31-مارس-2020

تعقيم موانئ بورسعيد (فيسبوك)

"لو تعرف الدكتور عادل تعيلب يشوف مكان فيه Ventilation كويس أكون شاكر حتى لو كان بمصاريف".

عادل تعيلب هو مدير الرعاية الصحية في منظومة التأمين الصحي ببورسعيد، والـ Ventilationهو جهاز التنفس الصناعي الذي يساعد مرضى فيروس كورونا الذين يعانون من صعوبة التنفس، والقائل هو الدكتور أحمد اللواح أستاذ ورئيس قسم التحاليل الطبية بجامعة الأزهر الذي توفي متأثرًا بإصابته بفيروس كورونا المستجد.

تتحدث الأرقام المتاحة عن امتلاك مصر 15 ألف سرير عناية مركزة، 9 آلاف منها مملوكة للقطاع الخاص

قصة قصيرة مخيفة في كل تفاصيلها، فالمصاب أحد أشهر الأطباء في بورسعيد، وبالتالي يُفترض أنه يحظى بعلاقات جيدة في الوسط الطبي تتيح له الحصول على خدمة طبية أكثر تميزًا من المواطن العادي، وبورسعيد هي أول محافظة مصرية يبدأ تطبيق منظومة التأمين الصحي الشامل بها قبل عشرة أشهر، وبالتالي يفترض أن تكون الخدمات الصحية بها أفضل من غيرها بحكم أن سكانها يدفعون جزءًا ليس صغيرًا من دخلهم للاشتراك الإجباري في المنظومة الجديدة، ثم إن معدلات الإصابة في مصر رقميًا ما زالت لا تُذكر مقارنة بدول أخرى، آخر تقرير لوزارة الصحة يتحدث عن 609 إصابات تعافى منها 182، بما يعني أن 420 حالة تقريبًا ما زالت تتلقى العلاج، ولو أخذنا في الاعتبار النسبة العالمية فإن 10% من المصابين يحتاجون إلى تدخل طبي وعناية مركزة بما يعني أن 50 مريضًا على الأكثر في مصر كلها يحتاجون إلى البقاء على أجهزة التنفس الصناعي، ورغم ذلك لم يجد الدكتور اللواح جهازًا ينقذ حياته!

اقرأ/ي أيضًا: في الحاجة إلى أخبار إيجابية

لم تكن تلك الحالة هي الأولى، سبقتها بساعات حالة الشابة ياسمين عباس، التي قام عمها الدكتور محمد عباس، وهو طبيب أيضًا، بتسجيل فيديو يستغيث فيه لإنقاذ حياة ابنة شقيقه المصابة بالفيروس بعدما حاولوا التواصل مع الخط الساخن والطب الوقائي واستخدم هو علاقاته للوصول إلى مستشار وزيرة الصحة، ولم يرد عليهم أحد ورفضت المستشفيات استقبال ياسمين، وبعدها بيومين أعلن الدكتور عباس وفاتها!

لم يكن ذلك مفاجئًا، المفاجأة لو حدث العكس. كلنا يعلم أننا أمام منظومة صحية متهالكة، وأنه مهما اجتهد الأطباء وقاموا بدور بطولي وخاطروا بحياتهم سيصطدمون في النهاية بنقص الأجهزة والإمكانيات، لذلك يركز الجميع من البداية على منع وصول المرض إلى مصر ثم منع انتشاره عبر الإجراءات الوقائية، لأننا لو وصلنا لمرحلة الانتشار سيكون الضحايا بالمئات وربما الآلاف، فقبل كورونا كان المواطن يمر على عشرات المستشفيات بحثا عن سرير عناية مركزة لإنقاذ حياة أحد أقاربه، فماذا لو أصبح الآلاف في حاجة للرعاية في نفس الوقت.

تتحدث الأرقام المتاحة عن امتلاك مصر 15 ألف سرير عناية مركزة، 9 آلاف منها مملوكة للقطاع الخاص، فيما لا تتوافر معلومات عن عدد أجهزة التنفس الصناعي في المستشفيات، ولا ينتظر أن يتم استيراد أجهزة كثيرة الآن في ظل حرص كل دولة على امتلاك أكبر عدد منها، هذه إمكانياتنا التي لا مجال لتغييرها في المدى المنظور، ربما أقصى ما تستطيع الحكومة فعله الآن إيجاد آلية لإدارة إمكانيات المستشفيات الخاصة في مواجهة الوباء.

ما نملكه الآن على سبيل الحصر هو البقاء في المنزل قبل الإمكان وتفادي التجمعات أيًا كانت، واتباع التعليمات الصحية التي باتت معروفة للجميع، ما زال تفادي الكارثة في أيدي المصريين أنفسهم حتى الآن، فإن خرجت الأمور عن السيطرة فإن نظامنا الصحي هذا لا يمكنه حتى التخفيف من آثارها.

هذا فعلًا ما نملكه الآن، لكن بعد أن ينتهي شبح كورونا لابد أن تكون لنا وقفة.

إن خرجت الأمور عن السيطرة من أيدي المصريين فإن نظامنا الصحي هذا لا يمكنه حتى التخفيف من آثارها

وقفة نراجع فيها منظومتنا الصحية ونسأل لماذا وصلت إلى هذه المرحلة من التداعي؟ لماذا لا تلتزم الدولة بالنسبة الدستورية المقررة للإنفاق على الصحة وتنفق أقل من نصفها؟ بماذا نفعتنا الكباري والطرق والمشروعات القومية والعاصمة الجديدة حين احتجنا جهازًا للتنفس ولم نجده؟

اقرأ/ي أيضًا: فيسبوك، كورونا، سوق الاعلانات... وأشياء أخرى

صحيح أن أزمة الصحة لا يتحملها النظام الحالي نفسه وأنها متوارثة عبر عقود، لكن ماذا فعل النظام في 6 سنوات تولى فيها المسؤولية؟ صحيح أننا دولة فقيرة، لكن ماذا لو وُجهت أموال العاصمة الجديدة فقط لدعم منظومة الصحة؟ أسئلة كثيرة يجب أن يطرحها الناس قريبًا، وأن تطرحها الحكومة على نفسها أولًا لتعيد ترتيب الأولويات وتعود للاستثمار في البشر قبل الأسفلت.

سيحدث ذلك قريبًا لا شك، ولكن الآن كل ما يجب عليك فعله أن تبقى في بيتك وتحمي نفسك والآخرين.

 

اقرأ/ي أيضًا:

أيام في نابلس.. هذا جيد سوف ننجو

هشاشة النظام