أثارت تغطية قناة "الجزيرة" للاحتجاجات الفلسطينية الأخيرة بشأن الاعتداءات الإسرائيلية على المسجد الأقصى غضب حكومة الاحتلال الغاضبة أساسًا من الجزيرة. ليخرج رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو في أواخر الشهر المنصرم، متهمًا الجزيرة بتحريضها على العنف في قضية المسجد الأقصى، وقال أنه يسعى لإغلاق مكتب الجزيرة بالقدس، لكن القانون يمنعه من ذلك، ويسعى لتغيير تلك التشريعات التي تعيق عملية إغلاق المكتب.
بدأت إسرائيل في اتخاذ خطوات فعلية لغلق مكتب قناة الجزيرة في القدس، بحجة "التحريض ضد إسرائيل"
ونفت الجزيرة من جهتها، في ذلك التوقيت، تلك الاتهامات مؤكدة استمرارها في تغطية تبعات قضية الأقصى بمهنية وموضوعية وفقًا لضوابط العمل الصحفي، وأشارت إلى أن تلك الاتهامات جزءًا من الحملة العدائية التي تساق ضد قطر بشكل عام. خاصة في الوقت ااذي تتعرض فيه شبكة الجزيرة لضغوط كثيرة وصلت لحد مطالبة دول الحصار بإغلاق القناة على رأس قائمة المطالب حتى تعود العلاقات الدبلوماسية بين قطر ودول الحصار.
اقرأ/ي أيضًا: أبواب الإندبندنت مشرعة للمال السعودي.. أثمان الصمت!
عندما تصبح الدول العربية قدوة لإسرائيل
في تصعيد جديد من طرف إسرائيل، صرّح وزير الاتصالات أيوب قرّا، أن إسرائيل بدأت في اتخاذ خطوات فعلية لغلق مكتب قناة الجزيرة في القدس، بسبب ما أسماه، "تحريضًا ضد إسرائيل"، واستند القرار الصادر من وزارة الاتصالات الإسرائيلية على "قيام دول عربية سنية بإغلاق مكاتب الجزيرة لديها" في إشارة واضحة للمملكة العربية السعودية، وأعرب أن "الجزيرة لا تمارس حرية التعبير إنما تحرّض ضد الإسرائيليين، وساهمت في خسارة خيرة أبنائنا" وأضاف أيوب قرّا في بيانه "أن إسرائيل تقف بجانب الدول العربية المعتدلة التي تحارب الإرهاب والتطرف، وأنها تسير على خطى دول الحصار الأربع التي أغلقت مكاتب الجزيرة" واتهم قناة الجزيرة بأنها "أداة لتنظيم الدولة الإسلامية وحزب الله وإيران" حسب تعبيره.
المثير للجدل أن تخرج مثل هذه التصريحات الرسمية باتهام قناة تلفزيونية بدعم الإرهاب لأنها لا تتبنى الرواية الإسرائيلية في الصراع، واتهامها بأنها أداة لداعش ولإيران في الوقت ذاته! كذلك أن تستند إسرائيل في قرارها على مبادرات دول الحصار بغلق مكاتب الجزيرة والضغوط السياسية التي تُمارس ضد دولة قطر، وكأن فجأة أصبحت الدول العربية المصطفة بجانب إسرائيل هي الدول المعتدلة التي تحارب الإرهاب والتطرف، أمّا الدول التي لا تعمل يدًا بيد مع إسرائيل أصبحت دولاً إرهابية وأذرعها الإعلامية أصبحت أدوات محرضة في أيادي الإرهابيين!
مذيع إماراتي يصرّح بنفس تصريحات إسرائيل قبل يومين
اتهم الإعلامي المصري أسامة كمال على قناةdmc المقربة من النظام المصري في أواخر الشهر الماضي، قنوات الجزيرة بعلاقتها الوثيقة مع إسرائيل، كما اتهم دولة قطر بقربها من السلطات الإسرائيلية، وادّعى أن تصريحات نتنياهو جائت للتغطية على العلاقات الجيدة بين قناة الجزيرة وإسرائيل حتى يبرر نتنياهو امتناعه عن غلق مكتب الجزيرة بالقدس بدوافع قانونية، لكن تطورات حرب إسرائيل ضد الجزيرة تقول بغير ذلك!
