تستمر تدعايات قرار الرئيس التونسي، قيس سعيد، بإقالة عشرات القضاة بشكل تعسفي، في حلقة من سلسلة قرارات يصفها ناشطون ومؤسسات وأحزاب بأنها تعزز حكم الرجل الواحد، وتهدد بنهاية المسار الديمقراطي في البلاد.
تستمر تدعايات قرار الرئيس التونسي بإقالة عشرات القضاة، في حلقة من سلسلة قرارات يصفها ناشطون بأنها تعزز حكم الرجل الواحد
في هذا السياق، أعلنت جمعية القضاة التونسيين أن نسبة إضراب القضاة بلغت 99% في اليوم الثاني من إضراب يستمر لمدة أسبوع قابل للتجديد، رفضًا لقرارالرئيس التونسي قيس سعيّد إقالة 57 قاضيًا. وثمّن المكتب التنفيذي "إنجاح القضاة بمختلف أصنافهم للتحركات"، التي قال بيان جمعية القضاة إنها "تخاض في هذا الوقت الحاسم"، داعيًا إلى "مزيد التعبئة والتجنّد لإنجاح التحركات القادمة".
#تونس وقفة احتجاجية الآن أمام قصر العدالة بتونس العاصمة "رفضًا لانتهاك أعراض قضاة ودفاعًا عن استقلالية القضاء" pic.twitter.com/dn4wiYPkla
— Ultra Tunisia الترا تونس (@ultra_tunisia) June 8, 2022
وفي تصريح صحفي سابق قال رئيس جمعية القضاة أنس الحمايدي إن "99% من القضاة شاركوا في اليوم الأول للإضراب"، واعتبر أن "نسبة نجاح الإضراب هذه لم يسبق تسجيلها، والإضراب سيتواصل طالما لم يتراجع رئيس الجمهورية عن قرار إعفاء 57 قاضيًا وقاضية".
وقوبلت إقالة القضاة برفض من نقابات وأحزاب تونسية وانتقاد دولي حاد. فقد أصدر الاتحاد الدولي للنقابات بيانًا حول الوضع في تونس، قال فيه إنّ "السلطات التونسية عزلت 57 قاضيًا في تهديد جديد للحرية وسيادة القانون في تونس"، وأوضح البيان أنّ "عملية العزل تجاهلت الأطر المنظمة لعمل القضاء وهيئاته التمثيلية، وحرمت القضاة من حق الاعتراض والطعن واتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة".
وأيّد الاتحاد الدولي للنقابات "بشكل تام إضراب القضاة، والاحتجاجات على قرار العزل التعسفي، كما أيّد كل من يتضامن معهم ضد محاولات السيطرة والتلاعب بالقضاء". بدورها وصفت منظمة العفو الدولية سعيّد بأنه "يتفرد بسلطة إقالة القضاة على هواه"، وقالت المنظمة في بيان لها بإن هذا الإجراء هو "اعتداء آخر على حقوق المحاكمة العادلة منذ استيلاء سعيّد على السلطة" في تموز/يوليو الماضي، وأوضحت المنظمة أن "سعيّد منع القضاة من الطعن في الفصل التعسفي الذي تعرضوا له". وجددت منظمة العفو الدولية انتقاداتها للرئيس سعيّد بعد قراراته بحل البرلمان والمجلس الأعلى للقضاء، وتعليقه العمل بمعظم مواد الدستور التونسي، ومنح نفسه سلطات شبه مطلقة للحكم.
كما اعتبرت مجموعة من المنظمات والهيئات المدنية بينها الفدرالية الدولية لحقوق الإنسان والمنظمة العالمية لمناهضة التعذيب، إضافة إلى عدد من النشطاء والجامعيين في بيان لهم، أن "انتهاج المسلك الانفرادي المتسلّط لإعفاء القضاة هو ضرب لسلطة الدستور واستمرار في نهج الاستبداد وتوجه خطير نحو الدكتاتورية". واستنكر البيان عمليّة العزل، وشدد على أن "هدفها الأساسي ترهيب القضاة وتخويفهم، على غرار ما قامت به حكومة الترويكا عام 2012". وشدد البيان على أن "إصلاح القضاء يجب أن يكون في إطار دولة القانون الحامية للحق في المحاكمة العادلة دونما تضليل أو تحصين للأوامر الرئاسية من الطعن فيها".
