نشرت صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية تحقيقًا مطولًا يحلل تفاعلات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عبر حسابه الرسمي على تويتر، منذ توليه مهامه في البيت الأبيض.
توصلت تحليلات تغريدات ترامب والتفاعل معها، إلى أن الرئيس الأمريكي يقضي وقتًا طويلًا في الاختلاط بالجواسيس والمتطرفين والدجالين
وراجع التقرير 11 ألف تغريدة كتبها ترامب أو أعاد تغريدها منذ توليه الرئاسة، محللًا طبيعة تلك التغريدات والبيانات والحسابات التي تقود بإعادة تغريدها.
اقرأ/ي أيضًا: الديمقراطيون يهيّئون أنفسهم للجلسات العلنية.. هل أصبح عزل ترامب قريبًا؟
النتيجة التي توصلت إليها التحليلات التي أجرتها نيويورك تايمز، أن الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، يقضي وقتًا طويلًا في الاختلاط مع الجواسيس واليمينيين المتطرفين، والدجالين!
تويتر ترامب.. من نظرية المؤامرة إلى "أمريكا أولًا"
يرصد التحقيق الذي أعدته الصحيفة الأمريكية جميع التغريدات التي غردّها أو أعاد تغريدها مع تعليق أو بدون تعليق، الحساب الرسمي لدونالد ترامب، منذ توليه الرئاسة الأمريكية في 20 كانون الأول/يناير 2017 حتى 15 تشرين الأول/أكتوبر الماضي.
فيما راجعت مجلة التايمز البريطانية إذا كان ترامب قد تحقق من الحسابات التي يعيد التغريد عنها، وبعدها عملت على التحقق مما إذا كانت شركة تويتر قد علّقت الحساب أم ما زالت مفعّلة على المنصة.
ويشير تحقيق نيويورك تايمز في أحد الأمثلة التي استخرجت من تحليل حساب ترامب، إلى أن أحد الحسابات الغامضة على تويتر، قام في شهر أيلول/سبتمبر الماضي، بالترويج لوجود مجموعة مناوئة للرئيس ترامب داخل الحكومة الأمريكية.
واستخدم الحساب في تغريدته وسم "FakeWhistleblower#". وكانت التغريدة معتادة من الحساب الذي يروج للمحتوى اليميني المتطرف، ونظرية المؤامرة المعروفة باسم "Qanon" أو "كيان كيو". ويعتقد أتباعه أن المتحرشين بالأطفال جنسيًا و"عبدة الشيطان" يسيطرون على الدولة العميقة في الولايات المتحدة!
بعد نشر التغريدة قام أحد الأعضاء الجمهوريين في الكونغرس الأمريكي، بإعادة التغريد تحت نفس الوسم. وبعد أسبوع من تغريدة العضو الجمهوري، انضم المئات من المؤمنين بنظرية "كيان كيو"، ونشطاء حملة MAGA (اجعل أمريكا عظيمة مرًة أخرى) شعار حملة ترامب الانتخابية لنشر تغريدات تضمن الوسم ذاته.
ونشر هؤلاء التقارير الوهمية في محاولة لتقويض التحقيق الذي تجريه لجان الكونغرس الأمريكي بناءً على دعوى تقدم بها أحد المخبرين السريين، يقول فيها إن ترامب مارس ضغوطًا على نظيره الأوكراني فولدومير زيلينسكي، للتحقيق بأعمال نائب الرئيس الأمريكي الأسبق، والمرشح الديمقراطي للانتخابات الرئاسية القادمة جو بايدن، وابنه هانتر بايدن.
نظرية "كيان كيو"
وفقًا لصحيفة الإندبندنت، ظهرت نظرية المؤامرة "كيان كيو" لأول مرة في تشرين الأول/أكتوبر عام 2017. ويعتقد المؤمنين بنظرية المؤامرة هذه، أن صاحبها لديه تصريح "كيو - Q" الذي يخوله الوصول للوثائق السرية داخل وزارة الطاقة الأمريكية.
وتقول الصحيفة، إن المؤمنين بالنظرية من مؤيدي ترامب، نظرًا لأن منشوراتهم تتحدث عن أن "الدولة العميقة" تفسد عمل ترامب، وتدلل على ذلك بأنه بعد ظهورها بفترة أصبح لها مؤيدين بين التجمعات المؤيدة لترامب.
إعادة التغريد "عمياني"
تعليقًا على ذلك، تقول نيويورك تايمز: "هكذا تبدو فترة رئاسة ترامب على تويتر: دورةٌ من الحياة التي تقودها المؤامرة، وتحذر من الدولة العميقة"، مذكرةً باتهام ترامب لرئيسة مجلس النواب، نانسي بيلوسي، بـ"الخيانة"، ووصفه لمن ينتقد الجمهوريين بأنهم "حثالة الإنسانية".