واليوم بعد مساعِ إسرائيل الفعلية لغلق مكتب الجزيرة بالقدس، يجب أن نتسائل عمّا اعتمده أسامة كمال في تحليله السابق، والأمر الآخر المثير للعديد من علامات الاستفهام، هي المداخلة التليفونية منذ يومين مع أسامة كمال في نفس برنامجه، للكاتب الإماراتي والمذيع السابق بقناة الجزيرة، طارق الزرعوني، والذي لمّح خلالها بأن "قناة الجزيرة هي من صنعت داعش وحزب الله وحماس" ليخرج وزير الاتصالات الإسرائيلي بعدها بيومين ليعلن التصريحات نفسها، لتتبادر إلى الأذهان شكوك حول ترتيبات سابقة بين الجانب الإسرائيلي ودول الحصار.
ولاحظ المدونون على مواقع التواصل الاجتماعي تلك التوافقات بين دول الحصار وإسرائيل، ودارت بأذهانهم نفس الشكوك والتساؤلات المشروعة وبدأوا في الكتابة عن طبيعة العلاقة بين تلك الأطراف، فاتهم أحد المدونين قرار غلق مكتب الجزيرة في القدس بأنه بتحريض إماراتي سعودي، وسخر آخر من الفكرة التي يرددها مؤيديو السيسي وإعلامه في مصر عن أن الجزيرة عميلة لإسرائيل، وأشار آخرون أن إسرائيل تغلق الجزيرة لأنها تعري جرائمها أمام العالم وأن دول الحصار وإسرائيل "تشابهت قلوبهم، فتشابهت مواقفهم".
لا تتوافق إسرائيل مع مطالب دول الحصار بخصوص "الجزيرة" فقط، بل إن التصريحات التي تصدر عن الطرفين تكاد تكون هي نفسها
مطالب إسرائيل تتوافق مع مطالب دول الحصار
نُشرت قائمة لمطالب دول الحصار من دولة قطر من أجل عودة العلاقات مرة أخرى، جاء على رأس تلك المطالب إغلاق قناة الجزيرة، وهو الأمر ذاته الذي يسعى إليه نتنياهو، وجاء مطلب آخر وهو التوقف عن دعم أي كيان تصنّفه الولايات المتحدة الأمريكية ككيان إرهابي، وبالنظر للكيانات الإرهابية المدرجة على القائمة الأمريكية، نجد حركة حماس التي تمثل صداعًا في رأس إسرائيل على رأس تلك القائمة، الأمر الذي يثير الشكوك مرة أخرى حول علاقة دول الحصار بإسرائيل والسعي نحو تنفيذ مطالب محددة يتفق عليها الطرفين، خاصة في ظل التوجه العام لتلك الدول للسلام الدافيء مع إسرائيل كخطوة جديدة نحو التطبيع الشامل.
اقرأ/ي أيضًا: هل انحاز الإعلام العالمي لقطر؟
إسرائيل مع معسكر أعداء الصحافة.. دائمًا
انتقدت جمعية حماية الصحفيين، وهي جماعة حقوقية مقرها نيويورك، الاقتراح الإسرائيلي. وقال شريف منصور، منسق برنامج الجمعية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا إن "الرقابة على الجزيرة أو إغلاق مكاتبها لن يجلب الاستقرار للمنطقة، إلا أنه سيضع إسرائيل بقوة في معسكر بعض أسوأ أعداء حرية الصحافة في المنطقة. ينبغي على إسرائيل التخلي عن هذه الخطط غير الديمقراطية والسماح لقناة الجزيرة وجميع الصحفيين بالعمل بحرية في البلاد والمناطق التي تحتلها". كذلك الحال مع موقف المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان، الذي أدان بشدة الخطوات الإسرائيلية ضد شبكة الجزيرة، معتبرًا مثل هذه السلوكيات "تصعيدًا خطيرًا للانتهاكات الإسرائيلية بحق المؤسسات الإعلامية".
ويذكر أن الجزيرة تميزت منذ انطلاقتها بمتابعة الشأن الفلسطيني عن كثب. كذلك تغطية عدوان إسرائيل المستمر ضد الشعب الفلسطيني، من ضمنه حروبها المتتالية على قطاع غزة المحاصر. كما يحسب للجزيرة خطابها الموضوعي والمنصف للحقوق الفلسطينية في وجه ما تمارسه إسرائيل من انتهاكات لا تشغل إعلام دول الحصار بقدر ما يشغله تلفيق التجريم والتهم ضد كل من لا يمد يده "للسلام الدافئ" والتطبيع الكامل مع جرائم إسرائيل وطموحاتها المعادية للوجود الفلسطيني، بل والعربي بأكمله!
اقرأ/ي أيضًا:
"صباح النور" على التلفزيون العربي.. كل ما تريد أن تعرفه لبداية يومك