02-أغسطس-2024
تقدم إمبراطورية أوربان الإعلامية خطابًا تضليليًا للمجريين (AP)

(AP) تقدم إمبراطورية أوربان الإعلامية خطابًا تضليليًا للمجريين

خلال الأشهر التي سبقت الانتخابات البرلمانية الأوروبية، تم تحذير المجريين من أن التصويت ضد رئيس الوزراء، فيكتور أوربان، سيكون تصويتًا لحرب شاملة.

فقد صاغ حزب "فيدس" اليميني المحافظ خطابًا يصور فيه انتخابات 9 تموز/يونيو على أنها "صراع وجودي"، فإن فاز أوربان فسيحافظ على السلام بأوروبا، وإن خسر فهذا سيغذي عدم الاستقرار على نطاق واسع.

ولبيع هذا "الادعاء الفاضح" للمجريين، استخدم أوربان إمبراطورية إعلامية مترامية الأطراف موالية للحكومة سيطرت على الخطاب السياسي في البلاد لأكثر من عقد من الزمان، كما يشير تقرير لوكالة "أسوشيتد برس".

وقد نجح هذا التكتيك منذ عودة أوربان إلى السلطة عام 2010. وتصدر حزبه نتائج الانتخابات، لكن ليس بالهوامش الكبيرة التي اعتاد الحصول عليها، إذ اجتذب حزب الاحترام والحرية "تيسا" أصوات الناخبين الساخطين، وحصل على 29 % من الأصوات مقابل 44 % لحزب "فيدس".

"لقد انهار كل شيء في المجر" هكذا تحدث  زعيم الحزب الجديد، بيتر ماجيار، زعيم هذا الحزب الجديد الذي برز في الأشهر الأخيرة باعتباره ربما التحدي الأكبر حاليًا لحكم أوربان، واتهم  الحكومة المجرية بأنها "لا تعمل بشكل أساسي، فقط هناك الدعاية والأكاذيب".

يقول التقرير إن حزب "تيسا" قام بحملة ارتكزت على وعود باستئصال الفساد العميق داخل الحكومة. كما تحدث زعيم الحزب بصراحة عن الضرر الذي ألحقته "مكينة دعاية أوربان" بالديمقراطية المجرية.

صاغ حزب "فيدس" اليميني المحافظ خطابًا يصور فيه انتخابات 9 تموز/يونيو على أنها "صراع وجودي"، فإن فاز أوربان فسيحافظ على السلام بأوروبا، وإن خسر فهذا سيغذي عدم الاستقرار على نطاق واسع

قبل الانتخابات، تحدث ماجيار في مقابلة مع وكالة أسوشيتد برس، قائلًا: "قد يكون من الصعب جدًا أن يتخيل من في أميركا أو أوروبا الغربية كيف تبدو الدعاية وآلية الدولة هنا"، وأضاف: "هذا الواقع الموازي يشبه عرض ترومان، حيث يعتقد الناس أنه واقع."

منذ عام 2010، عززت حكومة أوربان خطابًا معاديًا للمهاجرين وحقوق المثليين، وعدم الثقة في الاتحاد الأوروبي، والاعتقاد بأن الملياردير المجري الأميركي اليهودي، جورج سوروس، أحد خصوم أوربان الدائمين، يشارك في مؤامرات سرية لزعزعة استقرار المجر.

نجح هذا الخطاب في إعطاء حزب أوربان الأغلبية في أربع دورات انتخابية برلمانية متتالية، بالإضافة لنواب من الحزب في البرلمان الأوروبي.

لكن وفقًا لمحلل ورئيس مركز "أبحاث رأس المال السياسي" في بودابست، بيتر كريكو، خلق أوربان "بيئة أورويلية" تقريبًا، حيث تقوم الحكومة بالسيطرة على غالبية المحطات الإخبارية للحد من قرارات المجريين.

يقول كريكو: "أصبحت المجر تحت استبداد إعلامي ناجح جدًا".

وبحسب الوكالة الأميركية، يؤثر تقييد الصحافة الحرة في المجر بشكل مباشر على المشاركة الديمقراطية. ولطالما اشتكى السياسيون المعارضون من أنهم يحصلون على خمس دقائق فقط من البث كل أربع سنوات على التلفزيون العام، وهو الحد الأدنى القانوني، لتقديم خطابهم قبل الانتخابات.

كما تردد قنوات التلفزيون والإذاعة العامة باستمرار الخطاب الذي يتبناه حزب "فيدس"، فيما تقدم مراكز الفكر واستطلاعات الرأي، التي تتلقى التمويل من الحكومة والحزب، محللين لتعزيز الرواية الحكومية، في حين نادرًا ما يظهر المعلقون المستقلون، هذا إن وجدوا.

خلال الحملة الانتخابية التي جرت في أيار/ مايو الماضي، أصدرت اللجنة الانتخابية المجرية تحذيرًا لمذيع التلفزيون ببث مقاطع فيديو لحملة حزب "فيدس" مرارًا وتكرارًا خلال نشرات الأخبار، وهو انتهاك لقواعد الحياد.