كما دعا البيان "الشخصيات الوطنية والمنظمات والأحزاب السياسية إلى الوقوف ضد الحملة الممنهجة التي يتخذها رئيس الدولة من أجل تركيع القضاء". هذا وبدأ القضاة في تونس الاثنين إضرابًا عامًا في كافة المحاكم لمدة أسبوع قابلة للتجديد بدعوة من جمعية القضاة التونسيين. يشار إلى أن مجلسًا وطنيًا طارئًا للقضاة تم عقده السبت بمشاركة واسعة وحضور مكثف من القضاة الذين تجاوز عددهم الألف قاض لبحث موقف وتحركات القضاة التونسيين بعد عزل قيس سعيّد 57 قاضيًا دون وجود حكم قضائي في حقهم أو استكمال مسار تأديبي.
وتحدث رئيس جمعية القضاة التونسيين أنس الحمادي، في كلمة له بدأ من خلالها أعمال المجلس، إن "القضاة التونسيين لا يقبلون حياة الهوان والمذلة وإنهم لن يتركوا مجالًا للسلطة التنفيذية لتلعب على الانشقاقات الداخلية فيما بينهم"، مضيفًا "واهم من يظن أنه قادر على الاستئثار بالسلطة التنفيذية والقضائية وإهانة القضاة".
وكشف الحمادي أن "عددًا من القضاة الذين شملهم الإعفاء تصدوا للفساد ورفضوا لعب دور في تصفية خصوم الرئيس سعيّد، وأن ذنبهم الوحيد أنهم طبقوا القانون". من جهته شدد الرئيس السابق للمجلس الأعلى للقضاء في تونس يوسف بوزاخر وهو أحد الذين صدر في حقهم قرار بالعزل على أن "القضاء سيظل قائمًا مهما حاول الرئيس التونسي قيس سعيّد إنهاءه وضربه". وأضاف في كلمة له على هامش اجتماع المجلس الوطني الطارئ لجمعية القضاة التونسيين أنه "لا يمكن ضرب القضاء ولا يمكن محاسبة القضاة خارج إطارٍ مشروع أو بعيدًا عن الضمانات". وتابع بوزاخر قائلًا إن "سعيّد مرّ إلى عزل القضاة وهو ما لم يحدث في التاريخ"، مؤكدًا أنهم "لن يسكتوا عن ذلك مهما طال الزمن، سنقاضي قراراته في تونس وخارجها".
كاتب عام نقابة القضاة: نرفض سياسة الترهيب والتجويع واقتطاع الأجور لن يدفعنا للتنازل وقبول الدخول في تبعية للسلطة التنفيذية.. تفاصيل أكثر👇#تونس #Tunisie https://t.co/C5DUtLmulm
— Ultra Tunisia الترا تونس (@ultra_tunisia) June 7, 2022
بدوره قال القاضي حمادي الرحماني وهو أحد القضاة الصادر في حقهم قرار بالعزل: "خمسة عشر سنة وأنا أخوض في الشأن القضائي والوطني والتعبير صلب الهياكل النقابية وأمارس التدوين الحر، خمسة عشر سنة من النضال من أجل قضاء مستقل وخوض المعارك". وتابع قائلًا "وها نحن اليوم تُسلّط علينا ألسنة الأذى والتشويه والافتراء، ويقوم الرئيس بتشويهنا وكيل الاتهامات إلينا. سعيّد نكّل حتى بالمجلس الأعلى المؤقت للقضاء الذي نصبه بنفسه وحلّ محله ونقح المرسوم الذي أحدثه بنفسه وأعطى نفسه صلاحية إعفاء القضاة.. فشل في التشريع وحمّلنا نحن المسؤولية، كما فشل في التعيين وحملنا أيضًا المسؤولية". وختم الرحماني كلمته قائلًا "هو يريد إسكاتنا، لكننا لن نسكت وسنفتك معركة جديدة من معارك النضال ولن نسمح باستمرار هذا العبث".
وفي رده على إضراب القضاة، دعا الرئيس سعيّد خلال اجتماع بوزيرة العدل التونسية إلى اقتطاع أيام العمل من القضاة المضربين، وطالب باتخاذ "جملة الإجراءات الأخرى المنصوص عليها في القانون حتى لا يتكرر المساس بمصالح المتقاضين" بحسب قوله. ونقل بيان للرئاسة التونسية عن قيس سعيّد قوله إن "المرفق العمومي للدولة لا يمكن أن يتوقف، في إشارة إلى إضراب القضاة".
