يشارك منتخب إسبانيا في بطولة أمم أوروبا 2020 للمرة الـ11 في تاريخه، من أجل الظفر باللقب الأوربي الرابع له وينصب نفسه كأكثر المتوجين، مستعینًا في ذلك بتاريخ حافل وجملة من الأرقام القياسية.
قصة المشاركات
شارك منتخب إسبانيا في بطولات اليورو 10 مرات سابقا، حيث سجل أول ظهور له بالنسخة الثانية للبطولة عندما استضاف النهائيات على أرضه سنة 1964، وذلك بعد أن استُبعدت إسبانيا من المشاركة في النسخة الأولى من كأس أمم أوروبا سنة 1960 لأسباب سياسية، مشاركة لاروخا الأولى باليورو 1964، نجح خلالها المنتخب الإسباني بالتتويج باللقب آنذاك، حينما انتصر بهدفين لهدف على الاتحاد السوفييتي حامل لقب النسخة الأولى، بعد أن صعد من مباراة نصف النهائي إثر فوزه على المجر بالنتيجة ذاتها، بعد ذلك غاب عن النسخ الثلاث التالية 1968، 1972، 1978، ليعود بوجه خافت في نهائيات إيطاليا 1980، مودعًا من مرحلة المجموعات بهزيمتين أمام كل من بلجيكا وإنجلترا وتعادل مع إيطاليا، ودون أي فوز.
في دورة 1984 بفرنسا، جدد الإسبان عروضهم القوية، وتمكنوا من بلوغ المباراة النهائية، بعد تعادل مع رومانيا والبرتغال، وفوز على ألمانيا الغربية بمرحلة المجموعات، وفي الدور نصف النهائي واجه المنتخب الدنماركي وتفوق عليه بركلات الترجيح، لكن آمالهم في اللقب الثاني اصطدمت بإصرار أصحاب الأرض فرنسا البطلة وقتها، والتي فازت في النهائي بثنائية نظيفة، لكن كعادته التي دأب عليها بالخفوت بعد التألق لم يتمكن المنتخب الإسباني من تجاوز عقبة دور المجموعات بيورو ألمانيا الغربية 1988، قانعًا بفوز فردي على الدنمارك، وخسارتين أمام كل من إيطاليا وألمانيا، ليفشل بعدها في اللحاق بقاطرة منتخبات يورو 1992، غياب جعل الإسبان يعودون إصرار في دورة إنجلترا 1996، لكن إصرارهم توقف بسكة ربع النهائي، بعد أن حكم عليهم صاحب الأرض المنتخب الإنجليزي بالمغادرة، إثر الفوز عليهم بركلات الترجيح.
لم يعد خط وسط منتخب إسبانيا بالقوة التي كان عليها، فبعد أن كان نقطة التمييز الأولى على مدار السنوات الماضية، أصبح الأن محدود الكم والكيف
في يورو 2000 ببلجيكا وهولندا، لم يتغير مصير المنتخب الإسباني عن سابقه، فاكتفى بلعب ربع النهائي الذي استكان فيه للخسارة أمام فرنسا البطلة حينها بهدفين لهدف، وذلك بعد تصدر مجموعته بالعلامة الكاملة وبثلاثة انتصارات على النرويج، سلوفينيا ويوغوسلافيا، ليجدد الإسبان حضورهم الشاحب في نهائيات البرتغال 2004، بعجزهم عن تخطي مرحلة المجموعات مكتفين بفوز يتيم، انسحاب مرير عقد بعده زملاء تشافي العزم على التألق ومعاودة المسارات، فعلى قدر العزم تأتي النتائج، هكذا عبّر الماتدور عن نفسه في 2008 بالنمسا وسويسرا، وفك عقدة دامت 44 عامًا من الجفاف، ليعلن نفسه بطلًا على القارة للمرة الثانية في تاريخه، حينما تفوق على المانشافت بهدف دون رد في المشهد الختامي، بعد ما أقصى كلًا من إيطاليا بربع النهائي بركلات الترجيح، والدب الروسي في النصف النهائي بثلاثية نظيفة.
ولأن فترات القوة لا تطول ورياح النصر لا تدوم، فإذا هبت رياحك وأزهرت لك الأيام فاغتنمها، لعل التاريخ ينتخب لك مكان غير خليق بغيرك، هذا ما أدركته لاروخا بيورو بولندا أوكرانيا 2012، محققة إنجازًا فريدًا لم يسبقه إليها أحد، بالتتويج بالبطولة للمرة الثانية تواليًا، والثالثة في تاريخها لتعادل رقم ألمانيا، وذلك بعد أن تجرع كل من اعترض طريقها طعم الخسارة بدءًا من فرنسا بربع النهائي مرورًا بالبرتغال بالمربع الذهبي، نهاية برباعية نظيفة كأعلى نتيجة بمباراة نهائية أمام إيطاليا، وبالمشاركة الأخيرة بفرنسا 2016، الدورة الأولى التي احتضنت 24 منتخبا، ودع المنتخب الإسباني من دور الـ16 على أيدي إيطاليا بنتيجة 2-0.