ينسب ماجيار، الذي فاز بمقعد في البرلمان الأوروبي، نجاح حزبه الجزئي إلى قدرته على تجنب هيمنة أوربان، من خلال الاجتماع المباشرة مع الناخبين وزيادة عدد المتابعين على وسائل التواصل الاجتماعي.

وتلفت "أسوشيتد برس" أنه في المجر، حتى أولئك الذين لديهم حضور قوي على وسائل التواصل الاجتماعي يكافحون للحصول على منفذ في وسائل الاعلام التقليدية التي يسيطر عليها حزب "فيدس".

ووفقًا لمنظمة "مراسلون بلا حدود، استخدم أوربان عمليات شراء وسائل الإعلام من قبل "الأوليغارشيين" المرتبطين بالحكومة، من أجل بناء "إمبراطورية إعلامية ضخمة تخضع لأوامر حزبه".

وتقدر المنظمة أن عمليات الاستحواذ هذه قد منحت حزب أوربان السيطرة على حوالي 80 % من موارد سوق وسائل الإعلام في المجر.

وفي عام 2021، وضعت أوربان على قائمتها "المفترسين" الإعلاميين، وهو أول زعيم في الاتحاد الأوروبي يحصل على التمييز.

في عام 2016، تم إغلاق أقدم صحيفة يومية في المجر فجأة، بعد أن اشتراها رجل أعمال له صلات بأوربان.

وفي عام 2018، تم تشكيل تكتل إعلامي ضخم من 500 وسيلة إعلامية يرأسها موالون لأوربان.

وفي عام 2020، استقال جميع موظفي أكبر بوابة إخبارية على الإنترنت في المجر، بعد طرد محررها الرئيسي تحت ضغط سياسي.

يعترف رئيس قسم الإعلام والاتصال في جامعة " Eötvös Loránd" في بودابست، غابور بولياك، أن شبكة من الصحفيين المستقلين والمنافذ عبر الإنترنت التي لا تزال تعمل في المجر، تكافح من أجل الحفاظ على قدرتها التنافسية.

استخدم أوربان عمليات شراء وسائل الإعلام من قبل "الأوليغارشيين" المرتبطين بالحكومة، من أجل بناء "إمبراطورية إعلامية ضخمة تخضع لأوامر حزبه"

وكشف أن الحكومة هي أكبر معلن في المجر. فقد أظهرت دراسة أجرتها هيئة الرقابة "ميرتيك ميديا مونيتور" أن ما يصل إلى 90 % من إيرادات الإعلانات الحكومية تمنح للمنافذ الإعلامية المؤيدة لحزب "فيدس"، مما يجعلها تستمر.

وتجاوزت جهود الحكومة للسيطرة على وسائل الإعلام التلفزيون والإذاعة والصحف، بل تحولت إلى منشورات على وسائل التواصل الاجتماعي التي تعززها الإعلانات المدفوعة.

فقد أنفقت المجر ما يقرب من 4.8 مليون دولار على الإعلانات السياسية على المنصات المملوكة لشركة "ميتا بلاتفورمز" خلال 30 يومًا بين شهري أيار/ مايو وحزيران/يونيو، متجاوزة ألمانيا، التي يبلغ عدد سكانها أكثر من ثمانية أضعاف عدد سكان المجر، وفقًا لتقرير حديث يستند إلى البيانات المتاحة للجمهور التي جمعتها شركتي "Political Capital" و"Mérték Media Monitor" ، بالإضافة لموقع التحقيق "Lakmusz".

وجد التقرير أن الغالبية العظمى من هذا الإنفاق جاء من حزب "فيدس" أو وكلاء الحكومة.

بدوره، كشف المشرع المستقل أكوس هادهازي، عن العشرات من حالات الكسب غير المشروع التي مصدرها أموال قدمها الاتحاد الأوروبي للمجر، محذرًا من أن الانقسام الإعلامي له أيضًا عواقب على شؤون المجر المالية.

مشيرًا إلى أن "مثل هذه الانتهاكات لا يتم معالجتها إلى حد كبير لأن غالبية الناخبين لا يدركونها".

وقال: "تسيطر الحكومة على وسائل الإعلام، حيث تنفق حوالي 50 مليار فورنت (135 مليون دولار) سنويًا على الإعلانات.. التي تدعم شبكات التلفزيون والمواقع الإلكترونية الخاصة بها.. أما الأشخاص الذين يشاهدون تلك الوسائط لا يسمعون عن هذه الأشياء".

وتحدث هادهازي عن أن "المجريين يبحثون بوعي عن الأخبار الحقيقية"، لكن في المقابل، ليس من المهم بالنسبة للحكومة أن "تُسمع الأخبار الحقيقية، من المهم أن يسمع المزيد من الناس أكاذيبهم، وهذه هي الطريقة الآن. يسمع الناس رسائلهم أكثر بكثير من الحقائق".