وتعليقًا على قرار سعيّد باقتطاع أجور أيام العمل للقضاة المضربين واتخاذ إجراءات ضدهم، أكد الكاتب العام لنقابة القضاة التونسيين يسري السلطاني "أن القضاة مستعدون للتنازل عن أجورهم من أجل المحافظة على سلطة قضائية مستقلة"، وأضاف السلطاني في مداخلة له على إذاعة "شمس أف أم" الخاصة، أن "اقتطاع الأجور لن يدفعنا للتنازل والدخول في شراكة مع السلطة التنفيذية أو قبول أن نكون في تبعية لها"، وتابع "نحن نرفض سياسة الترهيب والتخويف والتجويع". ودعا الكاتب العام لنقابة القضاة الرئيس سعيّد إلى "التراجع عن الإعفاءات التي أقرها في حق قضاة"، موضحًا "نحن لا ندافع عن أشخاص ولا عن الفساد، لكننا ندافع عن حق القضاة ككل المواطنين في محاكمة عادلة وفي حق الدفاع وفي قرينة البراءة".
في سياق قرارات سعيّد الفردية، قال منسق الهيئة الوطنية الاستشارية لإعداد دستور "الجمهورية الجديدة" في تونس، الصادق بلعيد، إنه سيعرض على الرئيس قيس سعيّد مسودة جديدة للدستور، في خطوة تثير الكثير من الجدل.
ونقلت وكالة فرانس برس عن الصادق بلعيد قوله إن "80% من التونسيين ضد التطرف وضد توظيف الدين من أجل أهداف سياسية، وهذا ما سنفعله تحديدًا، وسنقوم بكل بساطة بتعديل الصيغة الحالية للفصل الأول". وفي رده على سؤال وكالة فرانس برس عن ما إذا كان ذلك يعني أن الدستور الجديد لن يتضمن ذكرًا للإسلام كمرجعية، أجاب بلعيد "لن يكون هناك"، وأضاف "هناك إمكانية محو الفصل الأول في صيغته الحالية".
وينص الفصل الأول من الباب الأول للمبادئ العامّة لدستور 2014 أن "تونس دولة حرّة، مستقلة، ذات سيادة، الاسلام دينها والعربية لغتها والجمهورية نظامها". وبرر بلعيد عدم ذكر الإسلام في مشروع الدستور الجديد باعتباره يجيء للتصدي للأحزاب السياسية التي تتخذ الدين مرجعية على غرار حركة النهضة بحسب وصفه، وشدد بلعيد إذا "تم توظيف الدين من أجل التطرف السياسي فسنمنع ذلك".
وفي تهجم صريح على حركة النهضة والأحزاب السياسية التي رفضت إجراءات سعيّد الاستثنائية واعتبرتها انقلابًا على الدستور، خاطب بلعيد محدثه قائلًا "لدينا أحزاب سياسية أياديها متسخة أيها الديمقراطيون الفرنسيون والأوروبيون شئتم أم أبيتم، فنحن لا نقبل بأشخاص وسخين في ديمقراطيتنا"، مؤكدًا أن "النهضة وأحزاب أخرى تخدم الكثير من القوى أو الدول أو الدويلات الأجنبية التي تمتلك أموالًا كثيرة وتريد إنفاقها كما يحلو لها وتوظفها للتدخل في شؤون الدول... هذه خيانة".
وفي إشارة لترسيخ حكم الرجل الواحد خلال المرحلة القادمة، أوضح بلعيد "يمكن أن تكون لرئيس الجمهورية سلطات أكبر... كان الرئيس يملك سلطة التعطيل فقط وهذا سيئ جدًا، الرئيس هو القائد، وتاليًا يجب ألا يتمتع فقط بسلطة اللجم بل بسلطة القيادة... باعتدال".
القضاة المضربون: "اقتطاع الأجور لن يدفعنا للتنازل والدخول في شراكة مع السلطة التنفيذية أو قبول أن نكون في تبعية لها"
وأطلقت الهيئة التي يترأسها الصادق بلعيد يوم السبت حوارًا وطنيًا رفضت غالبية الأحزاب الكبرى في البلاد والنقابات المشاركة فيه، كما رفض عمداء كليات القانون والعلوم السياسية الانضمام إلى الهيئة. ويُنتظر تقديم مشروع الدستور الجديد في أواخر حزيران/ يونيو الحالي، بهدف عرضه على الاستفتاء في 25 تموز/يوليو المقبل، ثم إجراء انتخابات برلمانية في 17 كانون الأول/ديسمبر القادم.