15-نوفمبر-2024
ماكرون ونتنياهو

تعامل تل أبيب فرنسا بنوع من اللامبالاة (رويترز)

يطغى الحذر على الدبلوماسية الفرنسية بشأن إسرائيل، فعلى الرغم من توجيه دولة الاحتلال الإهانة تلو الأخرى إلى باريس، إلا أن الأخيرة اكتفت بالإدانة ولم تستطع اتخاذ إجراءات "عقابية" ملموسة.

بل عمدت إلى ما يُشبه الترضية عن لغة الإدانة، وذلك بإحاطة مباراة دولة الاحتلال مع فرنسا ليلة البارحة برمزية كبيرة، تجسدت في حضور الرئيس إيمانويل ماكرون ورئيس وزرائه والرئيس السابق نيكولا ساركوزي للمباراة، "تكفيرًا" فيما يبدو عن اللهجة الحادة في انتقاد إسرائيل مؤخرًا من جهة، وعن غياب ماكرون للمسيرة التي نُظمت ضد معاداة السامية في تشرين الثاني/نوفمبر من العام الماضي من جهة أخرى، حيث تسبب ذلك الغياب بغضب الجالية اليهودية في فرنسا.

يرى متابعون أن نهج باريس الديبلوماسي اتسم بالمماطلة في التعامل مع قضايا الشرق الأوسط عمومًا، والأزمات الأخيرة مع تل أبيب خصوصًا، والمقصود هنا أزمة اعتقال الشرطة الإسرائيلية اثنين من عناصر الدرك الفرنسي في القدس، وأزمة إلغاء الزيارة التي كانت مبرمجة لوزير المالية الإسرائيلي المتطرف بتسلئيل سموتريتش إلى باريس، وأخيرًا تنظيم المباراة بعد أيام قليلة من أحداث أمستردام.

ويرى موقع "ميديا بارت" الفرنسي أن الأزمة الأولى والثانية كانتا كفيلتان بإضفاء الشرعية على رد فرنسي قوي، بل حتى على نشوب أزمة دبلوماسية بين تل أبيب وباريس، إلا أن الحسابات "العاطفية" طغت على الاعتبارات السياسية، والسبب "صور العنف القادمة من أمستردام".

تراجع التأثير الفرنسي في الشرق الأوسط وباتت باريس تلعب دور المتفرج

تلقي الإهانة بصمت

لاذت السلطة السياسية في باريس بالصمت، وذلك عندما قامت السلطات الأمنية في القدس المحتلة باعتقال اثنين من أعوان الدرك الفرنسي داخل القنصلية الفرنسية، خلال زيارة وزير الخارجية الفرنسي جان نويل بارو إلى إسرائيل.

ورفضت الخارجية الإسرائيلية، والسفير الإسرائيلي لدى باريس أيضًا، تقديم الاعتذار للدولة الفرنسية عن الإهانة رغم تنديد الخارجية الفرنسية بالحادثة، ودعا ذلك بعض المحللين إلى توقع حدوث أزمة دبلوماسية بين باريس وتل أبيب، لكن الأزمة لم تحدث، بل إن باريس فضلت ابتلاع الإهانة ولملمة الأمور دون ضجيج، حيث اكتفت الخارجية الفرنسية ببيان قالت فيه إنه "سيتم اتخاذ الإجراءات اللازمة لضمان عدم تكرار مثل هذه الأعمال"، وذلك بعد مكالمة جمعت وزيريْ الخارجية الفرنسي والإسرائيلي لم يتم نشر تفاصيلها.

دفعت هذه الواقعة وسائل إعلام فرنسية، خاصةً من اليسار، إلى استنتاج أن إسرائيل تعامل فرنسا بنوعٍ من اللامبالاة، فاحتجاجات باريس وتنديداتها لم تحرك الحكومة الإسرائيلية ولم تستدع منها حتى تقديم "اعتذار" يحفظ لباريس بعض كبريائها السياسي. وفسر موقع "ميديا بارت" ذلك بأن "السلطات في فرنسا، بعد كل أزمة، تهتم على الفور بإطفاء النار واسترجاع الصداقة مع إسرائيل".

وكانت القيادية اليسارية والنائب في البرلمان الفرنسي عن حزب "فرنسا الأبية"، ماتيلد بانو، توجهت بسؤال قوي لرئيس الوزراء، وهو: "كيف تجرؤ على الترحيب بأحد أقسى وجوه الإبادة الجماعية في غزة؟"، ورد رئيس الوزراء الفرنسي قائلًا إنه "يجدد إدانة تصريحات سموتريتش"، مضيفًا "ليس هناك أي شكل من أشكال الاتصال الحكومي معه"، الأمر الذي أدى إلى إلغاء زيارة سموتريتش إلى باريس.

لكن هذا الموقف لم يكن على قدر التطلعات، وذلك ما عبرت عنه النائب في البرلمان الفرنسي، صابرينا الصباحي، بقولها متهكمةً "الإدانة جيدة، نحن ندين المجازر، ندين المجاعة، حسنًا، لكن ماذا بعد ذلك؟ وراء الكلمات لا يوجد شيء ملموس، وعدم القيام بأي شيء يعني إعطاء نتنياهو شيكًا على بياض".

ولم تجد الحكومة الفرنسية من ردٍ على تلك الانتقادات إلا التذكير بأنها "فرضت عقوبات ضد 28 مستوطنًا متطرفا في الضفة الغربية، إضافةً إلى الكلمات القوية لماكرون وتحرك الدبلوماسية الفرنسية في الهيئات الدولية لوقف الحرب على غزة".

لكن هذا غير كافٍ بالنسبة لقوة دولية مثل فرنسا، وذلك ما أكدته فرح صافي، أستاذة القانون ونائبة رئيس جمعية الحقوقيين من أجل احترام القانون الدولي، بقولها إن: "فرنسا لا تحترم التزامات القانون الدولي الإنساني لا سيما اتفاقيات جنيف التي تتطلب منها استخدام كل الوسائل المتاحة لوضع حد للجرائم".

دور المتفرج

اكتفت فرنسا، حسب المنتقدين لسياستها الخارجية، بدور المتفرج في أزمات الشرق الأوسط، وقد يكون السبب في ذلك أن باريس خسرت منذ فترة نفوذها الدولي، وأصبحت تلعب دور المتفرج الذي ينتظر القوى الدولية الأخرى لتغيير الوضع.