التشكيل
لأول مرة منذ سنوات عديدة، تشعر بأن قائمة إسبانيا في يورو 2020 تعاني من غياب لأسماء في أماكن بارزة سواء في الدفاع والهجوم أو حتى خط الوسط، فالقائمة المختارة لليورو شهدت غياب 14 لاعبًا ممن شاركوا في كأس العالم 2018، فبعد نهاية صفحة الجيل الذهبي الذي حقق ربيع لاروخا، وأيضًا مع وجود ثلاثة لاعبين فقط من برشلونة، وربما اثنين بعد اصابة بوسكيتس بكورونا، وأول مرة في التاريخ الغياب الكلي للاعبي ريال مدريد، يضع المنتخب الإسباني الرهان على جيل جديد شاب ولكن تعتريه عديد النقائص.
اقرأ/ي أيضًا: إنجلترا بالريادة.. أعلى 5 منتخبات قيمة في يورو 2020
فمثلا اذا نظرنا على مستوى خط الدفاع، سنلاحظ شحًّا في الخيارات، فلا يوجد ظهير أيمن غير أزبيليكويتا، ولا يوجد قلب دفاع يلعب بساق اليمنى، لتصبح الأسماء المتوافرة في خط الدفاع على الشكل التالي: خوسيه غايا، جوردي ألبا، باو توريس، أيمريك لابورت، إريك غارسيا، دييغو يورينتي، سيزار أزبلكويتا، ماركوس يورينتي.
كذلك خط وسط منتخب إسبانيا لم يعد بالقوة التي كان عليها، فبعد أن كان نقطة التمييز الأولى للمنتخب على مدار السنوات الماضية، أصبح الأن محدود الكم والكيف، سيما بعد مغادرة سيرجيو بوسكيتس للقائمة، وهذا أمر طبيعي بعد المعاناة وضعف الجودة التي يعاني منها برشلونة وريال مدريد، حيث اقتصر خط وسط لاروخا على:سيرجيو بوسكيتس، الذي أصيب بفيروس كورونا وسيغيب عن دور المجموعات، رودري، بيدري، تياغو ألكانتارا، كوكي وفابيان رويز.
المعضلة الكبرى في قائمة المهاجمين، والتي لا تحتوي لاعبًا أساسيًّا في فريقه تقريبًا، وأسماءً مغمورة ربما لم يسمع بها البعض من قبل: فيران توريس، داني أولمو، ميكيل أويارزابال، ألفارو موراتا، جيرارد مورينو، أداما تراوري وبابلو سارابيا.
إسبانيا أكثر من استطاع المحافظة على نظافة شباكه بشكل مستمر في البطولة نفسها على طوال 509 دقيقة، علاوة على أنها أكثر من حافظ على شباكه بـ 734 دقيقة متتالية وذلك خلال بطولتي 2012 و2016
يمكننا أن نستنتج أن عامل حماس الشباب هو أبرز ورقة في قائمة منتخب إسبانيا، بجانب لاعبي الخبرة المعدودين على الأصابع، والذين تقدموا بالعمر أمثال تياجو ألكانتارا، سيرجيو بوسكيتس، موراتا وجوردي ألبا.
المدرب
يقود مهمة تدريب المنتخب الإسباني لويس إنريكي، وذلك منذ عام 2018، انقطع خلالها 8 أشهر بين مارس ونوفمبر 2019 لأسباب شخصية تتعلق بأحداث مرض ابنته ووفاتها، فصاحب الـ51 عاما، سبق له تطعّم المجد الأوروبي فيما يخص الأندية، بالفوز بدوري الأبطال مع برشلونة 2015، بعد مسيرة بدأت سنة 2009 مع الفريق الرديف لبرشلونة، ليدرب روما سنة 2011 ، ثم سيلتا فيغو بين 2012 و2014 قبل أن ينتهي به مسار الأندية مع برشلونة بين 2014- 2017، وسيخوض اللوشو خلال اليورو البطولة الأكبر له كمدرب مع لاروخا، وإجمالا لعب زملاء بيكي تحت إمرته 17 مباراة حقق خلالهم 9 انتصارات و 5 تعادلات و 3 هزائم.
