبني بالطين". وأشار إلى منزله المكون من ثلاثة أدوار والذي تحول إلى ركام، قائلاً: "الطين جيد، ونحن مستعدون للعيش في مساكن مبنية بالطين لمدة 20 سنة". وتابع: "أعادونا إلى حياة بدائية، إلى 60 أو 70 سنة خلت".
يتحدث محمد عن استعادته حوالي 700 قطعة حجرية من منزله السابق لإعادة بناء غرفة واحدة أصغر حجمًا يعيش فيها الآن مع جميع أفراد عائلته، موضحًا أن أولاده يقولون إن "الجو داخل الغرفة أكثر دفئًا من الخيمة".
ولبناء السقف، استخدم محمد الصفائح المعدنية والقماش المشمع، وترك في الجدار فتحة كبيرة بمثابة نافذة تغطيها ستارة رقيقة. لكن الجدران المتصدعة لا تمنع الرياح التي تتسلل عبرها وتعصف بالغرفة من كل جانب.
في غزة، لا تنخفض درجات الحرارة في فصل الشتاء عن 6 درجات مئوية، لكن معدلات الرطوبة تشكل التحدي الأكبر، حيث تتسرب عبر الملابس التي لا تجف في هذه الظروف المعيشية الصعبة.
منذ زمن، قبل بعض سكان قطاع غزة فكرة العيش في منازل مؤقتة بسبب نقص مواد البناء. وتشير نداء الجرن، وهي حافية القدمين، إلى المكان المتواضع الذي تسكن فيه، قائلة: "هذه الغرفة مبنية من حجارة أخذناها من البيوت التي تهدمت. قمنا بإصلاحها وبنيناها بالطين حتى نعيش".