ساعد خطاب ترامب هذا في اتساع رقعة ثقافة الشك بين أنصار الحزب الجمهوري، في مقابل منح الثقة والتأييد من قبل ترامب للقوميين البيض واليمين المتطرف وأنصار نظرية المؤامرة، ممن يعيد نشر تغريداتهم التي تتضمن روايات مشبوهة، دون إعطاء أي اعتبار لهويتهم أو دوافعهم، المعلنة، كما فعل مع أحد الحسابات المجهولة، ويعرف بـ"VB Nationalist"، وهو حساب يغرد حول كبار الأعضاء الديمقراطيين، واصفًا إياهم بـ"عبدة الشيطان"، ويتهمهم بأنهم يشاركون في تجارة الجنس بالأطفال!
ووفقًا لتحليل تايمز البريطانية، فإن الحسابات المزيفة التي تديرها أجهزة الاستخبارات الإيرانية والصينية والروسية، قامت بتوجيه الآلاف من التغريدات لحساب ترامب على تويتر، فبعد انسحاب واشنطن من الاتفاق النووي الإيراني قام نشطاء إيرانيون بتغريد أناشيد معادية للسامية، واتهموا ترامب بأنه مُسيطَر عليه من "الصهاينة العالميين".
وكذلك الأمر مع الحسابات الروسية التي قالت إن كوريا الشمالية هي المستفيدة من الانسحاب من الاتفاق النووي، فضلًا عن نشر التغريدات الداعمة لبناء الجدار الحدودي مع المكسيك، وتهديد ترامب للاعبي كرة القدم من ذوي البشرة السمراء، فيما قام ترامب بإعادة تغريد إحدى التغريدات المنشورة عبر حساب روسي مزيف يقول فيها: "سيدي الرئيس.. نحن نحبك".
وترامب خلال الفترة الماضية أعاد ترامب تغريد عما لا يقل عن 217 حسابًا لم يتم التحقق منها من قبل شركة تويتر، من بينها 145 حسابًا غرّدت حول نظرية المؤامرة والتطرف.
ومن ضمن الـ145 حسابًا قامت شركة تويتر بتعليق عمل أكثر من 20 حسابًا لاحقًا. كما قام ترامب بإعادة التغريد من حساب دون أن يتحقق منه، يتهم أنصار الرئيس السابق باراك أوباما بتدبير الاحتجاجات لتخريب فترة رئاسته.
وبتحليل حساب ترامب على تويتر، تبيّن أنه يتابع 47 شخصًا فقط، وهم أشخاص محددون من أفراد العائلة والمشاهير، ومقدمي البرامج على شبكة فوكس نيوز الأمريكية، من المعروفين بتأييدهم لترامب ومهاجمتهم خصومه السياسيين، بالإضافة لبعض السياسيين الجمهوريين.
ومن هؤلاء الذين يتابعهم ترامب، ثمة من يتابع حسابات تروج لنظرية المؤامرة، وتتبنى خطاب القوميين البيض، والخطابات اليمينية المتطرفة.
وعندما فاز ترامب في الانتخابات الرئاسية، في 2016، أجاب ردًا على سؤال مرتبط بطبيعة تغريداته، بأنه "لا يوجد شيء يخجل منه"، متعهدًا بأن "يضبط نفسه بشدة" عند التغريد.
لكنه منذ فترة مبكرة من توليه مهامه الرئاسية، بدأ البحث عن الأخبار الزائفة التي تتحدث عن نتائج التحقيق حول التدخل الروسي في انتخابات الرئاسة الأمريكية عام 2016.
وإلى جانب تغريداته الخاصة، قام ترامب بإعادة التغريد لحسابات أخرى، حيثُ يقضي الوقت في البحث عن المحتوى الذي يشيد به، ويغرد مهاجمًا الأحزاب أو يقوم بنشر تغريدات تحريضية.
وكان ترامب قد تلقى تحذيرًا من لجنة الرقابة في الكونغرس الأمريكي بعد شهرين من توليه الرئاسة، بسبب حذفه بعض التغريدات وإعادة تغريدها مجددًا، نظرًا لاعتياده تهجئة الكلمات بطريقة خاطئة، ما يضطره لحذفها وإعادة كتابتها مجددًا.
وقال عضوان في اللجنة حينها، إنه "تم الإبلاغ عن أن الرئيس ترامب يمسح التغريدات. وإذا لم تكن هذه التغريدات مؤرشفة، فإن ذلك يعني خرقًا للقانون الفدرالي"، نظرًا لأن تغريدات حساب ترامب الرسمي تصنف على أنها سجلات رئاسية يجب حفظها وأرشفتها.
أكثر من 30 تغريدة في أقل 24 ساعة!
بدا ترامب معتمدًا بشكل أساسي على تويتر للإعلان عن مواقفه الرسمية داخليًا وخارجيًا، بعد أن استغنت إدارته خلال الأعوام الثلاثة الماضية، بنسبة كبيرة، عن البيانات الرسمية، واستبدالها بتغريداته الغزيرة على تويتر.
