إنه الكابوس، عائلات تستيقظ وتنام على هاجس اختطاف أطفال في عمر الزهور، ضحايا صغار، لا ذنب لهم، يتعرضون للاختطاف في وضح النهار وأحيانًا بالقرب من منازلهم أو أمام المدارس، وفي النهاية مسلسل التحري والانتظار الطويل ينتهي بتسلم جثة هامدة أو بانتظار المجهول لفترة غير محددة.
صار خطرًا على الطفل الجزائري اللعب أمام منزل أسرته، والخطف هو الشبح المقيم
تفاقمت حوادث اختطاف الأطفال في الجزائر، وباتت تؤرق العائلات الجزائرية، أسماء كثيرة هي اليوم صور معلقة على الجدران في الشوارع وأمام المحلات وفي المدارس ومواقف سيارات الأجرة ومحطات النقل، في تضامن شعبي مجتمعي في شتى المدن، صور لأطفال نهايتهم الاغتصاب والقتل أو الفقدان دون ترك أثر للجريمة.
اقرأ/ي أيضًا: فقدان الأب في الجزائر.. اليتم الأصعب
شيماء وعبد الرحيم وأمين وأنيس وإبراهيم وثريا وسارة وغيرهم من الأطفال اختطفتهم أيادٍ جائرة ورمت بهم في الشارع جثثًا هامدة، نهاية مأساوية روعت الشارع الجزائري، وأدخلته في دوامة الخوف والتوجس وانعدام الثقة والفزع أيضًا، فالبيوت في عديد المدن الجزائرية بمحافظات قسنطينة وميلة وعنابة ووهران وجيجل وسكيكدة وباتنة وفي العاصمة الجزائرية صارت تخاف ترك أبنائها تلعب أمام المنازل فأشباح النهار يمكنها أن تقتلع هذا الطفل أو ذاك من عائلته التي لن تراه مجددًا.
المتتبعون للشأن الاجتماعي في الجزائر يرون أن الظاهرة "شهدت اتساعًا خلال السنوات الأخيرة وتدخل في إطار العنف المجتمعي والجريمة التي لا غفران لها". وتضيف سعاد بن صفية، الأخصائية في علم الاجتماع والجريمة، لـ"الترا صوت": "تنتهي عمليات الاختطاف إما بالقتل العمد أو الاعتداء الجنسي أو طلب الفدية". وترى بن صفية أن "عمليات الاختطاف تطرح العديد من الأسئلة أهمها ما هو مرتبط بوضع المختطف أو القائم بالفعل، خاصة بالنظر إلى أن العديد من التحقيقات تفضي إلى أن المختطفين هم شباب في مقتبل العمر يقومون بتعنيف الضحية ثم الاعتداء الجنسي عليها ثم قتلها وقد يكون ذلك بسبب تعاطيهم المخدرات وانخراطهم في مجموعة عصابات ومنحرفين".
كما لفتت المتحدثة إلى أن "التضامن الشعبي مهم في مثل هذه الحالات التي تنم عن يقظة المواطن الذي لم يصمت وصار ينخرط في العملية ويساعد في عمليات البحث عن المختطفين، كما يندد بعمليات الاختطاف". وقد شهدت الجزائر مظاهرات واحتجاجات مؤخرًا شاركت فيها أحياء بالكامل، كانت خرجت للشارع مطالبة بإظهار الحقيقة وإنقاذ الضحية ومعاقبة المختطفين.
اقرأ/ي أيضًا: أطفال خبز الجزائر اليابس
وحول العقاب، طالب الكثيرون في الجزائر بتفعيل تنفيذ عقوبة الإعدام التي لا تطبق منذ سنة 1993 في الجزائر، ويرى البعض أن الأحكام المرتبطة بعمليات اختطاف الأطفال "غير مقبولة" رغم صرامتها، وهي، في العادة، أحكام تتراوح ما بين الإعدام دون تنفيذ والسجن المؤبد و20 سنة سجنًا، لكنهم يرون أنها أحكام تسمح بتكرار الفعل في حال تم تخفيف العقوبة. أصوات قانونية أخرى في الجزائر تدعو إلى إنشاء "محكمة خاصة" من أجل النظر في قضايا اختطاف الأطفال، ولو بصفة مؤقتة، نظرًا لتكرار الحالات مؤخرًا ولطمأنة الرأي العام الجزائري.
أحصت الجزائر خلال السنتين الأخيرتين ما يزيد عن 1323 حالة اختطاف من بينها ما يزيد عن 687 حالة اعتداء جنسي وقتل بعد الاختطاف
ويقول المحامي عبد الرحيم سعدي لـ"الترا صوت" إن "النصوص القانونية الجزائرية التي تعاقب مقترفي اختطاف الأطفال غير كافية وتحتاج إلى مراجعة وتعديل وتحسين"، مشددًا أن "ظاهرة اختطاف الأطفال تعتبر فعلاً إرهابيًا مروعًا لأنه يدخل مجموعة من الأسر والمجتمع الجزائري في حالة خوف دائم". ويعتبر القانون الجزائري الاختطاف، الذي يتجاوز زمنه 10 أيام جناية، بينما يضعه في إطار الجنحة إذا كانت مدته أقل من ذلك، وقد أكد المحامي سعدي أن "الاختطاف مهما كانت مدته وأهدافه لابد أن يعتبر جناية وينبغي إحالة مرتكبه بقوة القانون إلى محكمة الجنايات".
أحصت الجزائر خلال السنتين الأخيرتين ما يزيد عن 1323 حالة اختطاف من بينها ما يزيد عن 687 حالة اعتداء جنسي وقتل بعد الاختطاف. قضايا الاختطاف التي تطال الأطفال أحدثت جدلًا واسعًا وأسالت الكثير من الحبر، وارتفعت أصوات تنادي بتجاوز مرحلة كتمان عملية الاختطاف والتطرق إليها في المنابر الإعلامية وتوعية الشباب بالنتائج الناجمة عنها وخطورتها على المجتمع الجزائري، حيث حثت المحامية علية عروج في تصريح لـ"الترا صوت" إلى ضرورة التوعية بخطورة الظاهرة التي يجب أن ترفع شعارها الأسرة، على حد تعبيرها. ودعت المتحدثة إلى التفكير في قوانين خاصة بشريحة الأطفال لحمايتهم، خصوصًا وأن الجزائر عرفت مرحلة مأساوية في سنوات التسعينيات وما تعيشه اليوم، حسب المحامية عروج هو "عبارة عن تراكمات يجني ثمارها الفاسدة شريحة الأطفال".
كما لمست المحامية نقصًا كبيرًا في المشرع الجزائري، إذ يفترض أن "يأخذ بعين الاعتبار النقائص الموجودة في تسمية الوقائع المرتبطة بحالات الاختطاف وهذا بهدف الوصول إلى العقوبة المستحقة"، مشيرة إلى أن "التشريع الجزائري أصبح لا يتطابق مع الوضع الذي أفرزته سنوات الإرهاب والدم والدموع"، حسب قولها.
اقرأ/ي أيضًا: