طوى النجم الألماني صاحب الأصول التركية مسعود أوزيل صفحة أثارت الكثير من الجدل، وأعلن اعتزاله اللعب بصفوف المانشافت، بعد أسابيع من الضغوط التي تعرّض لها بسبب صورة جمعته بالرئيس التركي رجب طيّب أردوغان، إذ شنّت الصحافة الألمانيّة حملة ضخمة تجاهه انتقدت فيها هذه الصورة، كما وجد مسؤولو المنتخب الألماني ذلك فرصة ذهبيّة لتغطية فشل فريقهم بمونديال روسيا، فجعلوا من أوزيل كبش فداء قد يُنسي الجماهير الألمانية خيبة كأس العالم الكبرى، رغم أن الأرقام تؤكّد عدم صحّة أقوالهم، إذ كان أوزيل من أفضل عناصر المانشافت في المونديال، لكنّ اليد الواحدة لا تصفّق.
أوزيل: لماذا تتم الإشارة لي على أنني ألماني تركي؟ هل لأنها تركيا؟ هل لأنني مُسلم؟ أعتقد أن هنالك مشكلة
الغريب في الأمر أن حادثة عنصرية كهذه حصلت في منتخب ألمانيا، وفي دولة تعتزّ باحترامها للمهاجرين، وتدّعي نبذها لأيّ تصرّف عنصريّ يميّز بين الفرد والآخر في الدّين والعرق، لكنّ الحادثة هذه لم تكن فرديّة، ولم تكن فقط عبارة عن حملة منظّمة من وسائل الإعلام الألمانية، بل وصل الأمر لمسؤولين كبار من الاتحاد الألماني لكرة القدم، وكأن المانشافت نسي فضل أوزيل بإحراز الفريق بطولة أوروبا تحت 21 عاماً، وكأس العالم 2014، كذلك كأس القارّات 2017. وكما قال أوزيل نفسه في بيان الاعتزال ، "أنا ألماني حين نفوز.. وحين نخسر أنا مهاجر..!"، وهل نسي الاتحاد الألماني لكرة القدم فضل اللاعبين المهاجرين على المنتخب؟، فهنالك ميرسلاف كلوزه هدّاف كأس العالم التاريخي من أصول بولندية، كذلك الحال بالنسبة للاعب لوكاس بودولسكي، ناهيك عن سامي خضيرة تونسي الأصل، وجيروم بواتينغ من غانا.
بدأت القصّة في شهر أيار/مايو الماضي عندما انتشرت في مواقع التواصل الاجتماعي ووكالات الأنباء صورة جمعت الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بثلاثة لاعبين، وهم لاعب منتخب تركيا ونادي إيفرتون سينك توسان، ومسعود أوزيل نجم الآرسنال، وزميله إلكاي جوندوجان نجم مانشستر سيتي، واللاعبان الأخيران لهما أصول تركيّة لكنّهما وُلدا في مدينة غيلسينغرشن الألمانيّة، وجرى اللقاء في لندن عشيّة لقاء الرئيس التركي برئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي، وكانت العلاقة حينها شديدة الحساسية بين ألمانيا وتركيا بسبب الانتخابات الرئاسيّة المزمع عقدها في تركيا، والتي فاز بها أردوغان لاحقاً من الجولة الأولى.
اقرأ/ي أيضًا: لعنة حامل اللقب.. ألمانيا عاشر بطل يفشل في أولى مبارياته في المونديال
أسالت هذه الصورة الكثير من الحبر في الصحافة الألمانية، وانتشرت تصريحات رئيس الاتحاد الألماني لكرة القدم راينهارد غريندل والنجم الألماني السابق أوليفر بيرهوف كالنار في الهشيم، فقال الأوّل "ليس بالأمر الجيد أن يضع لاعبانا الدوليان نفسيهما موضع الاستغلال في حملة أردوغان الانتخابية، بالتأكيد هذا لا يخدم جهود الاتحاد في دمج اللاعبين"، بينما وصف بيرهوف التقاط اللاعبان الألمانيان صورة مع أردوغان بـ "التصرّف غير الصحيح"، وهنا حدثت بلبلة داخل معسكر المانشافت بسبب تصريح مسؤولين كبار من المنتخب حول ذلك، وطالبت الصحافة الألمانية يواكيم لوف بحرمانهما من المشاركة في المونديال، ومع خروج المانشافت المهين من كأس العالم أُعيد الكلام عن هذه الواقعة، في محاولة لخلق كبش فداء يغطّي نكسة الفريق، إذ تمّ تشكيل لجنة تواجد بها بيرهوف وغريندل من أجل بحث أسباب إخفاق المانشافت، وكان الأمر الغريب هنا جعل أوزيل سبباً رئيسيّاً للإخفاق، علماً أنّه أكثر لاعب صنع فرصاً في المونديال، ليس في المنتخب الألماني فقط، بل هو أكثر اللاعبين صناعة للفرص في كأس العالم الأخيرة بواقع 5.5 فرصة في كلّ مباراة، وهو أيضاً أكثر لاعب صناعة للأهداف في تاريخ منتخب ألمانيا، إذ صنع بمفرده 33 هدفاً بفارق 10 أهداف عن توماس مولر.
خرج أوزيل عن صمته يوم الأحد 22 تموز/يوليو، عندما غرّد على تويتر بياناً موزّعاً على 3 تغريدات أكّد في مطلعه أنه كتب ذلك بعد أسابيع من التفكير، وأنّه أراد من خلال هذا البيان مشاركة العالم بما يشعر ويفكّر به، كذلك أعلن اعتزاله اللعب دولياً للمنتخب الذي ارتدى قميصه "بفخر شديد وحماس كبير"، لكنّه الآن يشعر بـ "العنصريّة وعدم الاحترام".