ووجد أنه في بعض الأحيان، تتجاوز تغريدات التي تعيد تغريد تصريحاته، ألف تغريدة في الدقيقة، إضافًة لوجود غياب شبه تام للمتحدث الرسمي باسمه، حيثُ يقوم بإقالة أو تعيين المسؤولين في إدارته عبر التغريد على تويتر!
وعلى سبيل المثال، أشارت صحيفة "بيزنس إنسايدر" الأمريكية إلى أن ترامب قام، خلال أقل من 24 ساعة، ما بين يومي 27 و28 أيلول/سبتمبر الماضي، بالتغريدة أكثر من 30 مرة! كان ذلك بعد أن صوت الديمقراطيون في الكونغرس الأمريكي على قرار مساءلته، تمهيدًا للبدء بإجراءات عزله على خلفية المكالمة الهاتفية مع نظيره الأوكراني.
وهاجم ترامب حينها في التغريدات التي نشرها، الديمقراطيين ووسائل الإعلام التي نشرت تقارير حول القضية، والمُبلِّغ الذي تقدم بالشكوى ضده.
وكان مدير حملة ترامب لانتخابات الرئاسة 2020، براد بارسكيل قد هاجم شركة تويتر بعد إعلانها إيقاف كافة الإعلانات السياسية للتغريدات حول العالم، اعتبارًا من الشهر الجاري.
وغرّد بارسكيل عبر حسابه الرسمي، واصفًا القرار بأنه "غبي جدًا"، معتبرًا "أنها محاولة أخرى لإسكات المحافظين، بما أن تويتر يعرف أن الرئيس ترامب لديه البرنامج الأكثر تعقيدًا على الأنترنت المعروف على الإطلاق".
ما هو تأثير ترامب على مؤيديه في تويتر؟
يعطي ترامب الكثير من الأهمية لحسابه الرسمي، ما دفعه للقاء المدير التنفيذي لتويتر، جاك دورسي، لسؤاله عن سبب فقدانه الكثير من متابعيه على المنصة في نيسان/أبريل الماضي.
وعقب نهاية الاجتماع، نشر ترامب صورة من الاجتماع، أرفقها بتعليق: "اجتماع عظيم جرى اليوم في البيت الأبيض مع جاك من تويتر، ناقشنا الكثير من الأمور حول منصتهم، وعالم التواصل الاجتماعي بشكل عام، أتطلع دائمًا لحوار منفتح".
لكن فيما يبدو أن حساب ترامب الرسمي على تويتر، قد يواجه بعض المشكلات خلال الفترة القادمة مع شركة تويتر، بعد أن أصدرت بيانًا في منتصف شهر تشرين الأول/أكتوبر المنصرم، حذرت فيه قادة العالم من تغريد محتوى مخالف لسياسات المنصة.
وقال البيان: "نريد أن نوضح اليوم أن حسابات قادة العالم ليست مستثناةً من سياستنا الخاصة بالنشر"، موضحةً أن أي مستخدم يقوم بتغريد محتوى يروج للإرهاب، أو التهديدات الواضحة والمباشرة بالعنف، أو ينشر المعلومات الخاطئة؛ سيخضع للحظر.
يُذكر أن البيان جاء بعد أيام قليلة من حذف تويتر تغريدة لترامب تضمنت مقطع فيديو، بعد استلامها شكوى اعتداء على حقوق الملكية تقدمت بها فرقة نيكلباك الموسيقية الكندية.
وعلى الرغم من الأهمية التي يوليها لحسابه الرسمي على تويتر، خاصة في مهاجمة خصومه السياسيين والحصول على الدعم المطلوب من مؤيديه؛ إلا أن البيانات أظهرت أن تأثير ترامب بين مؤيديه ضعيف جدًا مقارنةً بالمعارضين لسياسته، وفقًا لمركز بيو للأبحاث، الذي أشار إلى أن 22% من البالغين في الولايات المتحدة يستخدمون منصة تويتر، من ضمنهم 55% يعارضون بشدة سياسة ترامب.
ويضيف المركز بأن نسبة تغريدات المعارضين لسياسية ترامب تصل لـ80% من جميع التغريدات في الولايات المتحدة، و72% من التغريدات حول السياسة الوطنية في العام الماضي.
تظهر الإحصائيات أن تأثير دونالد ترامب بين مؤيديه على موقع تويتر، ضعيف جدًا بالمقارنة بالمعارضين لسياساته
فيما ينتج 15% من مناصري ترامب 11% من جميع التغريدات. وتصل نسبة التغريدات المرتبطة بالسياسة الوطنية الصادرة عن المؤيدين لـ25%، فضلًا عن أن من بين 97% من جميع التغريدات كانت نسبة التغريدات حول السياسة الوطنية 10% فقط.
اقرأ/ي أيضًا:
ترامب ومسلسل إطالة اللسان.. الكونغرس ينتفض في وجه الرئيس
تنامي الحركات اليمينية مع مجيء ترامب.. راعي التطرف في الولايات المتحدة