السهل الممتنع.. مرر ومرر ثم مرر
يضغط المنتخب الإسباني على خصومه عند مرحلة بناء لعبهم الأولى بكتلة عالية بشكل 3-4-1-2، وبأسلوب يستهدف المساحة والخصم، ذلك بالضغط الشرس على حامل الكرة، بينما يغطي بقية اللاعبين المسارات العمودية للكرة، حيث يضغط المهاجمان توريس وموراتا على قلبي الدفاع، بينما يضغط تياغو ألكانترا على إرتكاز الخصم لمنع امكانية ايصال الكرة له، فيما يقوم الخط الرباعي خلفه بالامتداد العرضي لمنع ايصال الكرة للأظهرة، بهدف جر المنافسين للعب الكرات بشكل طولي، فبعد لعب الكرة الطولية يتحول الفريق لكتلة منخفضة تقاتل على الكرة الثانية، وتغطي المساحة المركزية وأنصاف المساحات بشكل 5-4-1.
أما عند امتلاكه للكرة يكون شكل المنتخب الإسباني 4-3-3، حيث يمتد ثنائي محور الدفاع بعرض الملعب، لجعل المساحة بينهم شاسعة وصعبة السيطرة عليها من الخصوم التي تضغط عاليا، وتصعد الأظهرة لحدود خط التماس من أجل تشتيت والتفريق العرضي لخط ضغط المنافس، ففي مرحلة البناء الأولى يتعمد المدافعين تكرار تناقل الكرة بينهم بشكل عرضي مبالغ فيه، من أجل تحريك تمركز المنافس وايصال الكرة لخط الوسط، والذي ينتشر على شكل مثلث متساوي الضلعين، رأسه لاعب الارتكاز المحوري الذي يكون غالبا سيرجيو بوسكيتس، بينما يتمركز الآخران بين الخط الأول والثاني للمنافس، لتوفير حلول تمرير في العمق، أو تقييد مساحة الحركة بالنسبة للخط الدفاعي الثاني للمنافس، مما يساهم في تحرير الأطراف.
وعند وصول الكرة لبوسكيتس يتحول شكل الفريق 4-5-1 بانتشار الأجنحة في أقصى عرض الملعب، لتوسيع مساحة حركة الخصم، ويتمركز ثنائي الوسط ألكانترا ويورنتي وراء ثنائي محور ارتكاز الخصم والمهاجم موراتا بين قلبي الدفاع، حينها تقوم فلسفة إنريكي على التشتيت للاختراق، أي مرر وتحرك بالتكرار المستمر وهي فلسفة اللعب التموضعي.
اقرأ/ي أيضًا: النسخة الثانية من اليورو.. إسبانيا تظفر باللقب تحت أنظار فرانكو
تختلف أنماط التحرك بدون كرة بشكل مضبط مسبقا بالتوقيت والمساحة، وهذا كله بهدف كسر الحالة الدفاعية للمنافس، عبر تشتيته بكثرة الحركة العرضية والأفقية فيفقد ثوابته الدفاعية، مثلا يتعمد المنتخب الإسباني في حالة من حالات الهجوم حصر اللعب على جهة واحدة، وخلق زيادة عددية فيها بين الظهير والجناح، ولاعب الوسط والمهاجم يتناقلون الكرة بينهم بتمريرات قصيرة تجعل لاعبي الخصم يتجهون نحوهم بكثرة لافتكاك الكرة، حينها تنكشف الجهة الأخرى ويتم نقل الكرة إليها بسرعة لاستغلال حالة عدم التوازن التي يشهدها الخصم.
أرقام و أرقام و أرقام أخرى
تملك اسبانيا جملة من الأرقام المميزة خلال مشاركتها باليورو، فهي من ضمن 3 منتخبات فقط استطاعت تحقيق البطولة التي لُعبت على أراضيها، مع إيطاليا عام 1968 وفرنسا عام 1984، وكذلك من ضمن 4 منتخبات فقط فازت بالبطولة في أول مشاركها لها، وهم الاتحاد السوفيتي الذي فاز بالنسخة الأولى عام 1960، وإيطاليا عام 1968 وألمانيا الغربية عام 1972.
وهي أكثر منتخب استطاع المحافظة على نظافة شباكه بشكل مستمر في نفس البطولة على طوال 509 دقيقة، علاوة على أنها أكثر من حافظ على شباكه في مجمل البطولة بـ 734 دقيقة متتالية وذلك خلال بطولتي 2012 و2016 ، بالإضافة لأنها أكثر من أنهى بطولة واحدة بفارق أهداف لصالحه +11 هدفا، وذلك خلال يورو 2012 بعد أن سجلت 12 هدفًا واستقبلت هدفًا واحدًا فقط، وأكثر منتخب حافظ على سجله خاليًا من الخسائر في مباريات متتالية بـ14 مباراة، منذ أول مباراة في يورو 2008 وحتى المباراة الثانية بدور المجموعات في يورو 2016.
اقرأ/ي أيضًا:
أطفال زيدان مع لويس انريكي.. بداية عصر جديد لصناعة أمجاد الماتادور
النسخة الرابعة من كأس أمم أوروبا.. ألمانيا الغربية تقدم للعالم فريقها الأسطوري