في الوقت الذي كانت الأوساط الكروية منشغلة بأخبار الميركاتو والصفقات العالقة والتحضيرات للموسم الجديد، خطف أسطورة الحراسة الإيطالية والعالمية جيانلويجي بوفون الأضواء من الجميع، وتصدّر عناوين الصحف ووسائل التواصل، بعدما أعلن فسخ عقده بالتراضي مع ناديه بارما، وتعليق قفازه للأبد، طاويًا بذلك مسيرة رياضية مشرقة امتدت لـ 28 سنة مثّل خلالها المنتخب الإيطالي وفرق بارما، يوفنتوس وباريس سان جيرمان. حتى لحظة إعلان الاعتزال كان بوفون اللاعب الوحيد من الجيل الإيطالي الذهبي المتوج بمونديال 2006 الذي لا يزال ينشط في الملاعب.
البداية والنهاية في بارما
بدأ بوفون مسيرته مع أكاديمية نادي بارما، وكان يلعب يومها في مراكز متعددة وخاصة كلاعب خط وسط، إلا أن الأداء المميز لحارس مرمى الكاميرون توماس نكونو ألهمه لتغيير مركزه والتحوّل لحراسة المرمى.
الباقي كان تاريخًا!
لفت بوفون الأنظار بسرعة إليه في مركزه الجديد، وتدرّج بسرّعة حتى أصبح الحارس الأول للفريق في سن صغيرة، في فترة كان فيها النادي يعجّ بالنجوم، فقادهم لتحقيق ثنائية كأس إيطاليا وكأس الاتحاد الأوروبي في العام 1997، واستدعي إلى المنتخب الإيطالي قبل أن يبلغ سن العشرين، بعدما كان مثّل منتخبات إيطاليا للفئات العمرية.
أداء بوفون المتميز مع بارما، دفع إدارة يوفنتوس إلى دفع أكثر من خمسين مليون يورو للتعاقد معه في العام 2001، وهو رقم قياسي فيما يخص حراس المرمى يومها، كما أنه أعلى مبلغ يدفعه اليوفي في أحد اللاعبين، واستمر الرقم صامدًا حتى صفقة جونزالو هيجواين في العام 2016.
ربح بوفون محبة جمهور اليوفي خلال فترة قصيرة، بسبب أدائه المميز وتصديّاته الخرافية، وأصبح سريعًا الحارس الأول للمنتخب الإيطالي. ساعد بوفون خلال سنواته ال 17 سنة في تورينو، الفريق في السيطرة على الكرة المحلية في إيطاليا خلال الفترة التي سبقت فضيحة الكالتشيوبولي، جُرّد اليوفي في العام ٢٠٠٦ من لقب الدوري وتم تهبيطه إلى الدرجة الثانية. رفض بوفون كل العروض المقدمة وآثر البقاء مع الفريق ولعب في الدرجة الثانية، في قصة من قصص الوفاء الخالدة في كرة القدم.
لوحة بوفون المميزة التي رسمها مع اليوفي بقيت منقوصة من التفصيل الأهم، واللمسة الأجمل، أي دوري أبطال أوروبا، قاتل بوفون للحصول على هذه اللقب مع اليوفي وكان قريبًا جدًا، وخسر النهائي ثلاث مرات، كأنها لم تكن مقدّرة له.
رحل بوفون في العام 2017 إلى باريس سان جرمان، ولعب عامين مع الفريق، دون أن يحلّ عقدة الأبطال، ليعود بعدها إلى يوفنتوس ويلعب لفترة، قبل أن يذهب لمساعدة فريق طفولته بارما، ويلعب له، ثم يعتزل اللعب.
أبرز الأرقام القياسية
بوفون هو أكثر من مثّل منتخب إيطاليا ( 176 مباراة )، وأكثر من حمل شارة القيادة مع الأدزوري ( 80 مباراة )، كما أنه أكثر لاعب مشاركة بمباريات في دوري الدرجة الأولى الإيطالية ( 657 مباراة)، وهو واحد من ستة لاعبين فقط تواجدوا في خمس نسخ من كأس العالم.
في الدوري الإيطالي، يمتلك بوفون أطول سلسلة محافظة على شباك نظيفة، استمرت لـ 974 دقيقة، وكان ذلك في موسم 2015-2016، في الموسم نفسه حافظ بوفون على نظافة شباكه في 25 مباراة، وهو أعلى رقم مسجّل في موسم واحد بتاريخ الدوري الإيطالي.
بوفون هو واحد من ثلاث حراس فقط حققوا 50 كلين شيت في دوري أبطال أوروبا ( مع كاسياس وفان درسار)، وهو ثاني أكبر لاعب يشارك في مباراة بدوري الأبطال.
بعد فوز اليوفي بلقب دوري 2019-2020 أصبح بوفون أول لاعب يتوّج بالكالشيو عشر مرات، كما يمتلك بوفون الرقم القياسي بالتتويج بكأس إيطاليا بالتساوي مع مدرب إيطاليا الحالي روبرتو مانشيني ( ست مرات).
ماذا قالوا عنه؟
عندما سئل عن أفضل لاعب درّبه، أجاب فابيو كابيلو: " يمكنني أن أستبدل الفريق بأكمله باستثناء بوفون، سيتواجد في أي تشكيلة أضعها"، بينما قال عنه زميله السابق في يوفنتوس والمعتزل مؤخّرًا زلاتان إبراهيموفيتش: "التسجيل ضد بوفون أمر صعب في التدريبات وفي المباريات، إنه ببساطة لا يُهزم".
كما أشاد عدد كبير من حراس الجيل الحالي ببوفون وتأثيره عليهم، حيث يعتبره مانويل نوير مثله الأعلى في حراسة المرمى، فيما يشير بيتر تشيك إلى أنه تأثر ببداية مسيرته بعض الحراس مثل أوليفر كان وغيره، إلا أن ظهور بوفون غيرّ كل المفاهيم لديه.
أما أسطورة الحراسة الإيطالية وبطل مونديال 1982 دينو زوف فيقول إن بوفون أظهر أمورًا كبيرة منذ انطلاقة مسيرته، ونجح بالمحافظة على المعايير العالية طوال فترة لعبه".