بحلول يوم الإثنين الماضي، السادس من كانون الثاني/يناير 2020، تمكن معظم السكان المحليين في الساحل الشرقي الأسترالي من العودة إلى منازلهم، بعد أن ساعدت الأمطار في إخماد الحرائق المستعرة نتيجة ارتفاع قياسي في درجات الحرارة.
أعلنت الحكومة الأسترالية اعتزامها قتل أكثر من 10 آلاف جمل للحد من تفاقم الاحتباس الحراري الذي يغذي الحرائق!
ووفقًا لمكتب الأرصاد الجوية الأسترالي، كانت الحرائق قد اندلعت في 130 موقعًا، قبل أن يتم السيطرة على أكثر من 50% منها إلا أن 54 موقعًا لا تزال فيها الحرائق خارجة عن نطاق السيطرة، وسط توقعات بموجة حرائق جديدة يوم السبت القادم نتيجة ارتفاع درجات الحرارة.
اقرأ/ي أيضًا: موت مليار حيوان في حرائق أستراليا.. لماذا لم تهرب هذه الحيوانات من الجحيم؟
حرائق أستراليا.. الأسوأ قادم
ويوم السبت الماضي، أعلنت الحكومة الأسترالية خروج الحرائق في الساحل الشرقي للبلاد، عن نطاق السيطرة، مرجعة السبب في ذلك إلى ارتفاع درجات الحرارة وسرعة الرياح، محذرةً من حدوث الأسوء، بعد أن أثرت الحرائق على نيوزيلندا التي تبعد قرابة ألف ميل عن موقع نشوب الحرائق، حيثُ غطت أدخنة الحرائق سماء نيوزيلندا، الدولة الوحيدة في العالم التي تحتوي على هواء شديد النقاء.
وخلال الأيام الماضية انتشرت مقاطع مصورة تظهر نفوق ملايين الحيوانات التي لم تستطع النجاة من أزمة الحرائق المستعرة، فضلًا عن خسائر مادية كبيرة، إذ تشير التقارير إلى احتراق أكثر من 30 مليون هكتار من الأراضي (15 مليون فدان)، فضلًا عن تدمير أكثر من 1300 منزل، ومقتل ما لا يقل عن 25 شخصًا، فيما لا يزال هناك قرابة 28 شخصًا آخرين في عداد المفقودين.
وسُجلت الكارثة الأكبر في أزمة الحرائق التي تشهدها أستراليا، منذ أيلول/سبتمبر الماضي، في المملكة الحيوانية، فقد أشارت التقديرات الأولية لنفوق ما يزيد عن 480 مليون حيوان من الثديات والطيور والزواحف، بينها أنواع مهددة بالانقراض، وسط ترجيحات بزيادة الرقم إلى مليار حيوان.
وتعتبر حيوانات الكوالا الأكثر عرضةً للخطر، كونها الأقل قدرة على الهروب من النيران بسبب حركتها البطئية، وسط تقديرات بنفوق ثمانية آلاف حيوان كوالا خلال الأسبوعين الماضيين، مع وجود تقديرات أخرى ترجح أن الرقم أعلى من ذلك بسبب استمرار الحرائق.
كما أظهر مقطع مصور هروبًا جماعيًا لحيوانات الكنغر بعيدًا عن ألسنة اللهب المشتعلة في غابات ولاية نيو ساوث ويلز. وأظهر مقطع آخر احتضان امرأة لأحد الكناغر الناجية من الحرائق المستعرة، وكان واضحًا عليه ملامح الخوف والفزع من شدة النيران.
فيما أظهرت مقاطع فيديو أخرى مساعدة السكان المحليين لرجال الإطفاء على إنقاذ الكوالا من الحرائق المستعرة، بعد أن توجهوا لمواقع النيران لإنقاذ أكبر عدد ممكن من هذه الحيوانات التي تشير التقارير إلى أن ثلثها نفقت بسبب النيران المستعرة منذ أكثر من ثلاثة أشهر على أقل تقدير.
وقالت وكالة الأنباء الفرنسية إن عناصر الإطفاء يضاعفون جهودهم خلال الفترة الحالية للسيطرة على حرائق الغابات الهائلة التي تضرب البلاد، مستفيدين من أحوال جوية أقل حدة من السابق، قبل موجة حر جديدة من المتوقع أن تضرب أستراليا اعتبارًا من يوم السبت القادم، 11 كانون الثاني/يناير الجاري، في ظل مخاوف من تقاطع حريقين في ولايتي نيو ساوث ويلز وفيكتوريا، قد ينتج عنهما حريق هائل.
هذا وأعلنت الحكومة الأسترالية عزمها قتل أكثر من 10 آلاف جمل وحشي، بسبب استهلاكها كميات كبيرة من المياه، وأكلها أوراق الأشجار، ما يفاقم الاحتباس الحراري الذي يغذي الحرائق. وقالت الحكومة إن عملية القتل الجماعي سينفذها قناصون من فوق حوامات.
درجات حرارة غير مسبوقة
تعتبر الحرائق التي تشهدها أستراليا الأسوأ على الإطلاق، في ظل درجات حرارة غير مسبوقة، فوفق مكتب الأرصاد الجوية فإن درجة الحرارة في البلاد ارتفعت بأكثر من درجة مئوية منذ عام 1910، كما أن درجات الحرارة هي الأعلى منذ عام 1950. ويعتقد العلماء أن متوسط درجات الحرارة المسجلة ما بين عامي 2010 و2019 جعلت العقد الماضي الأكثر دفئًا منذ تسجيل درجات الحرارة.