وأفصح أوزيل في بيانه أن صورته مع أردوغان لا تحمل أيّ طابع سياسي، بل تمثّل احتراماً للبلد الذي تنحدر منه عائلته، وأضاف " إن كنت قد نشأت في ألمانيا فإن جذور عائلتي تعود لدولة تركيا، لدي قلبان أحدهما الماني والآخر تركي، في طفولتي علمتني والدتي أن أكون محترماً دائماً وألا أنسى أصولي إطلاقاً وهذه هي القيم التي لازلت أمتلكها حتى اليوم، في أيار/مايو قابلت الرئيس التركي في لندن ضمن لقاء تعليمي خيري، لقد قابلته أول مرة في عام 2010 عندما شاهد لقاء المانيا وتركيا مع الرئيسة أنجيلا ميركل في برلين.. الإعلام الألماني أخذ الموضوع لجانب مختلف، الحقيقة هي أنه برفضي لقاء الرئيس التركي يعني عدم احترام جذوري، لا يهم من يكون الرئيس".
اقرأ/ي أيضًا: لماذا خرجت ألمانيا من الدور الأول لمونديال 2018؟
وكشف أوزيل عن الخيبة التي بداخله عندما قال في البيان، "الصحف الألمانية استخدمت صورتي مع الرئيس التركي كغطاء لقضاياهم السياسية، لم يكن هناك انتقاد لأدائي او لأداء الفريق ولكن وجه اللوم لأصولي التركية، لقد تم مس حياتي الشخصية وهو أمر لا يجب التحدث عنه مطلقاً، ما يحبطني هو ازدواجية المبدأ لدى وسائل الاعلام الالمانية ، لوثر ماثيوس قابل احد قادة العالم قبل أيام و لم يتحدث اي من وسائل الإعلام عن الأمر، لم يتم سؤاله عن فعلته واستمر في منصبه كممثل للاعبي منتخب ألمانيا دون اي لوم".
وكان أوزيل أكثر وضوحاً تجاه العنصرية التي لاقاها من رئيس الاتحاد الألماني لكرة القدم، "حين يعاملني أشخاص ذو مناصب رفيعة داخل الاتحاد الألماني بهذا الشكل، ولا يحترمون أصولي التركية، وبكل أنانية يحولوني إلى دعاية سياسية، فإذاً قد طفح الكيل، في نظر جريندل رئيس الاتحاد ومسانديه، أنا ألماني حين نفوز لكن حين نخسرأنا مهاجر، رغم دفع الضرائب في ألمانيا ورغم تبرعي للمدارس وتحقيق كأس العالم 2014 ، ما زلتُ غير مقبول في المجتمع وأُعامَل بطريقة مختلفة، عام 2015 تم اختياري سفيرًا للكرة الألمانية لكن من الواضح أنني لست ألمانيًا الآن..! ما هي المقومات لتكون ألمانياً خالصاً والتي لا أتماشى أنا معها ؟ صديقاي ميروسلاف كلوزه ولوكاس بودولسكي لا يتم الإشارة إلى أيٍ منهما على أنه ألماني بولندي، اذًا لماذا تتم الإشارة لي على أنني ألماني تركي ؟ هل لأنها تركيا ؟ هل لأنني مُسلم؟ أعتقد أن هنا تكمن مشكلة هامة.."
ردّت الصحافة الألمانية بعناوين شامتة بأوزيل، حيث ذكرت صحيفة دي فيلت بعنوانها جملة "رسالة من مسعود" وكتبتها باللغة الإنجليزية، في إشارة منها للغة بيان أوزيل، منتقدة بيان أوزيل لأنّه لم يصدر بالألمانية، أيضاً شكّكت صحيفة بيلد ببيان اللاعب ووصفته بالمشوّش، كذلك أوردت صحيفة فوسبال بيلد في غلافها الصادر اليوم عنوان "أوزيل لن يمثّل ألمانيا مجدّداً".
أوزيل: لدي قلبان أحدهما الماني والآخر تركي، في طفولتي علمتني والدتي أن أكون محترماً دائماً وألا أنسى أصولي إطلاقاً
كان ردّ فعل رئيس نادي بايرن ميونيخ صبيانيّاً جدّاً، ففي تصريحات له نقلتها صحيفة بيلد عقب إعلان أوزيل اعتزاله اللعب دوليّا قال أولي هونيس "آخر التحام فاز به أوزيل كان قبل مونديال 2014، والآن يخفي نفسه وأداءه البغيض خلف صورته مع أردوغان"، وتابع "أنا مسرور لأن هذا الكابوس انتهى، أوزيل كان خارج الخدمة منذ سنوات"، وواصل السخرية من أوزيل عندما قال تصريحاً لن تنساه جماهير آرسنال الإنجليزي "كلما لعبنا ضد آرسنال، كنا نستغل وجوده، لأننا كنا نعرف أنه ثغرة ونقطة ضعف في خطة المنافس".
وبعكس هذه التصريحات ساندت وزيرة العدل الألمانية كاتارينا بارلي اللاعب تركي الأصل، وقالت في تغريدة لها على تويتر "إنذار لنا ألا يشعر لاعب كرة قدم كبير مثل أوزيل بأنه محبوب في بلاده، بسبب العنصرية"، كذلك ساند أوزيل زميله في المنتخب الألماني اللاعب غاني الأصل جيروم بواتينغ، حيث غرّد في تويتر قائلاً باللغة التركية "كان من دواعي سروري اللعب معك يا أخي".
اقرأ/ي أيضًا:
"المانشافت" يقهر المستحيل ويخرج لأول مرّة مبكّرًا من المونديال!
ألمانيا تعود في الرمق الأخير.. قلب القواعد على عادة "المانشافت"