وقال خبراء الأرصاد الجوية إن درجات الحرارة تجاوزت رقمها القياسي في البلاد مرتين خلال الشهر الماضي، بدرجة حرارة وصلت إلى 40.9 درجة مئوية في الـ18 من كانون الأول/ ديسمبر 2019، قبل أن ترتفع في اليوم التالي إلى 41.9 درجة مئوية.
ويفوق الرقمان درجة الحرارة القياسية التي سجلت في عام 2013 عند 40.3 درجة مئوية. وبنهاية نفس الشهر، تجاوزت درجات الحرارة في جميع الولايات الأسترالية 40 درجة مئوية.
ووفقًا للمنظمة العالمية للأرصاد الجوية، سجل العام الماضي ارتفاعًا استثنائيًا في درجات الحرارة على مستوى العالم. وأوضحت المنظمة أن السبب في ذلك يرجع إلى انبعاثات الغازات الدفيئة، فضلًا عن تآكل مساحات الغابات وحرق الفحم للحصول على الطاقة. ويضيف التقرير الذي يغطي حتى تشرين الأول/أكتوبر 2019، أن درجات الحرارة في الصيف الأسترالي سجلت متوسطًا هو الأعلى الإطلاق.
وفي تقرير صدر في تشرين الأول/أكتوبر 2018، حذرت الأمم المتحدة من أنه أمام البشرية 12 عامًا لتجنب كارثة ناجمة عن التغير المناخي، ما يعني أنه أمام قادة الدول مهلة حتى عام 2030 للعمل على خفض انبعاثات الغازات الدفيئة، رغم أنه يبدو أمرًا صعبًا نظرًا لارتفاع مستوى الانبعاثات كل عام.
انتقادات لرئيس الوزراء الأسترالي
يصف خبراء البيئة الأستراليون، ما تتعرض له البلاد بفعل الحرائق المستعرة، بـ"حالة حرب"، في إشارة لتدخل الجيش في عمليات الإجلاء الجماعي والمساعدة في عمليات الإطفاء، خاصة وأن الحرائق قضت خلال الأسبوعين الماضيين على قرابة 30% من غابات ولاية نيو ساوث ويلز، وسط ترجيحات بارتفاع النسبة إلى 50% نهاية الأسبوع الجاري.
مع ذلك، يقلل رئيس الوزراء الأسترالي، سكوت موريسون، من الأزمة المناخية التي تشهدها البلاد، إذ صرح بأنه لا توجد صلة مباشرة بين انبعاث الغازات وشدة الحرائق المشتعلة في جميع أنحاء البلاد، رغم إقراره في نفس الوقت، بأن التغير المناخي يؤثر على الغابات خلال الحرائق الموسمية. هذا وقد أشارت التقارير إلى أن أستراليا واحدة من أعلى الدول في مستوى البصمة الكربونية للفرد الواحد.
وخلال جولته لتفقد الأضرار الناجمة عن موجة الحرائق غير المسبوقة التي شهدتها بلدة كوبارغو في جنوب شرق ولاية نيو ساوث ويلز، تعرض موريسون لانتقادات شديدة من المواطنين بسبب طريقة تعاطي الحكومة الأسترالية مع أزمة الحرائق. وذكرت وسائل إعلام محلية أن أحد السكان المحليين وصف رئيس الوزراء بـ"الأحمق".
وأظهر مقطع متداول عبر موقع تويتر، رفض امرأة مصافحة موريسون إلا في حال أن قدم الدعم المالي لدائرة خدمات الإطفاء الريفية. وقالت المرأة: "سأصافح يدك فقط إذا قدمت المزيد من الأموال إلى دائرة خدمات الإطفاء الريفية، فَقَدَ الكثير من الناس منازلهم هنا. نحن بحاجة إلى مزيد من المساعدة".
ويواجه رئيس الوزراء الأسترالي انتقادات من قبل نشطاء المناخ والمجتمع المحلي، بسبب تقليل حكومته من الأزمة المناخية مقابل تركيزها على النمو الاقتصادي. ووصف النائب أندرو كونستانس، ما تعرض له موريسون خلال زيارته لبلدة كوبارغو، بأن المواطنين "منحوه الترحيب الذي يستحقه".
يواجه رئيس الحكومة الأسترالية انتقادات شديدة بسبب تقليله من الأزمة المناخية التي تشهدها البلاد ونفيه علاقة الاحتباس الحراري بالحرائق
من جهتها، قالت الحكومة الأسترالية إنها خصصت مبلغ ملياريْ دولار لصالح هيئة حكومية جديدة لإعادة إعمار المناطق التي دمرتها الحرائق هذا الموسم. وقال موريسون إن الأموال ستدفع على مدار العامين المقبلين، مضيفًا: "إذا كانت هناك حاجة لمزيد من الأموال، فسيتم توفير المزيد من الأموال".
اقرأ/ي أيضًا:
"أهلًا بك في الجحيم".. حرائق فريدة من نوعها تجتاح أستراليا
لحمة وإنترنت أقل.. ما يمكن أن نفعله كأفراد لمواجهة الاحتباس الحراري